قد يكون أحد أكثر سيناريوهات الخيال العلمي غرابة وهو استخدام الثقب الأسود كبوابة للعبور إلى بعد آخر أو زمن آخر أو حتى كون جديد ، أقرب إلى الواقع مما تخيلنا سابقًا . ربما تكون الثقوب السوداء أكثر الأشياء غرابة في الكون . إنها نتيجة سحق الجاذبية لنجم محتضر دون حدود، ما يؤدي إلى تكون (نقطة التفرد – singularity) حقيقية . عندما تُضغط مكونات النجم المحتضر بأكمله في منطقة صغيرة تؤدي إلى كثافة لا نهائية . هذا التفرد الكثيف والساخن يفتح ثقبًا في نسيج الزمكان نفسه، ربما يعطي فرصة للسفر عبر نسيج الزمكان؛ أي قطع مسافات كونية هائلة في فترة قصيرة. اعتقد الباحثون في السابق أن أي مركبة فضائية تحاول استخدام ثقب أسود كبوابة عبور من هذا النوع يجب أن تكون مستعدة لمواجهة أسوأ ظروف الطبيعة. فقد يتسبب تفرد الثقب الأسود المعروف بالـ singularity بسلسلة من التمدد والانضغاط المتتاليين ل المركبة قبل أن تتبخر بالكامل.
مركبة فضائية
عبور ثقب أسود:
أثبت فريقي من جامعة ماساتشوستس دارتموث وزميل لنا في كلية جورجيا جوينيت أن الثقوب السوداء لا تولد متساوية. إذا كان الثقب الأسود مثل *Sagittarius A ، الموجود في مركز مجرتنا كبيرًا وفي حالة دوران دائمة، فسيتغير تأثيره على المركبة الفضائية بشكل كبير. ذلك لأن التفرد الذي يجب على المركبة الفضائية التعامل معه في هذه الحالة يمكن أن يسمح بمرور سلمي للغاية!!
والسبب في ذلك هو أن التفرد داخل الثقب الأسود الذي يدور بسرعة هائلة ضعيف نسبيًا، وبالتالي لا يضر بالأشياء التي تتفاعل معه (أي تعبر قربه أو عبره حيث يتم التفاعل عبر الجاذبية)! قد يبدو هذا الأمر غريبًا للغاية في البداية، لكن يمكن مقارنته بالتجربة الشائعة: تمرير إصبع واحد بسرعة من خلال شعلة ما؛ إذ لا يتضرر الإصبع رغم أن حرارة الشعلة تقارب 2000 درجة. لقد بحثت أنا وزميلي ليور بوركو في فيزياء الثقوب السوداء لأكثر من عقدين.
في عام 2016، شرعت تلميذتي طالبة الدكتوراه كارولين مالاري، بإلهام من فيلم كريستوفر نولان Interstellar، في اختبار ما إذا كانت شخصية كوبر قادرة على النجاة من السقوط في غارغانتوا؛ وهو ثقب أسود خيالي يدور بسرعة فائقة وتبلغ كتلته نحو 100 مليون مرة كتلة شمسنا. واستند فيلم Interstellar إلى كتاب كتبه عالم الفيزياء الفلكية الحائز على جائزة نوبل «كيب ثورن»، وكانت الخصائص الفيزيائية لغارغانتوا محورية في فيلم هوليوود هذا.
بناء على العمل الذي قام به الفيزيائي عاموس أوري قبل عقدين من الزمان، وبمساعدة مهاراتها الرياضية القوية، صنعت مالاري محاكاة حاسوبية لتوقّع التأثيرات الفيزيائية على مركبة فضائية، أو أي جسم كبير يسقط في ثقب أسود كبير يدور بسرعة مثل Sagittarius A* عملاق مركز مجرتنا.
ولا حتى رحلة صعبة؟
ما اكتشفته مالاري هو أنه في ظل جميع الظروف، لا يمكن أن يتعرض جسم ما يسقط في ثقب أسود دوّار لتأثيرات لا نهائية عند المرور بما يسمى بـ (الأفق الداخلي للتفرد ـ inner horizon singularity). ليس هذا فقط، بل وفي ظل الظروف المناسبة، قد تكون هذه التأثيرات صغيرة بشكل ضئيل؛ ما يسمح بمرور سلس إلى حد ما من خلال التفرد.
اكتشفت مالاري أيضًا ميزة إضافية للثقوب السوداء الدوارة الضخمة لم تكن موضع تقدير كامل من قبل، وهي أن تأثيرات الثقب الأسود على الأشياء التي تعبره (خاصة التمدد والتقلص المتعاقبين؛ إذ يختبرهما الجسم الذي يمر قرب الثقب الأسود) ستكون صغيرة جدًا في حالة الثقب الأسود الدوار العملاق، ما يجعل الأشخاص على متن المركبة الفضائية لا يشعرون بها.
يزداد التقلص الفيزيائي على مركبة فضائية تدخل ثقبًا أسود بشكل كبير ولكن ليس إلى اللانهاية. لذلك، قد تبقى المركبة الفضائية على قيد الحياة (Khanna/UMass). ولكن، يبقى نموذج مالاري أسير عدد من الافتراضات الهامة مثل كون الثقب الأسود المدروس في معادلتها معزولًا تمامًا، وبالتالي لا يخضع لاضطرابات مستمرة نتيجة جاذبية نجم قريب أو نتيجة أشعة كهرومغناطيسية هابطة على الثقب الأسود.
تجدر الإشارة إلى أن معظم الثقوب السوداء تحيط بها سحب هائلة من الغبار والغازات وتدور حول بعضها نجوم قريبة جدًا وتتعرض للإشعاع بشكل دائم. لذلك؛ يجب إضافة تأثير ذلك على معادلة مالاري لاستخدامها في دراسة ثقب أسود حقيقي. أسلوب مالاري في استخدام محاكاة حاسوبية لتوقع آثار الثقب الأسود على الأشياء التي تعبره شائع جدًا في مجال فيزياء الثقب الأسود.
وغني عن القول إنه ليس لدينا القدرة على إجراء تجارب حقيقية في الثقوب السوداء أو في محيطها، لذا يلجأ العلماء إلى النظريات والمعادلات الرياضية والمحاكاة الحاسوبية لتطوير فهمهم لهذه الثقوب، والتنبؤ بتأثيرها على الأشياء قربها.
غوراف خانا، أستاذ الفيزياء، جامعة ماساتشوستس دارتموث.
ترجمة: أسامة أبو إبراهيم
تدقيق: أحلام مرشد
اقرأ أيضًا:
المادة التي تمتصها الثقوب السوداء قد تسافر إلى المستقبل حيث يتم لفظها لخارجها
هل بامكاننا استصلاح الثقب الاسود ؟
كيف يمكن الهروب من جاذبية الثقب الأسود ؟
قد نعرف أخيرا كيف تصبح الثقوب السوداء الفائقة ضخمة بشكل لا يصدق
