تشكل المتلازمة القلبية الكلوية كيانًا سريريًا محددًا كما يوحي اسم المتلازمة (Cardiorenal Syndrome) فالجزء (cardio) يعني القلب و(renal) يعني الكلى ، إذ يؤدي انخفاض وظيفة القلب إلى انخفاض في وظائف الكلى (أو العكس). وبالتالي يعكس اسم المتلازمة في الواقع علاقةً وتفاعلًا سيئًا بين هذين العضوين الحيويين.
للتوضيح أكثر: تكون هذه العلاقة وهذا التفاعل في اتجاهين، وبالتالي لا يقتصر حدوث المتلازمة على الانخفاض في وظيفة القلب (خافضًا وظيفة الكلى). حقيقةً يمكن أن تؤدي أمراض الكلى سواء الحادة (ذات البداية المفاجئة والمدة القصيرة) أو المزمنة (طويلة الأمد وبطيئة الظهور) إلى مشاكل في وظائف القلب. أخيرًا يمكن أن يؤثر مرض ثانوي مستقل (مثل مرض السكري) على الكلى والقلب، ما يؤدي إلى مشكلة في عمل هذين العضوين.
قد تبدأ المتلازمة القلبية الكلوية بشكل حاد، إذ يؤدي تدهور القلب المفاجئ -على سبيل المثال: أدت نوبة قلبية إلى قصور قلب احتقاني حاد- إلى إصابة الكلى. ولكن قد لا يكون هذا هو الحال دائمًا، إذ يمكن أن يؤدي قصور القلب الاحتقاني المزمن طويل الأمد إلى انخفاض بطيء وتدريجي في وظائف الكلى أيضًا. وبالمثل يُعرَّض المرضى الذين يعانون من أمراض الكلى المزمنة أكثر لخطر الإصابة بأمراض القلب.
بالاستناد إلى كيفية بدء هذه العلاقة وتطورها، قُسمت المتلازمة القلبية الكلوية إلى مجموعات فرعية متعددة، تتجاوز تفاصيلها نطاق هذه المقالة. لكن سنحاول إعطاء نظرة عامة على الأساسيات التي قد يحتاج الشخص العادي معرفتها عن المرضى الذين يعانون من المتلازمة القلبية الكلوية.
لماذا يجب علينا معرفة المتلازمة القلبية الكلوية ؟
المقتضيات
تنتشر في عصرنا أمراض القلب والأوعية الدموية بشكل كبير، إذ يصاب أكثر من 700000 أمريكي بنوبة قلبية كل عام، ويموت أكثر من 600000 شخص سنويًا بسبب أمراض القلب. ويُعد قصور القلب الاحتقاني أحد هذه المضاعفات. وعندما يؤدي فشل عضو واحد إلى مشاكل في وظيفة العضو الآخر، تتدهور صحة المريض بشكل كبير. على سبيل المثال: ترتبط زيادة مستوى الكرياتينين في الدم بنسبة 0.5 ملغ/دل بزيادة خطر الوفاة 15٪ (في سياق المتلازمة القلبية الكلوية).
بالنظر إلى هذه النتائج، تُعد المتلازمة القلبية الكلوية مجال بحث نشط، إذ تُعتبر هذه المتلازمة شائعة الحدوث بآليات مختلفة. بحلول اليوم الثالث من الاستشفاء، يمكن أن يعاني ما يصل إلى 60 في المئة من المرضى (المدخَلين لعلاج قصور القلب الاحتقاني) من تدهور في وظائف الكلى بدرجات متفاوتة، فيُشخصَّون بالمتلازمة القلبية الكلوية.
ما هي عوامل الخطر لحدوث هذه المتلازمة؟
من الواضح أنه لا تتطور مشكلة في العضو الآخر عند كل من يُصاب بمرض قلبي أو كلوي. ومع ذلك قد يُعرَّض بعض المرضى أكثر من غيرهم.
يزداد الخطر عند المرضى الذين يعانون من المشاكل التالية:
- ارتفاع ضغط الدم.
- داء السكري.
- تقدم السن.
- تاريخ سابق لفشل القلب أو أمراض كلوية.
كيف تتطور المتلازمة القلبية الكلوية؟
تبدأ المتلازمة القلبية الكلوية بمحاولة الجسم الحفاظ على دوران دموي كافٍ لتروية أعضاء الجسم المختلفة. في حين قد تفيد هذه المحاولات على المدى القصير، ولكنها لا تقدر على التكيف على المدى الطويل، مؤديةً إلى تفاقم المشكلة في مختلف الأعضاء.
يمكن أن تتطور سلسلة نموذجية تؤدي إلى ظهور المتلازمة القلبية الكلوية عبر الخطوات التالية:
1- لأسباب متعددة ( يُعد مرض القلب التاجي أحد الأسباب الشائعة)، يعاني المريض من انخفاض قدرة القلب على ضخ الدم الكافي، وهو مرض يُدعى قصور القلب الاحتقاني (Congestive Heart Failure – CHF).
