في كوننا لا شيء يدوم إلى الأبد، بما في ذلك البشر والكواكب والنجوم والمجرات، وحتى الكون ذاته، فكل شيء ينتهي. لكن عالم الكم لا يتبع القواعد دائمًا. وجد العلماء أن بعض أشباه الجسيمات quasiparticles في الأنظمة الكمية قد تكون خالدة فعليًّا.
ليس بمعنى أنها لا تضمحل، لكنها فور اضمحلالها تستطيع إعادة تشكيل نفسها مجددًا وتعود إلى الوجود، وهكذا إلى ما لا نهاية.
يناقض ذلك القانون الثاني للديناميكا الحرارية، الذي يؤكد أن الإنتروبيا entropy في نظام معزول لا تتحرك إلا في اتجاه التزايد، أي إن أي شيء مصيره أن ينهار ولا يمكنه العودة إلى الحياة مجددًا.
لكن فيزياء الكم طالما تتصرف بغرابة مع القوانين، حتى إن علماء الكم أنفسهم لم يعلموا أن أشباه الجسيمات تحديدًا تتصرف بغرابة إلى هذا الحد.
قال الفيزيائي فرانك بولمان Frank Pollman من الجامعة التقنية في ميونيخ: «كان المُفترض أن أشباه الجسيمات في النظم الكمية المتفاعلة تضمحل بعد وقت معين، لكننا اكتشفنا أن ما يحدث هو عكس ذلك، إذ قد تمنع التفاعلات القوية الاضمحلال كليًّا».
أشباه الجسيمات ليست جسيمات بالطريقة المعتادة مثل الإلكترونات والكواركات، بل هي اضطرابات أو تحفيزات في المادة الصلبة نتجت عن قوى كهربائية أو مغناطيسية، وتتصرف إجمالًا كالجسيمات.
الفونونات Phonons (وحدات منفصلة من الطاقة المتذبذبة، تهتز مع الذرات ضمن شبكة بلورية) تُصنف غالبًا باعتبارها أشباه جسيمات، وكذلك البولارونات polarons، وهي إلكترونات محصورة في شبكة محاطة بسحابة استقطابية.
طور الباحثون طرقًا رقمية لحساب التفاعلات المعقدة لأشباه الجسيمات، وأجروا محاكاةً حاسوبية لرصد اضمحلالها.
يقول الفيزيائي روبن فيرسين Ruben Verresen من الجامعة التقنية في ميونيخ ومعهد ماكس بلانك لفيزياء النظم المعقدة: «أثبتت المحاكاة أن أشباه الجسيمات تضمحل، لكنها تنبثق من الركام في صورة جسيمات جديدة مطابقة، وباستمرار هذا الاضمحلال السريع يحدث رد فعل عكسي بعد فترة من الزمن، إذ يتجمع الركام مجددًا، وتتكرر هذه العملية إلى ما لا نهاية متمثلةً في تذبذب دائم بين الاضمحلال والبعث».
وبهذا المفهوم فلا وجود لتناقض مع القانون الثاني للديناميكا الحرارية، إذ يمثل التذبذب موجةً تتحول إلى مادة، وذلك ضمن إطار مفهوم ميكانيكا الكم لازدواجية الموجة/الجسيم wave-particle duality.
وبذلك لا تتناقص الإنتروبيا بل تبقى ثابتة، وما زال هذا غريبًا جدًّا، لكنه ليس غريبًا فيزيائيًّا.
نجح هذا الاكتشاف في حل بعض المعضلات الأخرى. مثلًا يُستخدم المركب المغناطيسي Ba3CoSb2O9 في تفاعلات وُجد سابقًا إنها مستقرة استقرارًا غير مُتوقع. قد يكون تفسير ذلك هو أشباه الجسيمات المغناطيسية التي يحتويها هذا المركب، وتسمى الماغنونات magnons، والتي -وفقًا للمحاكاة- تعيد ترتيب نفسها بعد الاضمحلال.
مثال آخر محتمل هو الهيليوم، إذ يتحول إلى سائل فائق عديم المقاومة عند الصفر المطلق، وقد يفسر ذلك وجود أشباه جسيمات تُسمى الروتونات rotons.
يقتصر العمل في هذا المجال حتى الآن على المجال النظري، لكن يعتقد الباحثون أن خلود أشباه الجسيمات قد يكون له تطبيقات قوية في مجال التخزين طويل الأمد للبيانات في أنظمة الحوسبة الكمية.
اقرأ أيضًا:
كيف يرى جسيم كمومي العالم ؟ أهمية الإطار المرجعي الكمومي للتناظرات في العالم
الكثير من كتلة البروتون يأتي من طاقة الجسيمات الموجودة داخله
ترجمة: رولان جعفر
تدقيق: محمد نجيب العباسي
مراجعة: أكرم محيي الدين