تتواجد قوة الطرد المركزي في كل مكان حولنا في حياتنا اليومية، لكن هل هي ما نظنه حقًا؟ نحن بالفعل نختبرها عندما نلتف حول منعطف في السيارة أو عندما تميل الطائرة أثناء الانعطاف، كما نراها أيضًا في دورة الغسّالة أو عندما يلعب الأطفال على دوامة الخيل، ويحتمل أن تزوِّد المحطات الفضائية والمركبات الفضائية بالجاذبية الاصطناعية يومًا ما. في أغلب الأحيان يُخلط بين قوة الطرد المركزي ونظيرتها قوة الجذب المركزي نظرًا لارتباطهما الوثيق، فهما بشكل أساسي وجهان لعملة واحدة.
تُعرف قوة الجذب المركزي بكونها القوة اللازمة لإبقاء الجسم في مسارٍ منحنٍ متجه إلى الداخل نحو مركز الدوران. بينما تُعرف قوة الطرد المركزي بأنها القوة الظاهرية التي يتعرض لها جسم ما عندما يتحرك بشكل منحنٍ؛ الأمر الذي يُحركه نحو الخارج مبتعدًا عن مركز الدوران، وذلك وفقًا لقاموس ميريام ويبستار (Merriam Webstar).
لوحظ أنه بينما تعتبر قوة الجذب المركزي قوة حقيقية، تعتبر قوة الطرد المركزي قوة ظاهرية؛ بعبارة أخرى عند تدوير كتلة معلقة بخيط يؤثر الخيط على الكتلة بقوة جذب مركزي متجهة نحو الداخل، بينما تبدو الكتلة وكأنها تؤثر على الخيط بقوة طرد مركزي متجهة نحو الخارج.
قال أندرو غانسي (Andrew A.Ganse) الباحث الفيزيائي بجامعة واشنطن: «الاختلاف بين قوة الجذب المركزي وقوة الطرد المركزي يتعلق بأطرٍ مرجعية المختلفة؛ أي وجهات نظر مختلفة تقيس منها شيئًا ما». وأضاف « قوة الجذب المركزي و قوة الطرد المركزي هما في الواقع نفس القوة لكن في اتجاهين متعاكسين؛ فهما مرتبطان بأطر مرجعية مختلفة».
إن كنت ترصد نظام دوران من الخارج، ستلاحظ قوة جذب مركزي متجهة نحو الداخل تعمل على تقييد الجسم الدوّار إلى مسار دائري. لكن إن كنت جزءًا من نظام الدوران ستختبر قوة طرد مركزي ظاهرية تدفعك بعيدًا عن مركز الدوران رغم شعورك بقوة الجذب المركزي الداخلية التي تمنعك من الانطلاق حرفيًا في الظل (tangent).
توصف هذه القوة الظاهرية بوساطة قوانين نيوتن للحركة، ينص قانون نيوتن الأول على أن الجسم الساكن يبقى ساكنًا، والجسم المتحرك يبقى متحركًا إلا إذا خضع لتأثير قوة خارجية.
إذا تحرك جسم هائل الحجم عبر الفضاء بخط مستقيم سيتسبب قصوره الذاتي في إبقائه في خط مستقيم ما لم تتسبب قوة خارجية في إسراعه أو إبطائه أوتغيير مساره، حتى يستطيع أن يتبع مسارًا دائريًا دون أن يغير من سرعته يجب أن تُطبَّق قوة جذب مستمرة بزاوية صحيحة على مساره.
إن نصف القطر (r) لهذه الدائرة يساوي الكتلة (m) مضروبة بمربع السرعة ومقسمة على قوة الجذب المركزي (F)، أو «r = mv^2/F». ويمكن إيجاد القوة عن طريق إعادة ترتيب المعادلة بكل بساطة «F= mv^2/r».
ينص قانون نيوتن الثالث على أنه لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار معاكس له في الاتجاه، تمامًا كما تتسبب الجاذبية في جعلك تؤثر على الأرض بقوة؛ تظهر الأرض وكأنها تؤثر على قدميك بقوة معاكسة ومساوية للقوة التي طبقتها أنت مسبقًا. عندما تكون في سيارة متسارعة، يؤثر المقعد عليك بقوة متجهة نحو الأمام تمامًا كما يظهر أنك تؤثر عليه بقوة متجهة نحو الخلف.
في حالة نظام الدوران، قوة الجذب المركزي تسحب الكتلة نحو الداخل لتتبع مسارًا منحنيًا، بينما الكتلة تظهر وكأنها تُدفع نحو الخارج بسبب قصورها الذاتي في كل من هذه الحالات، مع ذلك توجد قوة حقيقية واحدة تُطبق، بينما الأخرى قوة ظاهرية فقط.
أمثلة عن تطبيقات قوة الجذب المركزي
توجد العديد من التطبيقات التي تستخدم قوة الجذب المركزي، أحدها هو محاكاة التسارع خلال عملية إطلاق الصواريخ إلى الفضاء من أجل تدريب رواد الفضاء. عندما يُطلق الصاروخ في البداية يكون مثقلًا بالوقود والمؤكسدات التي تؤدي لجعل حركته صعبة للغاية، على الرغم من ذلك فعند ارتفاعه فإنه يحرق الوقود بمعدل هائل، ويخسر الكتلة بشكل مستمر.
قانون نيوتن الأول للحركة ينص على أن القوة تساوي حاصل تسارع الكتلة، أو F = ma.
في معظم الحالات تبقى الكتلة ثابتة في الصاروخ رغم أن كتلته تتغير بشكل كبير. بينما القوة في هذه الحالة -قوة دفع محركات الصاروخ- تبقى ثابتة تقريبًا؛ هذا يُسبب ازدياد التسارع ووصوله في نهاية طور الاندفاع إلى قيمة تساوي قيمة تسارع الجاذبية الأرضيّة بعدة أضعاف.
وكالة ناسا NASA تستخدم أجهزة طرد مركزي ضخمة وذلك لتأهيل رواد الفضاء لمواجهة هذا التسارع الشديد، في هذا التطبيق تُوفر قوة الجاذبية بواسطة المقعد الخلفي ليدفع رائد الفضاء نحو الأمام.
مثال آخر على تطبيقات قوة الجذب المركزي هو النابذة أو الطاردة الذي يُستخدم لتسريع ترسّب الجسيمات في السوائل. أحد الاستخدامات الشائعة لهذه التقنية هو تحضير عينات الدم من أجل تحليلها.
وفقًا لموقع العلوم الحيوية التجريبية لجامعة رايس (Rice University) فإن الطاردة «تجعل البنية الفريدة للدم من فصل البلازما والعناصر الأخرى المتشكلة عن كريات الدم الحمراء شيئًا شديد السهولة بواسطة الفصل باستخدام قوة الطرد المركزي».
تحت قوة الجاذبية الطبيعية تسبب الحركة الحرارية اختلاطًا مستمرًا يمنع كريات الدم من أن توضع خارج عينة دم متكاملة. بأي حال فإن قوة طرد مركزي مثالية يمكنها أن تصل إلى تسارع يساوي تسارع الجاذبية الأرضية ما بين 600 إلى 2000 مرة؛ وهذا يجبر كريات الدم الحمراء الثقيلة نسبيًا على أن تستقر في القاع ويفصل مكونات المحلول الأخرى إلى طبقات تبعًا لكثافتها.
اقرأ أيضًا:
إيران ترفع درجة نقاء اليورانيوم المخصب إلى 4.5%، إليك ما يعنيه ذلك!
ما هو التوازن الميكانيكي في الفيزياء ؟
ترجمة: مصطفى عيد
تدقيق: سلمى توفيق
مراجعة: براءة ذويب