2- يؤدي انخفاض إنتاج القلب (ويُدعى أيضًا نتاج القلب Cardiac Output) إلى انخفاض ملء الدم للأوعية الدموية (الشرايين). يسمي الأطباء هذه الحالة (انخفاض حجم الدم الشرياني الفعال).
3- مع تدهور المرحلة الثانية، يحاول جسمنا التعويض، فتتنبه جميع الآليات -التي طورناها باعتبارها جزءًا من التطور-، ويُعد الجهاز العصبي واحدًا من أول الأشياء التي تتنبه، يتنبه تحديدًا ما يُسمى الجهاز العصبي الودي (Sympathetic Nervous System – SNS).
وهو جزء من نفس الجهاز المرتبط بما يُسمى استجابة ردود الفعل السريعة (Fight or Flight response). يؤدي النشاط المتزايد للجهاز العصبي الودي إلى تقبض الشرايين في محاولة لرفع ضغط الدم والحفاظ على تروية الأعضاء.
4- تستجيب الكلى عن طريق زيادة نشاط ما يُسمى نظام الرينين أنجيوتنسين-ألدوستيرون (RAAS). يهدف هذا النظام أيضًا إلى زيادة ضغط الدم وحجمه في الشرايين. يقوم بذلك عن طريق آليات فرعية متعددة (بما في ذلك دعم الجهاز العصبي الودي المذكور أعلاه)، بالإضافة لحبس الماء والملح (منع طرحه من الكلى).
5- تبدأ الغدة النخامية بإفراز الهرمون المضاد للإدرار (ADH)، ما يؤدي إلى احتباس الماء أيضًا.
لا تختص المقالة بالفيزيولوجيا المفصلة لكل آلية من هذه الآليات. يجب التأكيد أيضًا على أن الخطوات المذكورة أعلاه لا تحدث بالضرورة بشكل تتابعي، بل بالتزامن. كذلك لا تُعد قائمةً شاملةً.
تؤدي هذه الآليات التعويضية إلى نتيجة نهائية تتلخص بزيادة احتباس المزيد والمزيد من الملح والماء في الجسم، ما يرفع من الحجم الكلي لسوائل الجسم. من بين أمور أخرى، سيزيد هذا من حجم القلب لفترة من الزمن (يُسمى هذا التغير تضخم القلب Cardiomegaly). من ناحية المبدأ، عندما تتمدد عضلة القلب، يجب أن يزداد النتاج القلبي. لكن هذا يحدث فقط ضمن حد معين. بعد هذا الحد، لن يزداد إنتاج القلب على الرغم من زيادة تمدد القلب/ حجمه، ما يؤدي لزيادة مستمرة في حجم الدم.
تتضح هذه الظاهرة بشكل رائع في الكتب الطبية بما يُسمى منحنى فرانك ستارلينغ (Frank-Starling curve).
وبالتالي، ينتهي الأمر بتضخم القلب، ونتاج قلبي منخفض، وكثير من السوائل في الجسم (الصفات الأساسية لقصور القلب الاحتقاني). سيؤدي الحمل الزائد للسوائل إلى ظهور أعراض تشمل ضيق التنفس أو الانتباج أو الوذمة، إلخ.
فكيف يسبب كل هذا ضررًا على الكلى؟
حسنًا، الآليات المذكورة أعلاه تقوم أيضًا بما يلي:
- ينقص ضخ الدم للكلى، وهو ما يُسمى (تضيق الأوعية الكلوية).
- يؤدي فرط السوائل في دوران المريض لزيادة الضغط داخل أوردة الكلى أيضًا.
- أخيرًا قد يرتفع الضغط داخل البطن، وهو ما يُسمى فرط التوتر داخل البطن (Intra-abdominal hypertension).
تؤدي كل هذه التغييرات السيئة معًا لتقليل إمداد الدم (الإرواء) للكلى بشكل أساسي، ما يؤدي إلى تدهور وظائف الكلى.
يعطي لك هذا الشرح فكرة كيف يمكن لفشل القلب أن يؤدي لضرر على الكلى.
تُعد هذه الآلية أحد الطرق التي يمكن أن تتطور بها المتلازمة القلبية الكلوية. يمكن أن يكون البادئ الأولي الكلى بدلًا من القلب، حيث تتسبب الكلى التي تعاني من خلل وظيفي (على سبيل المثال مرض كلوي مزمن متقدم) في زيادة كمية السوائل في الجسم (لا تُعد أمرًا نادرًا عند المرضى الذين يعانون من أمراض الكلى). يمكن لفرط السائل هذا أن يثقل كاهل القلب ويؤدي إلى فشله تدريجيًا.
كيف تُشخص المتلازمة القلبية الكلوية ؟
غالبًا ما يؤدي الشك السريري من قبل الطبيب المتمكن إلى وضع تشخيص ترجيحي. ومع ذلك، تفيد الاختبارات الروتينية لفحص وظائف الكلى والقلب، وليست بالضرورة غير نوعية. هذه الفحوص هي:
● بالنسبة للكلى: فحص مستويات كرياتينين الدم/ معدل الرشح الكبدي (GFR) واختبارات البول للكشف عن وجود دم أو بروتين فيه، وغيرها من الفحوصات. قد يكون الكشف عن مستوى الصوديوم في البول مفيدًا (لكن يجب تفسيره بعناية عند المرضى الذين يتناولون مدرات البول). وغالبًا ما تُجرى الصور مثل التصوير بالموجات فوق الصوتية (الإيكو).
● بالنسبة للقلب: فحوصات تروبونين الدم، والهرمون الدماغي المدر للصوديوم (BNP) وغيرها. فحوصات أخرى مثل تخطيط القلب الكهربائي (EKG)، ومخطط صدى القلب (إيكو القلب) (Echocardiogram)… إلخ.
سيكون لدى المريض النموذجي سوابق مرض قلبي تدهور حديثًا (قصور قلب احتقاني)، مصحوبًا بالعلامات المذكورة أعلاه لتدهور وظائف الكلى.
علاج المتلازمة القلبية الكلوية
كما ذكر أعلاه، يُعد تدبير المتلازمة القلبية الكلوية مجال بحث نشط لأسباب واضحة. يُدخَل المرضى الذين يعانون من المتلازمة القلبية الكلوية المشفى بشكل متكرر وتزداد لديهم معدلات الإصابة بالأمراض وكذلك مخاطر الوفاة. لذلك يلزمهم علاج فعال.
فيما يلي بعض الخيارات:
- نظرًا لأن سلسلة تطور المتلازمة القلبية الكلوية عادةً ما تبدأ عندما يؤدي فشل القلب الاحتقاني إلى زيادة حجم السوائل، فإن الأدوية المدرة للبول (المصنعة للتخلص من السوائل الزائدة في الجسم) هي الخط الأول في العلاج. ربما تكون قد سمعت بما يسمى حبوب الماء -تُسمى تحديدًا مدرات البول العروية- مثل الفوروسيميد (Furosemid) أو اللازيكس (Lasix). تُعطى مدرات البول العروية وريديًا عندما تتطلب حالة المريض إبقاءه بالمشفى. إذا لم تنجح حقن البلعة (التسريب البطيء) في هذه الأدوية، فقد تكون هناك حاجة إلى إعطائها بالتنقيط المستمر.
- قد يبدو العلاج سهلًا، ولكن يؤدي الاستخدام المفرط للمدرات البولية في بعض الأحيان إلى تخطي الطبيب لكميات السوائل المسموح إزالتها، ما يسبب ارتفاع مستوى الكرياتينين في المصل (والذي يعني سوء وظيفة الكلى). يمكن أن يحدث هذا بسبب انخفاض الوارد الدموي للكلى. وبالتالي يجب أن تحقق الجرعات المدرة للبول التوازن الصحيح ما بين ترك المريض في حالة جفاف أو فرط تميه.
- تذكر أخيرًا: تعتمد فعالية مدرات البول العروية على وظيفة الكلى وقدرتها على إخراج السوائل الزائدة، وبالتالي يمكن أن تصبح الكلى في كثير من الأحيان الحلقة الضعيفة في هذه السلسلة. فقد لا ينجح المدر البولي في التخلص من أي سوائل في الجسم بغض النظر عن مدى قوة المدر البولي، إذا كانت الكلى لا تعمل جيدًا بما يكفي، مهما بذلت من جهود.
- في هذه الحالة، قد تكون هناك حاجة إلى علاجات غازية (أي إجراءات طبية تغزو الأنسجة السليمة لضرورة علاجية) للتخلص من السوائل مثل فصادة الماء أو حتى الغسيل الكلوي. ما زالت هذه الإجراءات الغازية مثيرةً للجدل والدراسات عليها حتى الآن تشير إلى نتائج متضاربة. وبالتالي لا تُعد بأي حال من الأحوال خطًا أولًا لعلاج لهذه الحالة.
- تُجرَّب أدوية أخرى غالبًا -على الرغم من أنها لا تُصنَّف بالضرورة خطًا أولًا يوصى به للعلاج- وتشمل هذه الأدوية ما يُسمى بمقويات القلوصية (inotropes) (علاجات تؤثر على التقلص العضلي)، والتي تزيد من قوة ضخ القلب، وحاصرات الرنين أنجيوتنسين، وكذلك الأدوية التجريبية لعلاج المتلازمة القلبية الكلوية مثل التولفابتان (tolvaptan).
اقرأ أيضًا:
اعتلال عضلة القلب التوسعي: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج
التهاب الشغاف : الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج
الرفرفة الأذينية: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج
متلازمة بروغادا: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج
ترجمة: بشر معلولي
تدقيق: تسنيم الطيبي