تنشأ كل الخلايا وتتزايد عن طريق عملية الانقسام الاختزالي أو المنصف Meiosis التي تحدث في الخلايا السابقة. الانقسام المنصف، هو عملية متخصصة في الانقسام الخلوي التي تنتج الخلايا التناسلية. reproductive cells مثال: (النبات وأبواغ الفطر fungal spores والحيوانات المنوية sperm وخلايا البويضة egg cells). في العموم، تتضمن هذه العملية خلايا أبوية أو أصل parent cells تنقسم إلى خليتين أو أكثر من الخلايا الوليدة daughter cells، وهذه الطريقة التي تقوم بها الخلية الأم لنقل محتواها الجيني أو الوراثي أو الحمض النووي من النواة جيلًا بعد جيل.
الخلايا حقيقية النواة Eukaryotic cells و كروموسوماتها chromosomes:
تصنف الكائنات الحية بصورة عامة بناءً على التعقيد النسبي لخلاياها، فإما أن تصنف بدائيات النواة prokaryotes أو حقيقة النواة Eukaryotic. تتكون بدائيات النواة من خلية واحدة ذات بنية داخلية بسيطة، إذ يطفو حمضها النووي DNA داخل الخلية على شكل كتلة خيطية ملتفة تدعى الجسم النووي أو نوواني nucleoid مثال: البكتيريا bacteria.
(نوواني nucleoid: يتكون من الحمض النووي DNA بنسبة 60% ونسبة قليلة من الحمض النووي الريبوزي RNA والبروتين).
يُعبّأ الحمض النووي في حقيقيات النواة -على عكس بدائيات النواة- داخل حجرة مركزية تسمى نواة الخلية nucleus، وتعد الحيوانات والنباتات والفطريات من حقيقيات النواة.
لدى الخلايا حقيقية النواة مكونات متخصصة تسمى العضيات organelles، مثل: المتقدرات mitochondria والصانعات اليخضورية في النبات chloroplasts والشبكة البلازمية الداخلية endoplasmic reticulum، وتؤدي كل منها وظيفةً محددةً.
يوجد الكروموسوم chromosome داخل الخلايا حقيقية النواة، وهو بنية شبيهة بالقضيب تتألف من الخيوط المزدوجة الطويلة والحلزونية للحمض النووي والتي تلتف بإحكام حول بروتين يدعى هستون histones. (بروتين الهستون: هو بروتين قلوي يساعد في تنظيم تركيب الحمض النووي داخل أنوية الخلايا حقيقية النواة).
لدى الخلايا في جسم الإنسان 23 زوجًا من الكروموسومات أو 46 في المجمل. يشمل هذا نوعين من الصبغيات الجنسية: كروموسومين X للإناث وكروموسوم X واحد وكروموسوم Y واحد للذكور، لأن كل كروموسوم له زوج. تسمى هذه الخلايا (خلايا ثنائية الصبغيات diploid cell).
من ناحية أخرى، يطلق مصطلح (خلية أحادية الصيغة الصبغية haploid cell) على الحيوانات المنوية والبويضة البشرية لاحتوائها على 23 زوجًا من الصبغيات فقط، أي نصف العدد من صبغيات الخلية الثنائية.
يتم جمع الحيوانات المنوية والبويضة في عملية الإخصاب لدى الإنسان أي يتم جمع المجموعات الصبغية، أي تتم استعادة العدد الكلي للكروموسوم، ذلك لأن الكائنات الحية المولدة جنسيًا تستقبل مجموعةً من الصبغيات من كل والد: مجموعة الأم والأب، كل كروموسوم لديه زوج مشابه أو مماثل (orhomolog مصطلح يعني التماثل أو التنادد).
الانقسام المتساوي Mitosis مقابل الانقسام المنصف Meiosis:
تستطيع حقيقيات النواة القيام بنوعين من الانقسام الخلوي: الانقسام المنصف والانقسام المتساوي. يسمح الانقسام المتساوي للخلية إنتاج نسخة مطابقة تمامًا لنفسها، أي ينتج عنها خليتين وليدتين من أساس واحد، ما يعني أن المادة الوراثية مكررة من الأصل إلى الخلايا الوليدة.
حقيقيات النواة وحيدة الخلية مثل: (الأميبا amoeba والخميرة yeast) تستخدم الانقسام المتساوي بشكل غير جنسي asexuallyand لزيادة أعدادها. حقيقيات النواة متعددة الخلايا مثل: (البشر) تستخدم الانقسام المتساوي لترميم أو شفاء الأنسجة المصابة.
من جهة أخرى، يحدث الانقسام المنصف في الكائنات الحية التي تتكاثر جنسيًا. كما ذكرنا سابقًا، فهو مسؤول عن إنتاج الخلايا التناسلية، مثل الخلايا المنوية وخلايا البويضة والأبواغ لدى النباتات والفطريات.
