الأكوان المتوازية -في عوالم حيث لم يضرب الكويكب الذي سبب انقراض الديناصورات الأرض، أو حيث استعمرت البرتغال أستراليا- تعتبر هذه الأكوان أساس الخيال العلمي، ولكن هل هي حقيقة؟

اقترح الدكتور ميشيل هول من جامعة غريفيث والدكتور ديرك اندريه من جامعة كاليفورنيا في ورقة بحثية أساسية نُشرت هذا الأسبوع في (فيزيكال ريفيو اكس – Physical Review x )، أن الأكوان المتوازية ليست فقط حقيقية، بل إنها ليست متوازية بالمعنى الحرفي ويمكن أن «تتصادم»، ويعتبر التفاعل بين هذه العوالم -حسب النظرية- مصدر جميع الخصائص الشاذة لميكانيك الكم.

عوالم ذات تفاسير عديدة

وجود العوالم المتوازية في ميكانيك الكم ليست فكرة جديدة بحد ذاتها، وهنالك ما يميز إحدى التفاسير الرائدة في ميكانيك الكم وهي «تفسير عوالم عديدة – many worlds interpretation (MWI) » الذي ظهر إلى الوجود في سنة 1957 م .

تعد ميكانيك الكم أكثر النظريات تطبيقاً ونجاحاً على نحو واسع، لذلك لعلّك تستغرب لماذا تحتاج إلى التفسير.

إجابةً على سؤالك فإنه يوجد سببان:

السبب الأول

هو وجود الصيغ الرياضية والمنطقية لميكانيك الكم بعيدة كل البعد عن حياتنا الاعتيادية، فهي جميعها مرتكزة على «الدالة الموجية – Wavefunction» التي تعرِّف الموجات على أنها كالموجات العادية ولكن بدلاً من أن تعيش في فضاء ثلاثي الأبعاد فإنها تعيش في فضاء لا نهائي الأبعاد.

السبب الثاني

هو ما يسمى بـ «ارتباطات بيل – Bell correlations»، التي تقاس تجريبياً باستخدام أنظمة كمّية متباعدة تنشأ من مصدر مشترك، ومنتهِكة بذلك القوانين المعتادة للسبب والنتيجة.

وهذا الأمر يقتضي ضمنياً أن الدالة الموجية لا يمكن استبدالها بأي شي في الفضاء المألوف.

تتنافس عدة تفاسير في ميكانيك الكم وكل واحد منها يعطي صورة مختلفة لطبيعة الواقع المتطرفة، وكل تصوير منها يأتي عميقاً وغريباً بطريقة ما، وكل هذا بسبب غرابة ميكانيك الكم بحد ذاتها..

غرابة نموذج «تفسير العوالم العديدة» في فرض أن في أي وقت أي نظام كمي تتم ملاحظته في الكون، هذا الكون «يتفرع» إلى مجموعة من الأكوان الجديدة، واحد لكل من النتائج المحتملة لهذه المراقبة.

انتُقد هذا النموذج بسبب حقيقة أنه لا يحدد على وجه الدقة وقت حدوث المراقبة.

لذلك تُعتبر معرفة كم عالم يوجد في وقت معطى ومحدد أمرًا غامضًأ، وكل عالم يملك نوعاً ما خصائص غريبة عند وصفه استناداً إلى الدالة الموجية.

ولأن نتائجاً مختلفة تحصل بوجود الاحتمالات المختلفة، فإنه يجب على نموذج «MWI» فرض وجود «أوزان» مختلفة لهذه العوالم المختلفة، أي أن بعض العوالم تملك أهمية أكبر من العوالم الأخرى بالرغم من أنه من المفترض واقعية جميع هذه العوالم.

أخيراً، بمجرد ولادة هذه العوالم، فإنها لا تتفاعل، لذلك يقول بعض النقاد أنها عوالم فرضية بحتة ولا تخدم أي غرض.

عوالم «متفاعلة» عديدة

تنطوي النظرية الجديدة على عوالم عديدة، لكن لا وجود لتشابه بينها وبين نموذج تفسير العوالم العديدة، أولاً؛ تفرض النظرية عدداً ثابتاً -بالرغم من أنه كبير جدًا- من العوالم، جميعها تتواجد باستمرار ولا يوجد أي تفرع لها.

ثانياً؛ لا يكون أياً من هذه العوالم غير واضح، فجميعها تملك خصائص واضحة ودقيقة.

وفقا لهذا النموذج فإن عالماً ما يتم تحديده من خلال الموقع الدقيق والسرعة لكل جسيم في هذا العالم -لا يوجد مبدأ هايزنبرغ لعدم التأكد يتم تطبيقه في عالم منفرد- ، وإذا فرضنا وجود عالم واحد في ظل هذه النظرية؛ فإن هذا العالم سيتطور وفقا لميكانيك قوانين نيوتن وليس ميكانيك الكم.

ثالثاً؛ تتفاعل العوالم علماً بأن التفاعل هو مصدر ميكانيك الكم، وعلى وجه التحديد يوجد بين العوالم ذات الخصائص المتشركة (أي التي تملك بصورة تقريبية نفس الموقع لكل جسمية منها) قوة دافعة من نوع خاص.

وبذلك تمنع هذه القوة «الفراغية» العوالم القريبة من امتلاك نفس النظام، وتميل إلى جعل العوالم المتقاربة عوالماً مختلفة عن بعضها البعض.

رابعًا؛ كل عالم من هذه العوالم هو عالم حقيقي بشكل متساوٍ، أي أن الاحتمالات تدخل فقط في الجانب النظري؛ لأن المُشاهد أو المراقب، وهو مصنوع من الجسيمات في عالم محدد، لا يعرف بالتأكيد أي عالم هو موجود فيه -من مجموع العوالم الأخرى- وبالتالي سوف يعطي المراقب احتمالاً متساويًا لكل فرد من المجموع يتوافق مع تجاربه (أي أن هذه العوالم التي أعطاها المراقب احتمالاته سوف يتوافق بالعيش معها).

وبعد إنهاء أداء هذه التجربة سوف يمتلك المراقب معرفة أكبر بخصوص أي عالم هو فيه، وبهذه الطريقة سيستبعد العوالم التي اعتقد أنه قد يوجد في أي منها.

تكشف النظرية عن نفسها عندما نجمع كل النقاط المذكورة أعلاه ، ويمكن تسميتها باسم »مقاربة العوالم المتفاعلة لميكانيك الكمthe Many Interacting Worlds approach » لا يوجد شيء اَخر في النظرية بجانب ما ذكرنها، لا وجود «للدالة موجية» ، لا وجود لدور المُراقب، ولا وجود لفرق جوهري بين العوالم المجهرية والعوالم العينية.

وبالرغم من ذلك، فإن هذه النظرية تستطيع إنتاج جميع مظاهر ومزايا ميكانيك الكم، من تجربة الشق المزدوج، مرورًا بالحد الأدنى من الطاقة و النفق الكمومي، ووصولاً إلى ارتباطات بيل ومبدأ عدم التأكد.

تطيبقات ونتائج

سميت النظرية باسم «مقاربة» بدلاً من «تفسير» لأن لأي عالم محدد من العوالم؛ تعتبر النظرية تقريب لميكانيك الكم، وهذه النظرية تعطينا احتمالية مثيرة لاختبار وجودية العوالم الأخرى.

قد تكون القدرة على مقاربة التطور الكمي بالاستعانة بعدد محدد من العوالم مفيدة جدًا، وتأتي من خلال نمذجة الديناميك الجزيئية؛ التي تعتبر مهمة لفهم التفاعلات الكيميائية وطريقة عمل الأدوية والعقاقير.

لطالما كانت ميكانيك الكم لغزاً بسبب طرقها البارعة والعميقة التي تنحرف بها عن ميكانيك نيوتن، فلعلّ هذه الانحرافات نشأت من تفاعلات حساسة لعوالم نيوتنية -تعمل على ميكانيك نيوتن- وبوجود عوالم موازية ومجاورة، وبهذا نكون قد حللنا هذا اللغز الكمي.

لا يوجد أي شي متأصل وغير قابل للتصديق في هذه الفكرة الجديدة، وجدير بالذكر أنها بالنسبة لهواة الخيال العلمي فإنها تجعل من حبكات التواصل بين العوالم شيئاً ليس بعيد الاحتمال.


إعداد: قصي أبو شامة
تدقيق: سارة عمّار
المصدر