عندما فتحت عينيك للمرة الأولى كان الشيء الذي «رأيته» هو الضوء، وكان ذلك في الثلث الثاني (الأسبوع 13 إلى الأسبوع 28) من الحمل إذ كنت ما تزال داخل رحم والدتك. في هذه الفترة كان دماغك يتطور بسرعة كبيرة وتشكلت رئتاك بالكامل (دون البدء بعملية التنفس) وشبكية العين كانت تستكشف الضوء الأول. وأنت كغيرك من الثدييات ولدت أعمى وظيفيًا ولكنك ربما قد رأيت شعاع الضوء من العالم قبل فترة طويلة من ذلك، فقد أشارت دراسة جديدة أجريت على الفئران أن عيني الثدييات قادرة على الرؤية أكثر بكثير مما كنا نظن حتى وهي ما تزال داخل الرحم.

إن الخلايا الأولى الحساسة للضوء المتشكلة في الشبكية هي ipRGCs (خلايا الشبكية العقدية الحساسة للضوء بحد ذاتها) والتي اكتشفت قبل عقدٍ من الزمن فقط.

عندما تولد الثدييات تكون العصي والمخاريط في شبكية العين والتي تسمح لها برؤية الألوان والصور غير متصلة بعد بالدماغ، وهذا يستغرق بعض الوقت والتمرين لبناء روابط قوية بالشكل الصحيح.

ولكن البحث المنشور حديثًا والذي أجري بشكل رئيسي على الفئران والقرود كشف أن الحساسية للضوء قد تكون قد تطورت مبكرًا جدًا.

وأظهرت الدراسات القائمة على الحيوانات أن خلايا ipRGCs الموجودة في الجنين تنقل معلومات عن الضوء المحيطي إلى مناطق مختلفة من دماغ هذا الثدي مثل المناطق المتعلقة باتساع حدقة العين والتواتر اليومي.

صغار الثدييات قادرة على رؤية ما حولها وهي داخل الرحم أكثر مما كنا نظن - هل يستطيع الأجنة رؤية ما حولهم وهم في بطون أمهاتهم

حُددت ستة أنواع فرعية لخلايا ipRGCs حتى الآن، ولكننا حتى اليوم ما نزال لا نعلم الكثير عنها وكيف تؤثر على تطور شبكية العين.

يقول باحثون من جامعة كاليفورنيا بيركلي University of California Berkeley إننا قد استهنا بقدرة هذه الخلايا الحساسة للضوء على الأقل عند الفئران.

وقالت عالمة الخلية مارلا فيلير Marla Feller: «أثبت العلماء في السابق أن هذه الخلايا الحساسة للضوء مهمة للأمور المتعلقة مثلًا بتطور الأوعية الدموية في الشبكية وتزامن الضوء في التواتر اليومي، ولكنها كانت نوعًا من استجابة لوجود الضوء أو اختفاءه، وبالتالي أنت تحتاج لضوء وعتمة كي تعمل هذه الاستجابة».

أضافت: «ويبدو أن هذا يؤيد فكرة محاولة هذه الخلايا لترميز الدرجات المختلفة من شدة الضوء، وتحويلها للمزيد من المعلومات بشكل أكبر بكثير مما كان يعتقد العلماء سابقًا».

بيّن مؤلفو الدراسة من خلال تشريح شبكية أعين الفئران واستخدام أشكال مختلفة من التحليل والمعلومات الصيدلية أن الأنماط الستة من خلايا ipRGCs في الفئران حديثة الولادة كانت متشابكة وتتواصل مع بعضها البعض عبر توصيلات كهربائية تسمى الموصلات الفجوية Gap junctions.

ولا يقتصر عمل شبكة المعلومات هذه على اكتشاف الضوء فقط وإنما يبدو أنها تستجيب لشدة الضوء أيضًا، وهذا قد يغير من الأمر بمليار مرة تقريبًا، وعليه يشير هذا إلى أنه حتى في الرحم، ترمز شبكية الثدييات التفاصيل الدقيقة للضوء.

قالت فيلير: «اعتقدنا أن الخلايا العقدية كانت موجودة في العين أثناء تطورها وكانت متصلة بالدماغ، وأنها لم تكن في تلك المرحلة متصلةً فعليًا بكثير من أجزاء الشبكية الأخرى»، وتضيف: «أما الآن فيتضح أنها متصلة ببعضها البعض الأمر الذي كان مفاجئًا».

ومن اللافت أن بعض الأنماط الفرعية لخلايا ipRGCs استخدمت الموصلات الفجوية لتتواصل فيما بينها، بينما لم تستخدم أنماط أخرى هذه الموصلات ما يشير إلى أنها قد تلعب أدوارًا مختلفةً.

تكشف النتائج بالمجمل عن وجود دائرة عصبية تكون فيها خلايا ipRGC من النوعين الثاني والخامس متصلة بشكل واسع وتعتمد على الضوء المرئي، بينما النمط الأول من ipRGC معزول ولا يولد أي استجابة للضوء إلا من خلال وسائل داخلية، والذي يمنح الدورة العصبية بأكملها استجابات الضوء المتنوعة هذه هي الموصلات الفجوية.

وتتساءل فيلر: «بالنظر إلى تنوع الخلايا العقدية هذه واتصالها بالعديد من المناطق المختلفة من الدماغ، أتساءل عما إذا كانت تلعب دورًا في كيفية اتصال شبكية العين بالدماغ»، «ربما ليس من أجل الدوائر البصرية وإنما من أجل السلوكيات غير البصرية».

قد يكون هذا هو السبب لتجنب صغار الثدييات للضوء عندما تولد.

لكن البحث المتعلق بخلايا ipRGCs ما زال يستحوذ على صدى، ويجب أن تجرى المزيد من الأبحاث قبل الكشف عن طريقة عمل هذه الخلايا عندما تنمو وماهية الاستجابات السلوكية التي قد تنتجها.

وعلى الرغم من أن فئران المختبر هي نماذج أساسية لمعرفة تطور العين البشرية، فهي تملك فيزيولوجيا مختلفة كثيرًا عن التي يمتلكها البشر، فضلًا عن أن تكيف المستقبلات الضوئية غير الاعتيادية التي تحتويها أعينها مختلف أيضًا. لذلك من يمكنه الافتراض أن تطور شبكية العين عندها سيحدث بنفس الطريقة التي ستحدث في العين البشرية؟

وتبقى مع ذلك وسيلةً مثيرةً من أجل البحث، وبسبب التعقيدات الأخلاقية المحيطة بالأبحاث الإنمائية على البشر، تظل الفئران من بين أفضل النماذج التي يتعين علينا أن نتعلم منها أكثر عن أعيننا.

اقرأ أيضًا:

كيف تعمل العين البشرية؟

اكتشف العلماء رابطًا جوهريًا بين أمراض العين ومرض ألزهايمر

ما لا تستطيع العين رؤيته

ترجمة: عدي بكسراوي

تدقيق: علي قاسم

مراجعة: صهيب الأغبري

المصدر