كتلة البروتون أكثر من مجرّد حاصل جمع كتل أجزائه. أخيرًا، اكتشف علماء ما الذي يفسّر ثقل هذه الجسيمات دون الذرّية.

يتكوَّن البروتون من جسيمات أصغر منه تُعرف باسم (الكواركات – quarks). قد يبدو أنّ مُجرّد جمع كتل الكواركات يعطي كتلة البروتون الكليّة أو هكذا يقول المنطق؛ ومع ذلك فهو غير صحيح. هذا المجموع صغيرٌ جدًّا لتفسير الجزء الأكبر من كتلة البروتون. تُظهر حسابات جديدة، ومفصّلة أنّ 9% فقط من ثقل البروتون يأتي من كتلة كواركاته. أمّا الباقي فمصدره تأثيرات معقّدة تحدث داخل الجسيم.

تحصل الكواركات على كتلها من عمليّة متّصلة بـ(بوزون هيغز – Higgs boson)؛ وهو جسيمٌ أوّلي اكتُشفَ لأوّل مرة عام 2012.

يقول عالم الفيزياء النظريّة (كيه في ليو – Keh-Fei Liu)، وهو مؤلّف مشارك في الدراسة الجديدة، ويعمل لدى (جامعة كنتاكي – University of Kentucky ) في (ليكسينغتون – (Lexington: «كتل الكواركات ضئيلة». ويشير ليو إلى أنّ تفسير هيغز للبروتونات هو تفسيرٌ دون المستوى المطلوب.

عوضًا عن ذلك، فإنّ معظم كتلة البروتون – التي تبلغ 938 مليون إلكترون فولت – تأتي من شيء يُعرف باسم QCD، وهو اختصار للتحريك اللوني الكمومي أو الكروموديناميكا الكميّة  .quantum chromodynamics QCD هي نظريّة تفسّر مَخْض (تماوج) الجسيمات داخل البروتون.

يدرس العلماء خصائص البروتون بطريقة رياضيّة باستخدام النظرية. لكنّ إجراء الحسابات باستخدام QCD أمرٌ صعب للغاية. لذلك فإنّهم يبسّطون الأمور باستخدام تقنيّة تُسمّى lattice QCD. فهي تفصل بين الوقت والمكان بشبكة، ويمكن أن توجد الكواركات فقط على نقاط هذه الشبكة. ويمكن تشبيه الأمر بقطعة الشطرنج التي لا يمكنها أن تجلس إلّا في مربع، وليس في مكان ما بين المربعات.

يبدو الأمر معقّدًا؟ إنّه كذلك؛ يمكن لعدد قليل من الناس استيعاب الموضوع (وأنت في حضرة هؤلاء).

وصف الباحثون نتائجهم الجديدة في (رسائل المراجعة الفيزيائية – Physical Review Letters) بتاريخ 23 تشرين الثاني.

إنجازٌ لافت للنظر

يشير (آندريه ووكر لاود – André Walker-Loud) – وهو فيزيائي نظري لدى مختبر لورنس بيركلي الوطني (Lawrence Berkeley National Laboratory) في كاليفورنيا – إلى أنّ الفيزيائيين قد استخدموا هذه التقنيّة لحساب كتلة البروتون في السابق. لكن حتى الآن، لم يفرّقوا أيّ أجزاء من البروتون وكميّة الكتلة التي يقدّمها كلّ جزء، ويقول ووكر لاود: «إنّه أمرٌ مشوّق، لأنّها علامة على أنّنا حقّقنا هدفًا لهذه الحقبة الجديدة» حيث يمكن استخدام (lattice QCD) لفهم أفضلٍ عن صُلب الذرّات.

وجدَ ليو وزملاؤه أنّه بالإضافة إلى الكتلة التي تقدّمها الكواركات، تأتي 32% أُخرى من طاقة الكواركات التي تتحرّك بسرعة داخل البروتون، وذلك لأنّ الطاقة والكتلة وجهان لعملة واحدة؛ وقد وصفَ ألبرت أينشتاين ذلك في معادلته الشهيرة (E=mc^2)، E هي الطاقة، m هي الكتلة، و c هي سرعة الضوء.

إضافةً لجسيمات عديمة الكتلة تُدعى (غلوونات – gluons)، والتي تساعد في إبقاء تماسك الكواركات معًا، وتساهم بنسبة 36٪ أُخرى من كتلة البروتون عبر طاقتها.

النسبة المتبقّية، والتي تبلغ 23% تنشأ من التأثيرات التي تحصل عند تفاعل الكواركات والغلوونات بطرق معقّدة. هذه التأثيرات هي نتيجة لميكانيكا الكم. تلك هي الفيزياء الغريبة التي تصف الأشياء الصغيرة جدًّا.

يقول (أندرياس كرونفيلد – Andreas Kronfeld) وهو فيزيائي نظري لدى (فيرميلاب – Fermilab) في (باتافيا، إيلينوي – Batavia, Ill) أنّ نتائج الدراسة ليست مفاجئة. فقد شكَّ العلماء لفترة طويلة أنّ كتلة البروتون تتكوّن بهذه الطريقة، ويضيف كرونفيلد، أنّ النتائج الجديدة مطمئنة. «هذا النوع من الحسابات يحلّ محلَّ اعتقاد قائم ضمن المعرفة العلمية».


  • ترجمة: رولان جعفر
  • تدقيق: جعفر الجزيري
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر