البيونيك ( هندسة الإلكترونيات الحيوية ) هو علم إنشاء أنظمة صناعية لها بعض خصائص الأنظمة الحية وهي ليست بعلم اختصاصي بقدر كونها فرعًا من العلوم ويمكن مقارنتها بعلم التحكم الآلي السيبراني. يعتبر البيونيك والسيبرانية وجهان لعملة واحدة فكلاهما يستخدم نماذج من الأنظمة الحية. ففي حين تبحث البيونيك عن أفكار جديدة للآلات الاصطناعية المفيدة، تبحث السيبرانية عن تفسير سلوك الكائنات الحية.
وهكذا نجد أن البيونيك ( هندسة الإلكترونيات الحيوية ) تختلف عن الهندسة الحيوية أو عن التقانة الحيوية المعروفة بأنها استخدام الكائنات الحية لأداء بعض المهام الصناعية كاستخدام مستعمرات الخمائر على المواد البترولية لتقديم بروتينات الطعام بالإضافة لاستخدام الكائنات الحية الدقيقة ذات القدرة على تركيز المعادن من الخامات منخفضة الجودة أو لإنتاج الطاقة الكهربائية عبر هضم البكتيريا للفضلات وذلك في البطاريات الكيميائية الحيوية (البيوكيميائية).
يعتبر تقليد الطبيعة فكرة قديمة، إذ صمم العديد من المخترعين الآلات على غرار الحيوانات على مر القرون فتقليد الطبيعة له ميزات جلية. وبما أن معظم الكائنات الحية على الأرض الآن هي نتاج ملياري سنة من التطور، فإن بناء الآلات القادرة على العمل في بيئة مشابهة لبيئة الكائنات الحية يمكن أن يحقق الفائدة من هذه التجربة الهائلة.
لكن على الرغم من كون التقليد المباشر للطبيعة أسهل طريقة يمكن التفكير بها، فقد يكون صعبًا وأحيانًا مستحيلًا لأسباب عديدة من أهمها الاختلاف في المقاييس. لذلك وجد علماء البيونيك أنه من الأفضل فهم مبادئ عمل الأشياء في الطبيعة مقارنة بالتقليد الأعمى للتفاصيل.
الخطوة التالية هي البحث المعمم عن الإلهام من الطبيعة، إذ يمكن أن تُدرس الكائنات الحية من وجهات نظر عديدة، فالعضلات الحيوانية هي محرك ميكانيكي فعال، والطاقة الشمسية تخزن بشكل كيميائي من قبل النباتات بكفاءة تقارب ١٠٠٪، في حين أن نقل المعلومات في الجهاز العصبي أكثر تعقيداً من أكبر المقاسم الهاتفية، وقدرة العقل البشري على حل المشكلات تتجاوز قدرة أقوى أجهزة الحاسوب الفائقة حتى الآن، وهي أمثلة على الحقلين الأساسيين في أبحاث علم الإلكترونيات الحيوية ( البيونيك ): معالجة المعلومات وتحويل الطاقة وتخزينها.
إن النمط العام لشبكة معلومات الكائنات الحية هو التالي: تُستقبَل الأحاسيس المحيطة عبر أعضاء الحس ثم ترمّز إلى إشارات تنقلها الأعصاب إلى مراكز المعالجة والحفظ في الدماغ.
فعلى سبيل المثال، لدى أفاعي الحُفَر (أحد فروع عائلة Crotalinae التي تتضمن الثعابين أيضًا) آلية استشعار للحرارة متموضعة في حفرة بين العيون والخياشيم، هذا العضو ذو درجة حساسية عالية جدًا لدرجة أنه قادر على أن يستشعر فأرًا على مسافة بضعة أمتار.
وعلى الرغم من وجود أجهزة كاشفة للأشعة تحت الحمراء من صنع الإنسان أكثر حساسية، لا تزال البيونيك قادرة على تحقيق الفائدة من دراسة الأفاعي.
أولًا، سيكون من المثير للاهتمام وأمرًا ذا قيمة كبيرة أن نفهم مبدأ تحويل الطاقة الذي يحدث عند الثعابين في حفرة الأشعة تحت الحمراء، بالإضافة للعملية التي تُحفّز بها الأعصاب في غياب آلية تضخيم للإشارة.
ومن الأمثلة المدهشة الأخرى عضو استشعار الرائحة عند عثة الحرير- دودة القز (Bombyx mori) .إذ يمكن للذكور التقاط المواد الكيميائية التي تفرزها الأنثى بكمية صغيرة جدًا تصل لبضعة جزيئات.
في موصل كسلك الهاتف تضعف الإشارة مع انتقالها على طول السلك، ويجب أن توضع أجهزة تضخيم إشارة على مسافات لإعادة تقويتها. و هي ليست نفس الحالة في المحور العصبي للحيوانات: فالنبضة العصبية الصادرة عبر أعضاء الحس لا تضعف خلال انتقالها على طول المحور العصبي، يمكن أن تسافر هذه النبضة في اتجاه واحد فقط، وهذه الخصائص تجعل المحور العصبي قادرًا على القيام بالعمليات المنطقية.
لكن في عام 1960 صُنِع جهاز نصف ناقل سُمي بالحاسوب العصبي كان قادرًا على نقل الإشارة باتجاه واحد دون أن تضعف بالإضافة إلى قدرته على تنفيذ عمليات حسابية ومنطقية.
استوحي الحاسوب العصبي من نموذج طبيعي، إذ يُقلد السلوك الديناميكي لشبكات المعلومات العصبية الطبيعية ويمكن لكل دارة كهربائية أن تخدم بالتتابع لعمليات مختلفة في أسلوب مشابه لذلك الموجود في الجهاز العصبي.
سؤال آخر من اهتمامات البيونيك وهو كيفية استفادة نظام حي من المعلومات، ففي الظروف المتغيرة يقيّم البشر مسارات بديلة للنشاط. فبطريقة ما نجد أن كل حالة تمثل حالة اختيرَت مسبقًا، “التعرف على الأنماط” هو عنصر هام في النشاط البشري وله آثار في البيونيك.
وإن إحدى الطرق لتصميم آلة اصطناعية قادرة على التعرف على الأنماط وخصائصها تكون باستخدام عمليات التعلم، وقد طُورت الإصدارات التجريبية من هذه الآلات إذ تستطيع التعلم لإنشاء وتعديل الروابط عبر عدد كبير من الطرق البديلة في شبكة من المسارات. لا يزال هذا التعلم على أي حال بدائيًا وبعيدًا عن البشر.
تكمن أول الفروق الأساسية بين الحواسيب الإلكترونية الموجودة وعقل الإنسان في طريقة تنظيم الذكريات وذلك سواءً في ذاكرة الكائن الحي أو ذاكرة الآلة.
فإن المشكلة تكمن في استرجاع المعلومات حالما تُخزن وتسمى الطريقة التي تستخدمها أجهزة الكمبيوتر بـ “العنونة”؛ إذ يمكن مقارنة ذاكرة الكمبيوتر بصف كبير من الخانات يملك كل منها رقمًا معينًا أو عنوانًا (موقعًا). ويمكن إيجاد معلومة محددة في حال كان العنوان معروفًا -والذي يكون رقم الخانة-.
أما ذاكرة الإنسان تعمل بطريقة مختلفة تمامَا مستخدمة ترابط البيانات. إذ تُسترجَع المعلومات بالاعتماد على محتواها وليس بالاعتماد على عنوان خارجي مضاف بشكل اصطناعي وهذا الفرق نوعي كما أنه كمي، تنبئ أجهزة الذواكر المصنوعة من قبل الإنسان الآن باستخدام المبادئ الترابطية وتوجد إمكانيات عظيمة في هذا المجال.
يقيّم الفرق الرئيسي الثاني بين الحواسيب الإلكترونية وعقل الإنسان طريقة التعامل مع المعلومات. فالحاسوب يعالج بيانات دقيقة في حين أن الإنسان يقبل بيانات غير واضحة وينفذ عمليات غير صارمة بشكل دقيق.
كما تنفذ الحواسيب عمليات أساسية بسيطة جدًا لتنتج بذلك نتائج معقدة عبر إنجاز عدد كبير من هذه العمليات البسيطة بسرعات عالية جدًا. وبالمقابل، يعمل العقل البشري بسرعة منخفضة لكن بشكل متوازٍ بدلًا من الشكل المتسلسل مُنتجًا عدة نتائج متزامنة يمكن مقارنتها.
في العالم الحي، تخزن الطاقة في هيئة مركبات كيميائية ويصطحب استخدامها دائمًا مع تفاعلات كيميائية. إذ تُخزّن الطاقة الشمسية من قبل النباتات عبر العمليات الكيميائية المعقدة، وتُستمد طاقة الحركة العضلية من التغيرات الكيميائية، كما أن الضوء الذي تصدره بعض الأحياء كالفطر والديدان المتوهجة وأنواع معينة من الأسماك ذو مصدر كيميائي.
وفي كل حالة يكون نقل الطاقة فعالًا بشكل ملحوظ مقارنة بالمحركات الحرارية. وحاليًا، يُبدَأ بفهم كيفية حدوث هذه التفاعلات في المواد الحية وطبيعة الدور المعقد الذي تلعبه الأغشية الحية. ولربما يمكن تجاوز بعض حدود التعقيد والهشاشة الجزيئية في آلات الطاقة الاصطناعية المصنوعة من قبل الإنسان ويمكن إنجاز نتائج أفضل من تلك الموجودة في الأغشية الطبيعية.
اقرأ أيضًا:
ترجمة: محمد باكير
تدقيق: رزوق النجار