لدى البشر خلايا مميزة تسمى خلايا جرثومية germ cells تخضع للانقسام المنصف؛ ما يؤدي في النهاية لتشكل الحيوانات المنوية والبويضات. تحتوي هذه الخلايا الجرثومية على مجموعة كاملة من 46 كروموسومًا (23 كروموسومًا من الأب و23 كروموسومًا من الأم) وفي نهاية المطاف الخلايا التناسلية الناتجة أو الأمشاج كل منها يحتوي على 23 كروموسومًا مميزًا وراثيًا.
ينتج عن إجمالي عملية الانقسام المنصف أربع خلايا وليدة من الخلية الأم الواحدة، تحتوي كل خلية وليدة على عدد فردي من الصبغيات لاحتوائها على نصف عدد الكروموسومات في الخلية الأصلية. يقول السيد أندرو هويت M. Andrew Hoyt عالم الأحياء و الأستاذ في جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University: «الانقسام المنصف اختزالي reductional».
تكون الخلايا الوليدة الناتجة عن الانقسام المنصف -بخلاف الانقسام المتساوي- متنوعةً وراثيًا. تتبادل الكروموسومات المتجانسة أجزاءً من الحمض النووي لإنتاج كروموسومات هجينة وراثيًا فريدةً من نوعها ومجهزةً لكل خلية وليدة.
نظرة أقرب على الانقسام المنصف أو الاختزالي:
تحدث بعض التغييرات المهمة داخل الخلايا الرئيسية قبل بدء الانقسام، فيقوم كل كروموسوم بتكوين نسخة من نفسه وتعرف هذه الكروموسومات المكررة باسم الكروماتيدات الشقيقة sister chromatids، تُدمج معًا وتعرف النقطة التي تندمج فيها باسم السنترومير أو القطعة المركزية centromere. تأخذ الكروماتيدات الشقيقة المندمجة تقريبًا شكل حرف X.
يحدث الانقسام المنصف على مرحلتين من الانقسامات النووية nuclear divisions، تدعيان: (الانقسام المنصف الأول والانقسام المنصف الثاني)؛ وذلك وفقًا للمنصة العلمية في التعليم الطبيعي Nature Education’s Scitable.
ضف إلى ذلك، تنقسم كلًا من العمليتين الأولى والثانية من الانقسام المنصف إلى أربع مراحل رئيسية: (الطور التمهيدي prophase والطور التالي metaphase وطور الصعود anaphase والطور النهائي telophase).
يكون الانقسام المنصف الأول مسؤولًا عن تكون كروموسومات فريدة وراثيًا، وتتبادل الكروماتيدات الشقيقة مع مثيلاتها المواد الوراثية فيما بينها. تُنتج في نهاية هذا الانقسام كل خلية أصل خليتين وليدتين، يحمل كل منها يحمل مجموعةً واحدةً من الكروماتيدات الشقيقة.
يشبه الانقسام المنصف الثاني إلى حد كبير الانقسام المتساوي، إذ تنتقل الخليتان الوليدتان إلى هذه المرحلة دون وجود أزواج أو ازدواجية في الكروموسوم، تنسحب الكروماتيدات الشقيقة خلال هذا الانقسام. تنتج مجموعة الخلايا أحادية الصيغة الصبغية الأربع الوليدة، خلال مسار الانقسام المنصف الثاني.
الانقسام المنصف الأول:
وفقًا للبيولوجيا الجزيئية للخلية Molecular Biology of the Cell، في منشورات شركة غارلاند للعلوم ٢٠٠٢م Garland Science المراحل الأربع للانقسام الاختزالي أو المنصف هي على النحو التالي:
١- الطور التمهيدي Prophase I:
تتزاوج الكروموسومات المتجانسة أو المتماثلة معًا، وتصبح الصبغيات في هذه المرحلة عبارةً عن تراكيب صغيرة كثيفة يمكن رؤيتها بسهولة تحت المجهر، تشبه مجموعتا الكروماتيدات الشقيقة اثنين من حرف X يصطفان بجانب بعضهما البعض.
كل مجموعة تتبادل أجزاءً من الحمض النووي مع المجموعة الأخرى وتعيد اتحادها، وبالتالي خلق التنوع الجيني أو الوراثي، تعرف هذه العملية بالعبور، أو إعادة التركيب recombination.
على الرغم من أن الصبغيات الجنسية للذكور (X وY) في البشر ليست متماثلةً تمامًا، إلا أن بإمكانها الاقتران أو التزاوج معًا وتبادل الحمض النووي، يحدث العبور داخل منطقة صغيرة فقط من الكروموسومين. في نهاية الطور التمهيدي، ينهار الغشاء النووي nuclear membrane.
٢- الطور التالي Metaphase I:
الجهاز المغزلي أو المغزل الانتصافي meiotic spindle، شبكة من خيوط البروتين يمكن وضعها في أي من طرفي الخلية، تنبثق من اثنين من الهياكل تسمى المريكز centrioles، وهذا المغزل الانتصافي يمسك أو يرتبط بالكروماتيدات الشقيقة المندمجة.
