نظرية الأكوان المتعددة هي عبارة عن مجموعة من الفرضيات حول أكوان متعددة أخرى يمكن ملاحظتها مثل تمدد الزمان و التضخم الكوني. كل منها يضم كل شيء يمكن تجريبه بمجموعة متصلة من الملاحظات. إن الكون المرئي الذي يمكن رؤيته عن طريق التلسكوبات يصل حجمة إلى أكثر من ٩٠ مليار سنة ضوئية، ومع ذلك قد يكون مجرد فرع صغير أو حتى متناهي الصغر من بحر الأكوان المتعددة.
ظهرت فكرة الأكوان المتعددة بأشكال عدة في علم الفضاء وميكانيكا الكم والفلسفة، كما أكدت الفيزياء الكلاسيكية في الكثير من الأحيان وجود تداخلات مختلفة للتكوينات والتواريخ في الكون المرئي. شُكل مصطلح الأكوان المتعددة لأول مرة على يد الفيلسوف الأمريكي ويليام جيمس عام ١٨٩٥ للإشارة إلى المعنى الأخلاقي المحير للظواهر الطبيعية وليس الأكوان المتعددة.
ما هي أنواع الأكوان المتعددة:- إحدى الطرق الجيدة لتقسيم الأكوان المتعددة هي عن طريق معرفة ما مدى اتصال هذه الأكوان، بمعنى أنها جزء من نظام واحد موصوف بإطار مادي ورياضي محدد جيدًا، إذ تكون متصلةً ببعضها أو حتى في حالة تفاعل مع بعضها البعض .
تأكد نهايات الطيف المنفصلة بالكامل أن الأكوان المتعددة في حالة تعايش وواقع متساوي، فيما يعرف بالنظم الواقعية، طُورت هذه الفكرة بشكل ملحوظ من قبل الفيلسوف الأمريكي ديفيد كيلوج لويس عام ١٩٧٠ و ١٩٨٠، افتُرض أما الفيزياء والرياضيات في هذه الأثناء -وخاصة في التسعينيات من قبل الفيزيائي الأمريكي السويدي ماكس تيجمارك وعالم الكمبيوتر الألماني يورغن شميدهوبر.
إن كوننا المعروف يُعادل رياضيًا نظامًا رسميًا، وأن كل هذه الأنظمة الرياضية -أو على الأقل كل فئة من هذه الأنظمة- متساوية في الواقع، على نحو مشابه، يمكن فصله عن ما يسمى بالأكوان المتوازية أو غيرها من العوالم الموازية سواء كانت دينية أو روحية، قد يعتقد بعض الناس أن هذه الأكوان الأخرى مرتبطة بالكون المرئي أو حتى تقوم بالتفاعل معه، ولكن لا نعرف كيف يمكن بالضبط أن تحدث هذه التفاعلات.
يمكن أن تنشأ أكوان متعددة أكثر ارتباطًا ببعضها عن عمليات في الجاذبية الكمية. توحد نظرية افتراضية نظرية آينشتاين للنسبية العامة مع ميكانيكا الكم، تصف النظرية العامة كيف يتطور الزمكان، لكنها لا تجيب على السؤال حول كيف يمكن إنشاء وقت فضائي مكتفٍ ذاتيًا أو تدميره. يمكن العثور على إجابة محتملة في ما يسمى بالدورة الكونية.
إذ تتطور بقايا الكون المنهار إلى انفجار عظيم -الذي يتسع في وقت لاحق – ويُفترض أنه من خلال الجاذبية الكمية أو بعض العمليات الغريبة الأخرى التي لا يتم وصفها بفيزياء مفهومة جيدًا، والفكرة ذات الصلة هي الكون الطفل، إذ تعمل الجاذبية الكمية على خلق منطقة جديدة من الزمكان، والتي من شأنها أن تتعطل ومن المحتمل أن تنفصل عن كونها الأم، هذا من شأنه أن يؤدي إلى تكوين “شجرة” من الأكوان من غير المحتمل أن تتفاعل مع بعضها بعد تشكيلها. وقد تم التنبؤ بحدوث هذه العملية في المناطق الداخلية من الثقوب السوداء.
