إنّها علامةٌ موسيقيّةٌ عاليةٌ للغاية لدرجة أنّ البعضَ يعتبرها زعيقًا؛ هي علامة A عالية التاليةلعلامةC العالية أيضًا، وقد غنّتها للمرّة الأولى على الإطلاق«أودري لونا «Audrey Luna صاحبة الصوت السوبرانو في أوبرا ميتروبوليتان في نيوورك، وذلك حسب ما أوردته صحيفة نيويورك تايمز في السابع من تشرينَ الثاني.

ذكرتِ الصحيفة أنّ لونا أصابتِ العلامةَ -التي لم تُغنَّ طوال تاريخ أوبرا الميتروبوليتان الذي يزيد عن 100 عامٍ -في أوبرا «ملاك الموت-The Exterminating Angel»، ولكن ما الذي يجعل هذه العلامةَ المرتفعةَ أصعبَ من أن تصلَها الحبال الصوتيّة؟

يقول «آرون جونسون Aaron Johnson»- اختصاصيٌّ بباثولوجيا اللغة المحكيّة في مركز الصوت في مركز لانغون الطبّيّ في جامعة نيويورك-إنّه لإصدار أيّة علامةٍ، أو حتّى أيّ صوتٍ، يحتاج المرء لثلاثة أشياءَ؛ مصدرٌ للطاقة، ومصدرٌ للصوت، وحجرة رنينٍ، وهي المكوّنات الضروريّة ذاتُها لأيّة آلةٍ موسيقيّةٍ صوتيّةٍ، ويمكن اعتبار الصوت آلةً موسيقيّةً.

فعندما يتحدّث شخصٌ ما، تهتزّ الحبال الصوتيّة، ويحدّد تواترُ هذه الاهتزازات نغمةَ صوت الشخص، وأثناءَ الحديث العادي، تهتزّ الحبال الصوتيّة وسطيًّا بتردّد 100 إلى 110 هزّاتٍ بالثانية، أو هرتز.

وتمتلك العلامة A، التي تستخدمها الأوركسترات في ضبط تناغم آلاتها، تردّدًا قدرُه 440 هرتز، وبقفز أوكتافٍ واحدٍ صعودًا، يتضاعف التردّد لـ880 هرتز، ومن ثمّ بالقفز لأوكتافٍ آخرَ صعودًا، يصل التردّد لـ1,760 هرتز؛ وهنا تكمن علامة A العالية- والتي تُسمّى أيضًا علامة A العالية التالية لعلامة C العالية-وهي التي غنّتها لونا في الأوبرا، بمعنى آخرَ، إذا ثبتت عند تلك العلامة لثانيةٍ واحدةٍ، كانت ستهتزّ حبالها الصوتيّة 1,760 مرّةً، وفق جونسون.

وحتّى تهتزّ تلك الحبال الصوتيّة عند تردّدٍ عالٍ كهذا؛ تحتاج لأن تُبسَطَ – تخيّل مدَّ حبلٍ مطّاطيٍّ أو شدَّ وتر غيتارٍ للحصول على علامةٍ موسيقيّةٍ أعلى-، وأخيرًا يجب أن تُصغّرَ حجرة الرنين في الفم والبلعوم عبر تحرّكاتٍ معيّنةٍ فيهما، لإصابة علامةٍ موسيقيّةٍ أعلى، إذ أنّه كلّما صَغُرتِ الحجرة أصدرت نغمةً أعلى، فمثلًا تعزف آلة البيكولو علاماتٍ موسيقيّةً أعلى من نظيرها الأكبر؛ الفلوت.

صعوباتٌ تقنيّةٌ:

يبدو كلّ ذلك منطقيًّا، لكنّ إصابةَ هذه العلامات أسهلُ قولًا من الفعل، فقد شرح «د.روبيرتساتالوفRobert Sataloff» رئيس قسم طبّ الأذن والأنف والحنجرة في كلية الطبّ التابعة لجامعة دريكسل في فيلاديلفيا: «يحتاج الأشخاص الذين يحاولون الغناءَ ضمن مجالاتٍ ممتدّةٍ إلى الموهبة الطبيعيّة والتدريب الجيّد».

وتابع قائلًا إنّ القدرةَ على إصدار علاماتٍ موسيقيّةٍ عاليةٍ للغاية، مثل العلامة A العالية، تعتمد على عدّة عواملَ، تتضمّن تلك التي يمتلكها المغنّي بالفطرة- مثل تشريح الحبال الصوتيّة- بالإضافة إلى تقنيّة ذلك المغنّي، وتُعتبَر إصابة هذه العلامات العالية مستحيلةً تقريبًا بتقنيّةٍ سيّئةٍ.

أي باختصارٍ؛ يتضمّن التدريب الصحيح تعلّمَ الاستخدام الفعّال للعضلات اللازمة لإصدار الصوت؛ وهي العضلات الكبيرة في الصدر والبطن والظهر للقوّة، والمسافة فوق الحبال الصوتية للرنين المناسب، والعضلات الملساء في الحنجرة لتوليد الصوت.

ومن المهمّ استخدام كلّ جزءٍ من المنظومة على النحو الأمثل، فإذا أردتَ اختصارَ مبادئ تدريب الصوت إلى كلمتين لكانتا «التدبير الفنّيّ»، فأثناءَ الغناء عند الأطراف القصوى للمجال الصوتيّ، يميل المغنّي عادةً إلى بذل جهدٍ أكبرَ، ما قد يتضمّن توظيفَ عضلاتٍ أخرى، أو استخدامَ قوّةٍ أكبرَ ممّا يجب.

فعندما يحاول الأشخاص الغناءَ ضمن مجالاتهم الصوتيّة الطبيعيّة بصوتهم الأوبراليّ القياسيّ وقوّتهم الغاشمة، قد ينتهي بهم الحال كمرضى لدى أطبّاء الحنجرة، وهنا عقّب «ساتالوف» مازحًا أنّه «يفضّل سماعَهم على المسرح أكثرَ من مقابلتهم في مكتبه».

فقد تتضمّن إصابات الحبال الصوتيّة نزيفًا، ودموعًا في مخاطيّة (بطانة) الحبال الصوتيّة، والتهابًا، ويمكن تفادي هذه الإصابات بواسطة التدريب الصحيح واختيار مجموعةٍ مناسبةٍ من الأغاني للأداء، ويعدّ ذلك أسهلَ من معالجتها بعدَ حدوثها.

ونوّه «ساتالوف» إلى أنّه رغم كون العلامة A العالية المُغنّاة في الميتروبوليتان العلامةَ الأعلى التي أُدّيت على المسرح، إلا أنّها ليست أعلى علامةٍ مغنّاةٍ على الإطلاق، فمن الممكن حاليًّالبعض الأشخاص غناء علامة Aالعالية وحتّى علاماتٍ أعلى، لكنّهم قلّةٌ قليلةٌ.

لكنّ حدودَ المجال الصوتيّ البشريّ ليست ضيّقةً كما يعتقد معظم الأشخاص؛ إذ يمكن أن يغطّيَ المغنيون ذوو المجال الصوتيّ الممتدّ خمس أوكتافاتٍ، وإلى حدٍّ ما، يمكن تدريب المغنّين ليصيبوا أبعدَ من تلك العلامات التي يُعتقد أنّهاتشكّل الحدودَ العليا والدنيا للمجال الصوتيّ.


  • ترجمة: سارة وقاف
  • تدقيق: اسماعيل اليازجي
  • تحرير: رؤى درخباني

المصدر
مواضيع ذات صلة: