تعد متلازمة داون، أو ما يسمى بـ (التثلث الصبغي 21) أحد الأمراض الجينية الأكثر شيوعًا، وقد حلّل باحثون من جامعتي جينيف (UNIGE) و(ETH Zurich) في سويسرا، البروتينات عند أفراد مصابين بمتلازمة داون للمرة الأولى، وكان الهدف من ذلك هو زيادة استيعاب كيف يمكن أن يؤثر نسخ الكمبرس في (الصبغي 21) على التطور البشري، وأظهرت دراسة نشرت في دورية (Nature Communications)، أن متلازمة داون فضلًا عن تأثيرها على البروتينات المشفرة من قبل (الصبغي 21)، تؤثر أيضًا على بروتينات مشفرة من قبل جينات موضوعة على صبغيات أخرى.

والحقيقة، أن الخلايا تُغمر ببروتينات فائضة مُنتجَة من قبل جينات ثلاثية النسخ، وبدوره لا يمكنها تنظيم هذا الكم من البروتينات.

وتؤمِّن هذه النتائج رؤية جديدة لمتلازمة داون وأعراضها بالارتكاز على دراسة البروتينات، كاشفين عن تأثيرات جديدة لزيادة التعبير عن (الصبغي 21) على سلوك الخلية.

تتضمّن أعراض متلازمة داون أو (التثلّث الصبغي 21) – الداء الجيني الأكثر شيوعًا- تشوّهات في الوجه، وتأخّر عقلي، وضعف عضلي، وأمراض قلب خلقية.
وتَنتُج المتلازمة من وجود ثلاثة نسخ من (الصبغي 21)، مما يفسر هذا سبب تركيز الأبحاث حتى الآن على تحليل الحمض النووي و الـ (ترانسكريبتوموم) – كل رنا مرسال تم توليفها من جينات الجينوم لدينا.

يشرح الدكتور ستيليانوس إ. أنتوناراكيس: ” إن البروتينات بالرغم من ذلك، جزيئات مفيدة للغاية؛ لأنها ترتبط ارتباطًا وثيقا بالعلامات السريرية للمتلازمة، وتُمكِّن دراستها من فرض فرضيات جديدة حول الآليات الخلوية المضطربة من (التثلث الصبغي 21)”، ويبقى تحليل جميع البروتينات من العينات السريرية مهمة صعبة للغاية من الناحية التقنية، وذلك كان السبب في توحيد جهود باحثي جامعة (UNIGE) مع فريق بقيادة البروفيسور رودي ابرسولد من جامعة (ETH Zurich) الخبير العالمي في دراسات البروتين.

لقد نجح العلماء في قياس 4000 من البروتينات الـ 10،000 التي تولدت من قبل خلايا الجلد – وهو سَبْقٌ عالمي- باستخدام (SWATH-MS)، التي تعد تقنية جديدة لقياس الطيف الكتلي وضعتها جامعة (ETH) زيوريخ، وتعد الاختلافات البروتينية بين خلايا متلازمة داون وشخص دون شذوذ جيني مماثل منخفضة (1.5 أضعاف للبروتينات التي تنتجها الجينات 21 كروموسوم).

ويصعب التحري عنها باستخدام التقنيات التقليدية، مما يعني أنه كان من الضروري انتظار تطوير طريقة فائقة الحساسية من أجل الكشف عن الاختلافات الصغيرة، وأضافت كريستيل بوريل، باحثة في قسم الوراثة والتنمية في كلية الطب في جامعة (UNIGE): “علاوة على ذلك، كان الهدف فقط تحليل اختلافات البروتين التابعة للشذوذ الجيني، وليس الاختلافات التي يمكن أن تعزى إلى الفروق الفردية؛ لذا عملنا على خلايا ليفية معزولة من فردِ توأمِ إناثٍ تتقاسمان الخلفية الجينية نفسها، إلا أن إحداهما لديها (التثلث الصبغي 21) بخلاف الأخرى”.

اكتشاف آلية خلوية للتنظيم الذاتي.

كشف فحص مفصَّل لعينات التوأم العديد من النتائج الرئيسية لتحسين فهمنا لتأثير متلازمة داون على الخلايا، وقد لوحظت اختلافات كميّةٌ كبيرة في البروتينات التي لم يتم ترميزها حصرًا من الجينات على (الصبغي 21)، إضافة إلى تلك الجينات التي تعبر عن الصبغيات الأخرى.

تسبب متلازمة داون كمية زائدة من رنا المرسال والبروتينات التي تخُلّ بالوظائف الخلوية للفرد المصاب، وقد لاحظ الباحثون آلية خلوية لإنتاج البروتين الذاتي التنظيم، وهي التي كانت قادرة على مواجهة فرط التعبير للبروتينات.

إن هذه الآلية تساعد في الظروف العادية، على تصحيح تجاوزات طفيفة وينظم كمية البروتين التي تحتاجها خلايانا، ولكن تُترَك الخلايا مع فائض من البروتينات بسبب وجود صبغي إضافي 21، الذي يرمز بنفسه البروتينات، ومن ثم لم تعد آلية التنظيم الذاتي قادرة على السيطرة على الكميات وتقييدها.

يقول البروفسور أنطوناراكيس: “لأول مرة، يوجد لدينا تحليل شامل للبروتينات التي تم تحريرها من قبل (التثلث الصبغي 21)، مما قد يفسر أسباب الأعراض المختلفة لمتلازمة داون”.

ووجد الباحثون الوراثيون في (UNIGE) أيضًا أنّ لـ (التثلث الصبغي 21) أثرًا أيضًا على الهياكل الفرعية المختلفة للخلية، وخاصة الميتوكوندريا، المسئولة عن عمليات الطاقة في الخلية. ولكن هنا المشكلة معكوسة تمامًا، فالبروتينات التي تشكل الميتوكوندريا تتضاءل بشكل مفرط ويؤثر هذا على أدائها الصحيح، وتم التحقق من النتيجة الأخيرة مع عينات من المرضى الآخرين مع (التثلث الصبغي 21)، وظهر أن أحد أنواع البروتينات المتضررة هو أيضًا مهم للغاية لفهم ما يسبب الأعراض.

يقول كريستيل بوريل: “بشكل عام، يتم تسريع دوران البروتين في الخلايا ثلاثية الصبغي، ثم هناك نوعان من البروتينات، تعمل أول مجموعة كمعقد لأداء وظيفة دقيقة، والثانية، من ناحية أخرى تعمل وحدها، ولقد اكتشفنا أن البروتينات في المجمعات تتراجع بسرعة أكبر في الخلايا ثلاثية الصبغي، وهو شيء لم يكن من الممكن اكتشافه من قبل”.

وفي الواقع، تضبط البروتينات التي تجمع بشكل متبادل وطبيعي من خلال تشكيل معقدات، مما يعني القدرة على التحكم بالفائض منها، وعلى النقيض من ذلك، هناك فائض من البروتينات الانفرادية التي كان من الصعب عرضها من قبل الخلية لأنها منفردة وظيفيًّا.

رؤية جديدة بالبحث في علم الوراثة الطبية

أخذ علماء الوراثة من جامعة (UNIGE) بالتعاون مع خبراء من جامعة (ETH Zurich)، خطوة كبيرة قدمًا في فهمنا لمتلازمة التثلث الصبغي من خلال تجاوز دراسة الجينات وال وصولًا للبروتينات.

وأنارت هذه الاكتشافات المبدئية بالإضافة إلى برهنة جدوى هذه التقنية نظريات جديدة للدراسة، منذ معرفة أنه من الممكن تطبيق هذه المنهجية على أمراض جينية أخرى.

واختتم الدكتور أنطوناراكيس قائلًا: “نحتاج فيما بعد أن نرى أيًا من البروتينات المحررة هي المسئولة عن أعراض معينة لمتلازمة داون، ثم نحتاج معرفة ما إذا كانت الاكتشافات الجديدة ممكنة لأنواع أخرى من الخلايا، مثل: الخلايا العصبية، أو خلايا القلب، متأثرة بشدة من (التثلث الصبغي 21)”.

مواضيع ذات صلة:


  • ترجمة: مريم عيسى.
  • تدقيق: رجاء العطاونة.
  • المحرر: عامر السبيعي
  • المصدر