ما سر المناعة القوية ( الجهاز المناعي القوي) لدى اليابانيين ؟ بالرغم من وجود الجينات المختلفة موزعة على الصبغيات البشرية على نحو واسع في أماكن متفرقة، فإن العديد من الجينات المتعلقة بالجهاز المناعي تتجمع مع بعضها على الصبغي البشري السادس، تحديدًا في القطعة المسماه (معقد التوافق النسيجي الكبير -Major Histocompatibility Complex (MHC)).
أدت كثافة الجينات في هذه القطعة وازدحامها إلى صعوبة اكتشاف خواصها وتأثيراتها، إلا أن التكنولوجيا الحديثة والبنوك الحيوية -التي تحتوي على بيانات بيولوجية لعدد هائل من البشر- قد فتحوا الباب على مصراعيه لدراسة هذه القطعة التي سبق ذكرها.
وفي ضوء ما سبق، نشرت دراسة حديثة في صحيفة Nature Genetics، قام فيها باحثون من جامعة أوساكا باليابان وزملاؤهم بفحص واستكشاف منطقة MHC في الشعب الياباني. أوضحت الدراسة وجود أشكال جينية مختلفة ووجود علاقة بين هذا الاختلاف الجيني وبين الإصابة بالأمراض وسمات بشرية أخرى أهمها المناعة والجهاز المناعي
اعتمد فريق البحث في تحليله للنتائج على ثلاثة أسس من البيانات التي حصل عليها؛ الأول هو تسلسل المعلومات في 33 صبغيًا لتحديد نوع كريات الدم البيضاء ( المناعة أو الجهاز المناعي )لدى ما يزيد عن ألف شخص من اليابانيين . الأساس الثاني كان متمثلًا في البيانات التي حصلوا عليها من الدراسات واسعة الانتشار على الجينوم البشري والتي تبحث عن العلاقة بين مناطق معينة بالجينوم البشري وبين السمات البشرية والأمراض لدى ما يزيد عن 170 ألف شخص ياباني. أما الأساس الثالث فقد تضمن بيانات مأخوذة من السجلات الطبية لدراسة ما يزيد عن 100 نمط ظاهري (خواص ظاهرة) وانعكاسها على الحالة الصحية – المناعة أو الجهاز المناعي ) للفرد والصفات الأخرى.
يقول (جن هيراتا-Jun Hirata) قائد فريق البحث «كشف تحليلنا لنتائج البحث مستويات مختلفة من تعدد أشكال الجينات الخاصة بمستضدات كريات الدم البيضاء البشرية-(human leukocyte antigen HLA genes)، ومن ثم قمنا بتصنيف هذه الأنماط المختلفة إلى 11 مجموعة مختلفة من أشخاص يابانيين باستخدام وسيلة التعلم الآلي وهي أحد فروع الذكاء الاصطناعي». وأردف قائلًا: «قدم لنا هذا التحليل مفهومًا جديدًا لمدى تأثير البيئة المحيطة على منطقة MHC، كما أوضح لنا أن جينات مستضدات كريات الدم البيضاء البشرية غير التقليدية تلعب دورًا في تحديد خواص ووظيفة هذه المنطقة من الجينوم البشري».
بعد فحص ودراسة المجموعة الكاملة للاختلافات الموجودة بمنطقة MHC في أفراد من أصل ياباني، وجه فريق البحث تركيزه نحو توضيح العلاقة بين هذه الاختلافات والسمات المختلفة والأمراض. ولهذا لجأ الباحثون لاستخدام بيانات من السجلات الطبية بخصوص ما يقارب 106 نمطًا ظاهريًا مختلفًا، متضمنةً 46 مرضًا معقدًا، لدى ما يزيد عن 170 ألف فرد ياباني. أوضحت نصف هذه الأنماط الظاهرية ارتباطًا وثيقًا بالجينات التي تمت دراستها. بينت نتائج البحث أنه من الممكن لجين واحد فقط في منطقة MHC أن يؤثر على العديد من السمات، وتعرف هذه الظاهرة باسم (تعدد النمط الظاهري-pleiotropy).
يقول (يوكينوري أوكادا-Yukinori Okada) أحد الباحثين الرئيسين في الفريق «أوضح عملنا مدى أهمية الاختلافات الموجودة في أنواع كريات الدم البيضاء للصحة عند اليابانيين . وأوضحت شبكات الأنماط الظاهرية الهجينة التي قمنا بتصميمها علاقات بين حالات صحية مختلفة لم يكن من المعروف وجود ارتباط بينها».
ومن المتوقع أن تقدم نتائج هذا البحث -متمثلةً في الأهمية الإكلينيكية لجينات مستضدات كريات الدم البيضاء البشرية غير التقليدية، وتأثيرات الاختلاف الجيني في منطقة MHC على النمط الفردي- حجر الأساس للدراسات المستقبلية على عوامل الخطورة المرتبطة بهذا الجزء من الجينوم البشري.
تدقيق مينا خلف