ترتبط كل الكروماتيدات الشقيقة المندمجة في نهاية الطور التمهيدي في وسطها، وتصطف في وسط الخلية، تظهر الخلايا المتماثلة مثل اثنين من حرف X بالقرب من بعضها البعض.
٣- طور الصعود Anaphase I:
تبدأ ألياف المغزل بالتقلص، ما يسحب الشقيقة الكروماتيدية المندمجة معها ويتحرك كل مركب على شكل X بعيدًا عن الآخر، باتجاه الأطراف المقابلة للخلية.
٤- الطور النهائي Telophase I:
تصل الكروماتيدات الشقيقة المندمجة إلى أطراف الخلية، وينقسم الجسم الخلوي إلى قسمين. يُنتِج الانقسام المنصف الأول خليتين وليدتين كل منهما يحتوي على كروماتيدات شقيقة مندمجة. يكون التركيب الوراثي لكل خلية وليدة فريدًا بسبب تبادل الحمض النووي بين مثيلاتها خلال عملية العبور.
الانقسام المنصف الثاني:
قال هويت لـ Live Science: «الانقسام المنصف الثاني يشبه الانقسام المتساوي، إنه تقسيم متوازن». بعبارة أخرى، لا يتغير عدد الكروموسومات بعد انتهاء العملية بين الخلايا التي تدخل الانقسام المنصف الثاني والخلايا الوليدة الناتجة. المراحل الأربع من الانقسام المنصف أو الاختزالي الثاني هي كما يلي، وفقًا لكتاب البيولوجيا الجزيئية للخلية Molecular Biology of the Cell:
١- الطور التمهيدي Prophase II:
يتفكك الغشاء النووي ويبدأ الجهاز المغزلي في التشكل مرة أخرى.
٢- الطور التالي Metaphase II:
يقوم الجهاز المغزلي بالإمساك بالقطعة المركزية للكروماتيدات الشقيقة، وتقوم جميعها بالاصطفاف داخل الخلية.
٣- الطور الصاعد Anaphase II:
تبدأ ألياف المغزل في التقلص وسحب الكروماتيدات الشقيقة، يبدأ كل كروموسوم فردي الآن في الانتقال إلى أحد أطراف الخلية.
٤- الطور النهائي Telophase II:
يصل الكروموسوم إلى الجهة المقابلة من الخلية، وينقسم الجسم الخلوي إلى قسمين بعد تشكل الغشاء النووي مرةً أخرى.
ينتج عن الانقسام المنصف الثاني أربع خلايا أحادية الصيغة الصبغية، لكل منها نفس عدد الكروموسومات، ومع ذلك، فإن كل كروموسوم فريد من نوعه ويحتوي على مزيج من المعلومات الوراثية من كروموسومات الأم والأب في الخلية الأصلية.
لماذا يعد الانقسام المنصف أو الاختزالي مهمًا؟
الفصل الملائم للكروموسومات chromosomal segregation أو الفصل بين الكروماتيدات الشقيقة خلال الانقسام المنصف الأول والثاني ضروري لتوليد حيوانات منوية سليمة وخلايا بويضة سليمة؛ ما يعني أجنة سليمة healthy embryos.
إذا فشلت الكروموسومات في فصلها تمامًا، فإنها تُسمى عدم الانفصال nondisjunction ويمكن أن تؤدي إلى تكوين أمشاج منقوصة أو كروموسومات إضافية. وذلك وفقًا لكتاب البيولوجيا الجزيئية للخلية Molecular Biology of the Cell.
عندما تمتلئ الأمشاج بالأعداد الكروموسومية غير الطبيعية، لا تنجو معظم الأجنة الناتجة، مع العلم أنه ليست كل التشوهات الصبغية قاتلةً للجنين.
على سبيل المثال: (تحدث متلازمة داون Down syndrome نتيجة وجود نسخة إضافية من الكروموسوم 21). ( والأشخاص الذين يعانون من متلازمة كلاينفلتر Klinefelter syndrome هم من الذكور وراثيًا ولكن لديهم صبغي X إضافي).
لذلك، التأثير الأكثر أهمية للانقسام المنصف أو الاختزالي هو أنه يولد التنوع الوراثي أو الجيني، وهذه ميزة رئيسية للبقاء على قيد الحياة. ويقول هويت: «خلط المعلومات الوراثية يتيح لك العثور على تركيبات جديدة ربما تكون أكثر ملاءمةً في العالم الحقيقي».
اقرأ أيضًا:
- الصبغيات: التعريف والبنية
- كيف تساعد انقسامات الخلايا الجذعية في تفسير مخاطر الإصابة بالسرطان
- الانقسام الخلوي : بحث مختصر في الشيخوخة و الخلود
- الأبحاث والتكنولوجيا في علم الوراثة
- كيف تنتقل الجينات الوراثية ؟
- تاريخ علم الوراثة
- الطفرات الجينية، أسبابها وآليات حدوثها
ترجمة: عمر النبواني
تدقيق: أحلام مرشد