ويستند النموذج الأكثر تطورًا عن تمدد الزمكان في الأكوان المتعددة على فكرة التضخم الكوني، التضخم هو عملية افتراضية للكون المبكر، إذ يتسع فيه الزمكان بمعدل أسرع بكثير من الوقت الحاضر، ففي معظم النماذج كان التوسع مدفوعًا بالطاقة الموجودة في الفراغ والتي من شأنها توليد قوة طاردة.
هذا النوع من التوسع يخلق منطقة زمكان أكبر بكثير من الكون المرئي، ما يؤدي إلى مجموعة متصلة من الأكوان المتعددة -وإن كان يتألف من مناطق تشبه إلى حد كبير كوننا المنظور- في النموذج التضخمي، يمكن أن يحدث الانتقال إلى عدم التضخم في أوقات مختلفة في أماكن مختلفة.
وهذا يؤدي إلى فقاعات هشة، ففي العديد من عمليات التضخم توجد دائمًا مناطق لم يتم فيها بعد الانتقال إلى التوسع العادي، ولا يزال التضخم يحدث، يؤدي هذا الاحتمال إلى صورة أخرى يحدث فيها التضخم إلى الأبد ويولد عددًا كبيرًا أو غير محدود من المناطق التي يحدث بها التضخم في مرحلة ما بعد التضخم الأساسي، والتي يمكن أن يكون أحدها هو الكون المنظور، لأن مفهوم التضخم له مبرر نظري جيد ومدعوم بمشاهدات، ولأن عملية توليد أكوان جديدة من خلال التضخم تقوم على فيزياء منطقية ومفهومة بشكل جيد، لذلك اكتسب هذا النموذج من الأكوان المتعددة أهميةً أكبر من الأفكار السابقة.
كما أن الأكوان المتعددة التضخمية مرتبطة ببعضها البعض، إذ إن كل الأكوان ستعيش في نفس الزمكان، وقد تؤدي التفاعلات بين الأكوان المجاورة -من حيث المبدأ- إلى تأثيرات ملحوظة، في النموذج الأكثر تطورًا، تقوم الأكوان المتعددة بتوسع على شكل فقاعات في خلفية مشتركة. عندما تصطدم الفقاعات، يمكن أن تظهر “الموجة الصادمة” الناتجة كاضطراب دائري على شكل إشعاع ميكروويف في الخلفية الكونية.
تتداخل نظرية الأوتار بشكل مثير للاهتمام مع عملية التضخم الدائم، ففي نظرية الأوتار، ترتبط ستة أبعاد أو أكثر مع الأربعة أبعاد التقليدية الخاصة بالزمكان؛ وهكذا فإن لدى لكون بالفعل 10 أبعاد أو أكثر، فتُكون سمات هذه المناطق المتداخلة الطبيعة الفيزيائية للمواد، وتحدد هذه المناطق المتداخلة طاقة الفراغ؛ فإذا كانت موجبةً أدت إلى التضخم الدائم. ويمكن أيضًا أن تحدث تداخلات بين تكوينات الأكوان المتعددة، ما يؤدي إلى تكوين مجالات ثوابت فيزيائية مختلفة، أُطلق على هذا النوع من الأكوان المتعددة “التضخم الأزلي أو الدائم /سلسلة الأوتار”.
ولأن الثوابت الفيزيائية تأخذ العديد من القيم في العديد من الأكوان الحقيقية، فقد تم اقتراح هذا التفسير على أنه ما يطلق عليه التفسير الأنثروبولوجي “البشري” لسبب وجود ثوابت فيزيائية معينة كثوابت كونية -خذ قيمةّ متوافقةً مع كون مناسب للحياة ولكنها مختلفة جدًا عن القيمة “الطبيعية”. في نموذج (التضخم الأبدي أو الدائم / سلسلة الأوتار)، فإن الكثير من الأكوان المتعددة ستكون غير مؤهلة للحياة، والحياة بالضرورة ستكون موجودةً فقط في منطقة ذات ثوابت فيزيائية متوافقة.
كما يوجد نوع مختلف -نوعًا ما- من الأكوان المتعددة ولكنه مهم قد ينشأ مباشرةً من ميكانيكا الكم، إذ يمكن وصف الأنظمة عن طريق استخدام الجهاز الماكروسكوبي لوصف الحالات المختلفة للقياسات الفيزيائية وفقًا لميكانيكا الكم. وقبل قياس النظام، سيكون في تراكب مثل هذه الحالات -رياضيًا، مجموع متجهات الحالات الموزونة بالمعاملات المعقدة.
مثل هذه الأنظمة لا يمكن أن تتنبأ بشكل قاطع بالنتائج ولكن يمكن التنبؤ باحتمالات هذه النتائج، وبشكل خاص في النظام المعزول، يكون تطور المتجهات المكونة للنظام حتمي للغاية، في حين أنه عند قياسه يبدو وكأنه يقفز لقيم مغايرة للتي قيسَت من قبل.
اقترح الفيزيائي الأميركي هيو إيفريت أنه بدلًا من استخدام الأجهزة المصنعة التي تتفاعل مع النظام الكمي يتم ببساطة تكبير النظام التراكبي حتى تشمل تراكيب الحالات الكبيرة، وذلك للتفرقة بين نتائج الاختبارات، لذلك يمكن أن تحدث كل النتائج المحتملة في العوالم فيما يدعى في ميكانيكا الكم ب “تداخل العوالم المتعددة “، يكون هذا النوع من الأكوان المتعددة مترابطًا جدًا، إذ أنه موحد رياضيًا، ومع ذلك فإن العمليات الحسابية التي ترجح تفاعل الأجسام الكبيرة العينية مع بعضها في الأكوان المختلفة تكاد أن تكون شبه مستحيلة.
وأخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن الأنواع المختلفة من الأكوان المتعددة يمكن أن تتحد أو تتعايش. على سبيل المثال، يمكن أن تشمل الأكوان المتعددة من نوع إيفريت عوالم مختلفة، كل منها عبارة عن عوالم دائمة التضخم إلى الأبد، أو من حيث المبدأ، أن تخرج أكوان متعددة مستمرة أو ينتج كون “طفل”.
نقد النظرية:
تعرضت فرضية الأكوان المتوازية إلى نقد بشكل كبير علة أنها مجموعة من التخمينات أو الفلسفة عن كونها علم، وهي في الواقع مصدر قلق، خاصةً النوع المنفصل من الأكوان المتعددة، أما الأنواع الأقل نقدًا هي الأكوان التي تظهر كأثر جانبي لنظريات ذات دوافع جيدة ومختبرة أو التي تعترف بمستوى معين من التحقق التجريبي، ولكن من أشرس النقاشات التي تحيط بتفسير الفرضية تلك التي تناقش القيم الثابتة الكونية.
وعلى الصعيد الآخر، يمكن القول أن هذا المنطق لا يختلف عن تفسير درجة الحرارة غير المعتادة للغاية والكثافة على الأرض بالنسبة لمعظم المواقع الأخرى في الكون، وذلك لأن الحياة لا تحدث إلا في ظروف معينة من درجة حرارة وكثافة، ومع ذلك إنه لمن الصعب جدًا وضع تعريف للحياة أو ما هي متطلبات وجودها في إطار الأكوان المتعددة، إذ إنه من الصعب جدًا حساب احتمالات نجاح حياة بنفس المعطيات في كون آخر موازي.
ومن الممكن أيضًا مناقشة ما إذا كانت الأكوان المتعددة متفقةً مع شفرة أوكام أم لا، الذي يرى أن أبسط تفسير للكيان أو الظاهرة هو الذي ينبغي اختياره، ومن ناحية أخرى يدعي المدافعون عن نظرية الأكوان المتعددة أن التفسير الأبسط هو أن كوننا المرئي هو جزء من سلسلة الأكوان المتعددة وليس منفصل أو قائم بذاته!.
اقرأ أيضًا:
- عندما تتصادم الأكوان المتوازية تولد ميكانيك الكم
- أفضل كتب علم الفلك والفيزياء الفلكيّة
- ما هو مصدر النظريات القائلة بوجود أكوان متعدة أو موازية؟
- عُلماء يدحضون فكرة تواجدك في عددٍ غير محدودٍ من الأماكن
المترجم: بيتر نبيل.
تدقيق: حسام التهامي.