على مدى الألفيتين السابقتين، نال مناخ الأرض نصيبه من التغيرات، لكن ما يحدث الآن هو شيء مختلف تمام الاختلاف. تشير ورقتان بحثيتان إلى أن حادثتي الاحترار الأقصى والبرودة الدنيا قبل الفترة الصناعية –مثل الحقبة القروسطية الدافئة والعصر الجليدي الصغير- كانتا أصغر في المدى من الاحترار العالمي الحالي الذي صنعه الإنسان. رسم مؤلفو الورقتين البحثيتين صورة دقيقة حول تغير المناخ على الأرض منذ عصر الرومان، مستخدمين قاعدة بيانات دقيقة مجمعة من حوالي 700 من بيانات المناخ غير المباشرة لدرجات الحرارة التاريخية متضمنة الأشجار والجليد والرواسب والشعب المرجانية وترسبات الكهوف والدلائل الموثقة (بيانات المناخ غير المباشرة هي مؤشرات مستقاة من الأرض تدل على التغيرات المناخية في الماضي).
أوضح عالم المناخ ناثان ستايغر مؤخرا في بيان صحفي: «أهم ما توصلنا إليه هو أن تغير المناخ في الفترة المعاصرة تختلف تمامًا عما حدث في الألفي سنة الماضية. البرودة والدفء كانا إقليميين في الماضي، ولكن الآن أصبح الوضع عالميًا».
تعطي تلك النتائج الجديدة -والتي اعتمدت على سبع طرق إحصائية مختلفة- سياقًا تاريخيًا أوضح لأزمة المناخ الحالية.
كان هناك معتقد سائد أن وقائع مثل «العصر الجليدي الصغير» حدثت حول العالم في الوقت ذاته، لكن وجدت دراسة مفصلة نشرت في مجلة (نيتشر) Nature عدم وجود أي دليل على ذلك الاعتقاد، لا في أنظمة المحاكاة ولا في الجداول التي تبنى اعتمادًا على بيانات المناخ غير المباشرة.
أوضح مؤلفا الورقة البحثية الأولى بالنظر إلى أنماط درجات الحرارة عامًا بعد عام، أن أقصى فترة برودة في الألف عام الماضية حدثت في أوقات مختلفة، في أماكن مختلفة وفي أقل من نصف الكرة الأرضية. فعلى سبيل المثال، تعرض شرق ووسط المحيط الهندي لأدنى برودة في القرن الخامس عشر، بينما لم تتعرض أوروبا وجنوب شرق أمريكا الشمالية لهذه الجبهة الباردة إلا بعد 200 عام تالية.
وأشار المؤلفون إلى أن 40 في المئة من مساحة الأرض وصلت لأقصى درجات الحرارة في وقائع الاحترار، حتى في الحقبة القروسطية الدافئة والتي تعرف أيضًا بالشذوذ المناخي القروسطي.
يبرز العصر الحديث وعصر الثورة الصناعية كالإصبع المتقرح من بين تلك التقلبات المناخية الطبيعية، فهو الفترة الأكثر احترارًا حتى الآن خلال الألفيتين السابقتين، ويحدث ذلك الاحترار في كل مكان تقريبًا، في ما يزيد عن 98 بالمئة من الكرة الأرضية.
تفاجأ الباحثون من حجم كارثة تغير المناخ المتنامية. قال ستايغر في بريد إلكتروني لمجلة ScienceAlert أنه توقع هو وزملاؤه أن يجدوا عدة مناطق لم يصلها الاحترار بالتزامن مع باقي العالم، ولكن في النهاية وجدوا أن مناطق صغيرة فقط غرب القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) هي التي دعمت ذلك التوقع.
كتب المؤلفون «إذًا، وبالرغم من أن معدلات الاحترار غير متماثلة حول العالم، لوجود مناطق بعيدة ومتفرقة تشهد قليلًا من الاحترار أو البرودة، أصبح النظام المناخي الآن في وضع غير مسبوق من حيث انتظام درجات الحرارة العالمية».
أيدت الدراسة الثانية والتي نشرت في مجلة Nature Geoscience ما وصل إليه التقرير الأول من نتائج. وبفحص معدلات الاحترار السطحي والعوامل الدافعة له، أوضحت الدراسة الثانية أن التقلبات المناخية –سواء كانت احترارًا أو برودة- في فترة ما قبل الثورة الصناعية نتجت بشكل أساسي عن الأنشطة البركانية.
كلتا الدراستين مجتمعتين تقترحان أن وقائع الاحترار الأقصى أو البرودة الدنيا قبل الثورة الصناعية اقتصرت على تقلبات مناخية محلية، ولم تكن تلك التقلبات بالقوة ولا بالاستمرارية الكافية لإحداث تغير مناخي عالمي متزامن، ذلك بخلاف الكارثة المناخية التي تحدث اليوم بوتيرة سريعة ودرجة كبيرة إلى الحد الذي لا يمكن تفسيره بأنه مجرد تقلب مناخي طبيعي.
يقول عالم المناخ القديم في جامعة أستراليا الوطنية نيرلي إبرام، وهو لم يشارك في ذلك البحث: «لا يوجد أدنى شك أن البشر هم من يغيرون مناخ الأرض بشكلٍ أساسيٍ. هاتان الدراستان هما أكثر التقديرات شمولية لمناخ الأرض خلال المئتي عامٍ الماضية، فضلًا عن أنهما توضحان إلى أي درجة أصبح تغير المناخ الذي نعيشه اليوم غير عادي».
يبدو أنه على العالم أجمع مواجهة هذة الأزمة معًا.
نشر هذا البحث في مجلتيNature وNature Geoscience.
اقرأ أيضًا:
قد ينهي التغير المناخي الحضارة البشرية كما نعرفها بحلول عام 2050 وفقًا لتحليل جديد
التغير المناخي سيغيّر قريبًا لون محيطاتنا، والجواب لدى الفيتوبلانكتون
ترجمة: هبة جاد
تدقيق: سلمى توفيق
مراجعة: رزان حميدة