تُعتبر متلازمة التعب المزمن (Chronic Fatigue Syndrome – CFS)، أو التهاب الدماغ والنخاع المؤلم للعضل (Myalgic Encephalomyelitis – ME) إحدى أكثر الحالات إرباكًا، فهي تصيب ما يصل إلى مليون أمريكيٍّ و 2.6% من سكان العالم، مسببةً إنهاكًا شديدًا قد يمنع المرضى من العمل أو الدراسة.

وقد حاول الباحثون العلميون لعقودٍ اكتشاف السبب وراءها، ما أدى إلى اعتقاد الكثير من الأطباء أنها ليست مرضًا حقيقيًا، ولكنَّ باحثين أستراليين قد كشفوا الستار عن هذه الخرافة عام 2017، مظهرين -ولأول مرة- ارتباط متلازمة التعب المزمن بعطلٍ في مستقبلٍ خلويٍّ في الخلايا المناعية.

قالت (ليان إنوك – Leeanne Enoch) وزيرة العلوم في ولاية كوينزلاند الأسترالية الداعمة لهذا البحث: «يحمل هذا الاكتشاف أنباءً سارّةً لكل من يعاني من متلازمة التعب المزمن، والتهاب الدماغ، والنخاع المؤلم للعضل المتعلق بها، فهو يؤكد على أنها تمثل مرضًا حقيقيًا وليست مجرد حالاتٍ نفسية».

وأضافت: «تشتهر الحالتان المذكورتان بصعوبة التشخيص، فيعاني منهما المرضى عادةً لسنواتٍ دون تلقي الرعاية المناسبة والاهتمام الذي يتطلبونه».

وقد كان هذا البحث رائدًا في توضيح تسبب مستقبلٍ خلويٍّ معيبٍ بتغيرات الجهاز المناعي المشاهدة في (CFS/ME)، مقدمًا بذلك للباحثين هدفًا لطالما بحثوا عنه من أجل المعالجات والاختبارات المستقبلية.

فبالرغم من اعتبار الولايات المتحدة لـ (CFS/ME) مرضًا بشكلٍ رسميٍّ في عام 2015، إلا أنه لم تتوفر بعد أيُّ طرقٍ لاختبار المرض أو علاجه بشكلٍ فعال.

في الحقيقة، كانت أكثر المعالجات الموصوفة شيوعًا لهاتين الحالتين هي المعالجة الإدراكية السلوكية والنشاط البدنيّ، لكن لا يمتلك أيٌّ منها دليلًا على فعاليته، وقد يؤذي البعض منها أكثر من كونه مفيدًا.

أما الدراسة المُجراة عام 2017، فقد وضحت أن أساس المرض هو عطلٌ شديدٌ في مستقبلٍ خلوي، وقد حدث ذلك بعدما لاحظ باحثون من جامعة غريفيث شيوع تعدد الأشكال الجينية أحادية النيكليوتيد (أخطاءٌ مطبعية في الـ DNA) في الراموز الجيني لمستقبلٍ خلويٍّ محددٍ لدى المرضى المصابين ﺑ (CFS/ME).

ويُعرَّف المستقبل الخلوي ذاك ﺑ (مستقبل الميلاستاتين الكامن العابر 3 -transient receptor potential melastatin 3) اختصارًا (TRPM3)، وهو يلعب دورًا مهمًا في الخلايا السليمة، فينقل الكالسيوم من خارج الخلية إلى داخلها، حيث يساعد في ضبط التعبير الجينيّ وإنتاج البروتين.

أما بالنسبة لمرضى (CFS/ME)، وحسب ما أورده فريق جامعة غريفيث في عدة مقالاتٍ علميةٍ مراجَعة من قبل الزملاء ومنشورة منذ عدة سنوات، فإن خللًا ما يوجد في المستقبل (TRPM3) لديهم.

في الدراسة المذكورة عام 2017، تفحص الفريق عينات دمٍ من 15 مصابًا بـ (CFS/ME) و25 شاهدًا سليمًا، فوجدوا أن الخلايا المناعية لدى المصابين امتلكت عددًا أقل من مستقبلات (TRPM3) الفعالة وظيفيًا، مقارنةً بالمشاركين الأصحاء.

