قبل نحو 60 عامًا، توقع الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل نيكولاس بلومبرجين Nicolaas Bloembergen، ظاهرةً جديدة مثيرة تُسمى الرنين الكهربي النووي nuclear electric resonance. لكن لم يتمكن أحد من إثبات تلك الظاهرة عمليًّا، حتى الآن. اكتُشف الدليل الفعلي على الرنين الكهربي النووي مصادفةً في أحد مختبرات جامعة نيوساوث ويلز بأستراليا، ويعود الفضل في ذلك إلى معدات معيبة! يمنح هذا الاكتشاف العلماء مستوى جديد من التحكم في الأنوية، وقد يساهم في تطوير الحواسيب الكمومية.
تتلخص الفكرة الأساسية لهذه الظاهرة في التحكم في دوران ذرات مفردة باستخدام المجالات الكهربية بدلًا من المغناطيسية، ما يعني تحكم أدق في الأنوية، وتأثير أعمق في مجموعة متنوعة من المجالات.
يقول عالم فيزياء الكم أندريا موريلو من جامعة نيو ساوث ويلز: «يعني هذا الاكتشاف وجود طريقة لإنشاء حواسيب كَمِّيَة باستخدام ذرات مفردة تدور، دون الحاجة إلى أي مجال مغناطيسي متذبذب. ويمكننا، إضافةً إلى ذلك، استخدام الأنوية بصفتها مستشعرات دقيقة بدرجة مبهرة للمجالات الكهربية والمغناطيسية، ما سيجيب عن أسئلة أساسية في علم الكم».
في بعض الحالات، يستطيع الرنين الكهربي النووي أن يحل محل الرنين المغناطيسي النووي، المُستخدَم على نطاق واسع في أداء مجموعة متنوعة من المهام، مثل فحص الأجسام البشرية والعناصر الكيميائية والبُنى الصخرية وغير ذلك.
تكمن مشكلة الاعتماد على المجال المغناطيسي في أنه يتطلب تيارات قوية، ولفائف كبيرة، ومساحة كبيرة، كحجم ماسح التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي في المستشفى مثلًا.
كذلك فإن أجهزة المجال المغناطيسي كثيرًا ما تفتقر إلى الدقة، فهي ليست الأداة المناسبة للتحكم في الأنوية الذرية المفردة، لأغراض الحوسبة الكمِّية، أو في أجهزة الاستشعار الصغيرة جدًّا.
يقول موريلو: «يشبه الرنين المغناطيسي محاولة تحريك كرة معينة على طاولة بلياردو برفع الطاولة بأكملها وهزها. سنحرك الكرة المقصودة، لكننا سنحرك جميع الكرات. أما الرنين الكهربي فيشبه عصا البلياردو التي ستُمكنّا من ضرب الكرة المطلوبة فقط وفي المكان المناسب».
استطاع الباحثون من طريق تجربة الرنين المغناطيسي النووي، حل اللغز الذي تركه بلومبرجين منذ 1961. وبعد أن اندهش الباحثون مما توصلوا إليه من نتائج غير متوقعة، أدركوا أن العيوب في أجهزتهم هي ما أظهر رنينًا كهربيًّا نوويًّا.
تمكن الفريق، من طريق وضع النماذج الحاسوبية لاحقًا، من إثبات أن المجالات الكهربية تؤثر أساسًا في النواة، ما يسبب تشوه الروابط الذرية حول النواة ودورانها حول نفسها.
يستطيع العلماء البحث عن طرق جديدة لتطبيق الرنين الكهربي النووي، بعد أن عرفوا كيفية عمله. ويمكننا أيضًا إضافة هذا الاكتشاف إلى قائمة الاكتشافات العلمية المهمة المتحققة من طريق الصدفة!
يقول موريلو: «تقدم هذه النتيجة التاريخية كنزًا ثمينًا من الاكتشافات والتطبيقات. إن نظامنا المُكتشَف مُعقد بما يكفي لدراسة ارتباط العالم الكلاسيكي العادي بعالم الكم. ويمكن استخدام التعقيد الكمِّي في ذلك النظام في إنشاء أجهزة استشعار للمجالات الكهرومغناطيسية بحساسية متطورة. ونستطيع التحكم في هذا النظام، الموجود في جهاز إلكتروني صغير مصنوع من السيليكون، بتطبيق قدر ضئيل من الجهد على قطب كهربي».
اقرأ أيضًا:
الفضاء ليس فارغًا إنما عبارة عن فراغ كمومي، فما هو هذا الفراغ الكمومي؟
جهاز رنين صوتي يمهد الطريق إلى نظام اتصالات أفضل
ترجمة: هاني عبد الفتاح
تدقيق: رزوق النجار
مراجعة: أكرم محيي الدين