متلازمة التعب المزمن مرض معقد طويل الأمد، يؤثر على طيف واسع من أجهزة الجسم، ويسبب المرض طيفًا من الأعراض التي قد تختلف من شخص لآخر. تُعرف الحالة أيضًا بألم العضلات والتهاب الدماغ والنخاع، وتُقدر نسبة المصابين بهذا المرض نحو 17-24 مليون شخص على مستوى العالم.
يعتمد كثير من المصابين بهذه الحالة على العلاج الطبي فقط، ويتعلمون مقاربات للحياة اليومية تقلل من آثار هذه الحالة؛ إذ لا يوجد علاج بسيط نهائي، فتركز العلاجات المقترحة على التحكم بالأعراض.
أعراض متلازمة التعب المزمن
بما أن متلازمة التعب المزمن حالة معقدة تؤثر على طيف واسع من الأجهزة والوظائف، تطول قائمة الأعراض المحتملة، وتظهر الكثير من هذه الأعراض مشابهة لحالات أخرى، ما يجعل التشخيص صعبًا.
الأعراض المحورية
يركز الأطباء على الأعراض الأساسية للمرض؛ إذ تختلف من شخص للآخر، ولكن لكي يصل الطبيب إلى التشخيص، عليه أن يجد 3 أعراض أساسية.
التعب
يوصف التعب على أنه افتقار شديد للطاقة. يعرِّف الأطباء التعب الشديد بأنه نقص شديد في القدرة على أداء الأنشطة التي كان يفعلها الشخص من قبل. ويستمر التعب مع تلك المتلازمة لمدة 3 شهور أو يزيد.
في سياق متلازمة التعب المزمن، لا يستعمل الطبيب كلمة (التعب) للإشارة إلى شعور المريض بالإجهاد أو فقدان الحماس في فترة معينة من اليوم. إذ لا يستطيع المصابون بمتلازمة التعب المزمن أن يزيلوا هذا التعب، إضافةً إلى أن النوم لا يجدد الطاقة بل قد يزيد الأعراض سوءًا. وقد تكون متلازمة التعب المزمن شديدةً للغاية لدرجة إعاقتها للحياة اليومية.
إرهاق ما بعد المجهود
يُعتبر إرهاق ما بعد المجهود أحد الأعراض المحورية للحالة. ويوصف على أنه تدهور في الأعراض بعد المجهود الذهني أو الجسدي. فعندما يدخل الشخص في أنشطة عقلية أو جسدية، تسوء الأعراض خلال الساعات أو الأيام التالية، ويشعر بالإرهاق الشديد أثناء التعافي.
قد يصف المريض حالته بأنه مستهلَك بالكامل. وعندما يدفع نفسه قدمًا للإجهاد أكثر، يضر ذلك جسده ويزيد الحالة سوءًا. وبالتالي، علی مرضى متلازمة التعب المزمن أن ينظموا نشاطهم اليومي لتجنب الإرهاق المفرط.
اضطرابات النوم
يشعر المريض بمتلازمة التعب المزمن بالعديد من اضطرابات النوم، منها النوم غير المريح رغم ساعات النوم الطويلة، لذلك قد يستيقظ الشخص متعبًا أيضًا.
هناك عدد من اضطرابات النوم يمكنها أن تؤدي إلى عدم توفير النوم للراحة المطلوبة، منها:
- الأرق: أي عدم القدرة على النوم، والبقاء في حالة يقظة.
- النوم المفرط.
- انقطاع التنفس أثناء النوم.
- النوم الخفيف: وهو اضطراب لا يتمكن فيه المريض أبدًا من الدخول في حالة عميقة من النوم.
- النوم المتقطع، ويتكون من الاستيقاظ المتكرر من النوم ثم الخلود له ثانيةً.
- تغيير مرحلة النوم: وفيها لا يتمكن المريض من الخلود للنوم إلا عند شروق الشمس.
- تقلصات لا إرادية في الأذرع أو القدم.
- تململ الساقين
- الكوابيس المقلقة للنوم.
- التعرق الليلي.
مع هذه الأعراض الثلاثة، يمكن أن يوجد الآتي:
التدهور الإدراكي
يتزامن مع هذه المتلازمة حدوث صعوبات في العمليات الفكرية في عدة أشكال. فقد يعاني هؤلاء المرضى من مشاكل في الذاكرة٬ فلا يستطيعون تذكر المحادثات القريبة أو يفقدون مقتنياتهم. وقد تصير الأفلام والكتب صعبة المتابعة للغاية.
يستهلك التفكير أو حل المشاكل البسيطة الكثير من الطاقة عند الأشخاص المصابين بالمتلازمة. وقد يضيع المصابون بالمتلازمة أنفسهم في البيئة المألوفة، مثل حيهم. وقد يعانون من صعوبة بالغة في تذكر الاتجاهات البسيطة أو الأسماء أو التعليمات المدونة. وقد تسبب متلازمة التعب المزمن الكثير من التدهور العقلي لمختلف المرضى.
الأعراض الأخرى
تشمل الأعراض الأخرى الوارد حدوثها:
الألم
يشكو كثير من مرضى متلازمة التعب المزمن بشكل أو بآخر من الألم، يتراوح هذا الألم بين الصداع والتقلصات إلى الألم الشديد.
يصف المصابون بالحالة شعور الألم بأنه مثل ألم العضلات أو المفاصل، ويصفونه بأنه يحدث في منطقة ثم ينتقل للأخرى، ويشيع الصداع في هذه الحالة أيضًا.
تحدث أشكال أخرى من الألم أيضًا مثل:
- الألم الطعني.
- الألم الوخزي أو الحرقي.
- الألم الخفقاني.
- الألم البارق.
يتحسس بعض المصابين بمتلازمة التعب المزمن من الضوء أو اللمس أو الحرارة أو البرد، وقد يؤدي التحسس الشديد إلى الألم في نهاية المطاف.
الأعراض المحتملة الأخرى:
- تقرح الحلق.
- تضخم الغدد الليمفاوية.
- رعشات بالعضلات.
- طفح جلدي.
- قرح جلدية.
- قلق أو نوبات فزع.
- اكتئاب.
- ارتفاع مستوى التوتر.
- دوار.
- أعراض تشبه الإنفلونزا.
- خطأ في تلفظ الكلمات.
- ارتفاع درجة الحرارة أو انخفاضها.
- خدر.
- طنين.
- أعراض شديدة لمتلازمة ما قبل الحيض.
- تغير في الحواس، مثل مشاكل الرؤية.
- فقدان الدافع الجنسي أو الضعف الجنسي.
- فقدان الشعر.
- تغيرات بالوزن.
- خفقان القلب.
- آلام بالصدر.
- تشنجات.
- الشلل.
الأسباب وعوامل الخطر
لا يوجد سبب معروف لمتلازمة التعب المزمن. يختلف محفز الاضطراب من شخص لآخر، فقد يكون بسيطًا مثل الإنفلونزا أو التوتر الشديد. ما يزال هناك الكثير من التأملات حول المتلازمة، ولم يحسم البحث العلمي حتى الآن ماهية الأسباب الأكيدة.
تزيد بعض العوامل خطر الإصابة بمتلازمة التعب المزمن، مثل مستويات التوتر أو العمر أو الجنس. وطبقًا لمكتب صحة النساء، تتعرض النساء للمتلازمة بصورة تفوق الرجال بضعفين أو أربعة أضعاف.
تدرس بعض الأبحاث تأثير التغيرات في الجهاز المناعي؛ فقد ترتبط بمتلازمة التعب المزمن. ويستمر البحث حول عوامل الخطر لتطوير متلازمة التعب المزمن. ويجدر بالذكر: لا تسبب تلك العوامل الحالة بالضرورة، ولكن يظهر وجود ارتباط بينها.
التشخيص
يصعب إجراء عملية تشخيص شاملة للمتلازمة؛ فربما يتعرف الأطباء على بعض الأعراض، وربما يخلطون بين تلك الحالة وحالات مرضية أخرى.
يشخَّص المرض من خلال استبعاد احتمالية الإصابة بغيرها من الاضطرابات، وهي عملية طويلة الأمد. ولكن تشير التطورات إلى تحسن الوسائل التشخيصية عبر السنوات القادمة، إذ تقترح دراسة في مجلة سينتفيك ريبورت أن هناك جزيئات معينة تتغير مستوياتها في عينات المرضى بالمتلازمة، لكن لا يوجد اختبار معملي حاسم لتشخيص متلازمة التعب المزمن، ولكن يفتح هذا البحث بوابة الأمل في التشخيص المستقبلي الدقيق لمتلازمة التعب المزمن ويسهله.
علاج متلازمة التعب المزمن
لا تعالج الوسائل الحالية كل المصابين بهذه الحالة بشكل نهائي، ولكن يدور العلاج حول التحكم بالأعراض الفردية للاضطراب؛ إذ تختلف الأعراض من شخص لآخر.
تُتاح بعض العلاجات لبعض الأعراض الجسدية، ولا يوجد علاج فعال دائمًا لكل الأشخاص، لكن توجد على الأقل بعض الإجراءات المتاحة للتحكم بالأعراض.
يصف الأطباء الأدوية للتحكم بالاضطراب (للأعراض المعيقة للحياة) من أجل استعادة الحياة اليومية. يصف الأطباء جرعةً منخفضةً من أي دواء في بداية مساق العلاج، ثم تُزاد الجرعة تدريجيًا عند الحاجة.
يميل المصابون بالمتلازمة إلى الحساسية العالية للكيماويات والأدوية، فقد يسبب أي دواء رد فعل غير مرغوب. وبالتالي يساعد البدء بجرعات منخفضة على متابعة أي أعراض جانبية، وإيجاد أقل جرعة مطلوبة.
هناك العديد من العلاجات التجريبية المتاحة للحالة، تشمل الأدوية ريتوكيسيماب وأمبليجين، إذ يساعدان في علاج أحد مكونات المتلازمة. تركز هذه العلاجات على المشاكل في الجهاز المناعي المتعلقة بالمتلازمة. يختلف نجاح كل وسيلة من وسائل العلاج بناءً على الشخص والأعراض.
تغيرات في نمط الحياة
قد يكون تغيير نمط الحياة مهمًا لبعض المصابين بالمتلازمة للتحكم بالأعراض، إذ يجد كثير من المصابين طرقًا للتحكم بمستوى نشاطهم اليومي عن طريق جدولة الأنشطة التي يعرفون أنها تستنزف طاقتهم وتوزيعها. وقد يتطلب ذلك التوقف عن الأنشطة المتطلبة للكثير من المجهود.
بناءً على الأعراض المتاحة، ينصح بما يلي من وسائل التحكم بالحياة اليومية:
- الجداول الزمنية والمخططات اليومية للمساعدة في التغلب على مشاكل الذاكرة.
- إيجاد استراتيجيات مواكبة عاطفية وسيكولوجية مناسبة.
- تقنيات الراحة مثل الاسترخاء والتدليك.
- حمية متوازنة وغنية بالمغذيات.
وقد تلزم بعض المكملات الغذائية المحددة، إذا وجد نقص في إحدى المغذيات أو أكثر.
الوصمة المصاحبة للمرض
حتى وقت قريب، ساء فهم هذه المتلازمة في المجتمع الطبي والمجتمع عامةً، إذ كتب بعض الأطباء عن تلك المتلازمة أنها فقدان الرغبة في الإنتاجية.
يفهم المجتمع الطبي الآن متلازمة التعب المزمن، ويدرك أنها حالة مغيرة للحياة، واضطراب معقد. يبحث الأطباء والباحثون في مزيد من الطرق لتشخيص المتلازمة وعلاجها، وتحسين فهمها بين الناس، وكيفية نظر المصابين بالمتلازمة لأنفسهم.
الخلاصة
لا يفهم علماء الطب متلازمة التعب المزمن بصورة كاملة. تؤثر الحالة على الكثير من الأجهزة مسببةً تعبًا شديدًا لا يمكن إزاحته، وإرهاقًا بعد المجهود الذهني والبدني واضطرابات في النوم، بين العديد من الأعراض المختلفة الأخرى. تختلف تأثيرات المتلازمة من شخص لآخر.
ما يزال سبب المتلازمة غير معروف، ولكن يربط الباحثون تلك المتلازمة مع الجهاز المناعي. مفتاح التشخيص هو التشخيص الشامل، فيستبعد الطبيب حالات أخرى حتى يتضح تشخيص هذه الحالة.
تُتاح بعض الأدوية لعلاج الأعراض، وما يزال البحث مستمرًا لعلاج الحالة من جذورها. في الوقت الحالي، يجب على المصابين بالمتلازمة أن يتحكموا في نمط حياتهم بحذر، وأن يتكيفوا مع تقليل مستويات طاقتهم.
اقرأ أيضًا:
باحثون يطورون أول فحص دموي محتمل للكشف عن متلازمة التعب المزمن
دحض إحدى أكبر الخرافات حول متلازمة التعب المزمن
كشف زيف اكبر اساطير متلازمة التعب المزمن
ترجمة: محمد إيهاب
تدقيق: تسنيم الطيبي
مراجعة: تسنيم المنجد