وبالنتيجة، فإن شوارد الكالسيوم لن تجد طريقها إلى داخل الخلية كما يجب، فتتعطل الوظيفة الخلوية لدى المرضى.

وما يفاقم الأمر سوءًا هو تواجد تلك المستقبلات في جميع خلايا الجسم بالمطلق، وليس فقط في الخلايا المناعية، إذ تفحص الفريق وجودها في الخلايا المناعية لسهولة الوصول إليها في عينات الدم وحسب، وهو ما يفسر صعوبة تشخيص (CFS/ME) وشدة سوء المرض.

وقد قال أحد باحثي الدراسة (دون ستاينز – Don Staines)، وهو المدير المشارك للمركز الوطني لعلم المناعة العصبية والأمراض المنبثقة التابع لجامعة غريفيث: «لذا يُعتبر هذا المرض وخيمًا ويصعُب فهمه».

وأضاف: «يؤثر ذلك العطل على الدماغ، والنخاع الشوكيّ، والبنكرياس، وبالتالي يقف وراء العديد من التظاهرات المختلفة للمرض، وقد يعاني المرضى أحيانًا من أعراض قلبية، أو ربما هضمية».

وقد أربك تفاوت الأعراض والظواهر الأطباء لعقود، وأدى إلى أغلب المغالطات في تشخيص المرض، ولكنَّ البحث الحديث يقترح إمكانية تفسير جميع أعراض (CFS/ME) الشائعة باستخدام قنوات شوارد الكالسيوم المعيبة تلك.

يقول ستاينز: «إننا نعلم الآن أن المرض يُعزى إلى عطلٍ في مستقبلٍ ضروريٍّ جدًا وإلى الدور المهم الذي يقوم به، وهو ما يسبب مشاكل شديدةً للخلايا في الجسم».

ولكن للتوضيح، ما يزال البحث المذكور في مراحله الأولى، فكل ما نعرفه هو تورط مستقبلات (TRPM3) المعيبة في التسبب بالمرض، ويوجد مزيدٌ مما ينبغي فعله.

اقترح ستاينز أيضًا أن تورط المستقبلات المذكورة قد يفسر سبب ظهور إصابة المرضى بـ (CFS/ME) تباع حادثٍ رضحيٍّ أو عدوى شديدة، إذ يلقب صف المستقبلات الذي تنتمي له (TRPM3) بـ (مستقبلات الخطر)، لأن التعبير عنها يزيد عند تعرض الجسم لأي نوع من الخطر، كالعدوى أو الرضح أو حتى الولادة.

يتوقع ستاينز وزملاؤه إن فرط التعبير عن مستقبلات (TRPM3) يؤدي إلى كثرة المستقبلات المعيبة جينيًا إلى أن تغلب المستقبلات السليمة، عابثةً بعملية نقل الكالسيوم في العديد من الخلايا، وبالرغم من أن ذلك ما يزال فرضيةً حتى الآن، إلا أنه نقطة بدايةٍ ضرورية يمكن للباحثين التمحيص بها أكثر.

ويبحث ستاينز وفريقه لإيجاد الواصمات المثلى التي يمكن استخدامها لاختبار وجود تلك المستقبلات المعيبة، حتى يتمكنوا من المباشرة بصنع اختبارٍ لـ (CFS/ME)، كما أنهم يبحثون عن أدويةٍ يمكنها التأثير على قنوات شوارد الكالسيوم المحددة تلك، أملًا بإيجاد علاجاتٍ محتملةٍ للمرض.

يشرح ستاينز بقوله: «إننا لا نعلم ما إن كنا نستطيع شفاء المرض بالضرورة، ولكن بإمكاننا مساعدة المرضى على عيش حياةٍ طبيعية».

وفي الوقت الحالي، يبقى هذا البحث تذكرةً بمدى الخطورة المحتملة للمرض، وبعدم جدوى الخيارات العلاجية الحالية، وربما حتى ضررها بالمرضى، فيمكن للتمارين الرياضية مثلًا أن تعرّض الجسم للمزيد من الجهد، وهو أمرٌ سيء.

نُشر البحث الأخير في دورية (Clinical Experimental Immunology)، ونشرت النسخة الأصلية من الدراسة عام 2017.


  • ترجمة: سارة وقاف.
  • تدقيق: تسنيم المنجّد.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر