من علماء البيولوجيا إلى معتنقي البوذية، يتفق الجميع أن الإحساس بالألم جزء لا يتجزأ من الحياة. لكن هذا لم ينطبق على إحدى النساء المتقاعدات في اسكتلندا، إذ اكتسبت طفرةً جينيةً نادرةً مفادها أنها تشعر بالقليل من الألم أو لا تشعر به إطلاقًا. على الرغم من أن حياتها شهدت عددًا لا يحصى من الكدمات والعظام المكسورة والحروق، إلّا أن التعديل الجيني غير الطبيعي أعطاها شعورًا بالتفاؤل المطلق وعدم القلق.
نُشرت دراسة على الطفرة الجينية غير المعروفة التي منحت المرأة قواها الخارقة في المجلة البريطانية للتخدير- British Journal of Anesthesia. يأمل علماء جامعة كلية لندن -University College London (UCL) وجامعة أوكسفورد أن يكتشفوا علاجًا جديدًا للألم المزمن واضطرابات القلق.
«توابع هذه الاكتشافات هائلة»، كان هذا تعقيب الطبيب ديفيت سريفاستافا، المستشار في التخدير وطب الألم في مشفى في شمال إسكوتلندا والذي عالج المرأة للمرة الأولى.
لم تعرف الاستكلندية جو كاميرون البالغة من العمر واحدًا وسبعين عامًا بخصوص حالتها إلا في منتصف الستينيات من عمرها. سعت جو لعلاج إصابتين إحداهما تؤثر على وركها والثانية على يدها، واللتان عادةً ما تكونان مؤلمتين بشكل ملحوظ. ما فاجأ الطبيب هو عدم شكواها من أيّ ألم أو عدم راحة، إضافةً إلى أنها لم تطلب أيّ مهدئات، كما لاحظ أيضًا أن إصاباتها مالت لأن تتعافى بسرعة غير معهودة.
قالت السيدة كاميرون: «لم أمتلك أدنى فكرة عن غرابة أنني لم أشعر بأي ألم إلا قبل سنوات قليلة، لقد ظننت أن الأمر طبيعي». اكتشف الطبيب سريفاستيفا انعدام الإحساس بالألم وحوّلها لفريق من الباحثين المهتمين بالألم وعلم الجينات في UCL وأوكسفورد.
كتب مؤلفو الدراسة: «بلّغت جو عن العديد من الحروق والجروح دون ألم، كانت غالبًا ما تشتمّ رائحة لحمها يحترق قبل ملاحظة أي إصابة، وتعافت هذه الإصابات بسرعة وبندبات خفيفة أو غير موجودة إطلاقًا. كما بلّغت عن أكلها لفلفل حار من نوع Scotch Bonnet دون أي إنزعاج باستثناء توهج لذيذ دام لفترة قصيرة في الفم».
أخذ علماء الجينات نظرةً قريبةً على حمضها النووي DNA ليكتشفوا ماذا يحدث ولاحظوا ميزتين بارزتين. اكتشفوا طفرات في منطقة تُدعى FAAH-OUT كان يُظن سابقًا أنها جينات عديمة الفائدة، بالإضافة لطفرات في جينات مجاورة تتحكم في أنزيم يُدعى FAAH.
رُبط أنزيم FAAH بالإحساس بالألم والمزاج والذاكرة منذ فترة طويلة. يعمل هذا الأنزيم عن طريق تحطيم ناقل عصبي يُدعى anandamide ويُعرف أحيانًا بجزيئة النعيم. يبدو أن الطفرة الجينية نتج عنها إنتاج أقل لأنزيم FAAH وبالتالي السماح للعديد من جزيئات النعيم بممارسة فعلها السحري.
أظهرت الجرذان الفاقدة لجين FAAG الإحساس بالألم أقل وتسارع بشفاء الإصابات ونقصًا في التوتر كما أشارت الدراسات السابقة. لا يبدو ذلك بعيدًا جدًا عن حالة الآنسة جو. وصفت جو نفسها بالمتفائلة وأعطت نتائج شديدة الانخفاض في مقياس القلق العام. حتى أثناء التجارب الحياتية المخيفة كتحطم سيارة كانت داخلها، لم تبلغ إلا عن القليل جدًا من التوتر أو الخوف.
قال الطبيب جايمس كوكس من UCL «نأمل مع الوقت أن تساهم اكتشافاتنا في تضمين البحث السريري بخصوص ألم ما بعد العمليات واضطراب الكرب التالي للرضح PTSD وشفاء الإصابات والقلق والألم المزمن، تقنيات علاج جينية». قالت جو: «سأكون غايةً في السعادة إذا ساعدت الأبحاث على جيناتي الأشخاص الآخرين الذين يعانون من الألم».
اقرأ أيضًا:
ما الذي يسبب التشنجات و الألم بعد ممارسة الجنس ؟
ما الذي يسبب ألم الثدي قبل الدورة الشهرية؟
دراسة جديدة تؤكِد أنَّ الأشخاص الذين يستهلِكون القهوة بانتظام أقل حساسيّة للألم
تمّ الربط بين مسكّن الألم الشائع هذا وازدياد خطر النوبات القلبيّة والجلطات
ترجمة: عبدالله حماد
تدقيق: محمد وائل القسنطيني