تشمل سعادين كولوبوس البيضاء والسوداء أنواع عدة من السعادين متوسطة الحجم تتواجد في أنحاء أفريقيا الاستوائية. Credit: Stephanie Fox

حدد الانتقاء الطبيعي الطرق التي ينمو بها الأطفال في أنواع مختلفة، بما في ذلك من معدل أو سرعة نموها، وترجح دراسة جديدة قام بها باحثون كنديون أن بعض السعادين الصغيرة تنمو بشكل أسرع من غيرها في نفس المجموعة، وأن أنسب تفسير لذلك هو تهديد قتل الرضع الذي تواجهه.

ترأس الدراسة يوليا باديسكو Iulia Bădescu دكتورة مشاركة للحصول على البروفسوراة في الأنثروبولوجيا التطورية evolutionary anthropology في جامعة تورنتو University of Toronto والبروفسور باسكال سيكوت Pascale Sicotte من قسم الأنثروبولوجيا وعلم الآثار في جامعة كالغاري University of Calgary. تمت الدراسة على تطور الرضع من سعادين كولوبوس الدبية البرية، ونشرت في عدد نيسان 2016 من مجلة أنيمال بيهافيور Animal Behaviour وهي متوفرة على الإنترنت حاليًا.

تقول باديسكو: «يحدث قتل الرضع في العديد من الحيوانات، منها آكلة اللحوم كالأسود والدببة، والقوارض كالفئران، وفي الرئيسيات. وعادة، يقوم الذكر البالغ بقتل ذكر رضيع ليتمكن من التزاوج مع الأم وإنجاب الرضيع الخاص به منها».

وتشمل سعادين كولوبوس البيضاء والسوداء أنواعًا عدة من السعادين متوسطة الحجم تتواجد في أنحاء إفريقيا الاستوائية. ولها أجسام سوداء مع مناطق من الشعر الأبيض الذي يشكل أحيانا لحية وسوالف بيضاء كثيفة، ويمكن أن يمتد حتى أسفل الظهر وطرف الذيل، وتتميز عن العديد من السعادين الأخرى بسبب فقدها الإبهام المتعاكس، ومعدتها الشبيهة بمعدة الأبقار والتي تسمح لها بهضم ما تأكله من الأوراق الغنية بالألياف.

تولد أطفال سعادين كولوبوس بيضاء تمامًا، حيث يبدأ لونها بالتغير إلى الرمادي بعد عدة أسابيع قبل أن تصبح بيضاء وسوداء في الفترة بين الشهر الثاني إلى الخامس. Credit: Stephanie Fox

ومما أثار اهتمام الباحثين تباين العمر بين الصغار الذي يتحول فيه رداؤهم إلى اللون الرمادي، ومن ثم إلى الأبيض والأسود، وأدركوا أيضًا أن هذه التحولات اللونية تفيد في تعقب تطور الرضع عن بعد.

أثبتت أبحاث سابقة في نفس موقع الدراسة – محمية سعادين بوبينغ فيما في غانا Boabeng-Fiema Monkey Sanctuary in Ghana – أن بعض الحالات تزيد من احتمالية قتل الذكور للرضع. المجموعات ذات الذكور المتعددة – على سبيل المثال – يحدث فيها قتل الرضع بشكل أكبر.

وبمراقبة تسع مجموعات من سعادين كولوبوس الدبية في البرية على مدى ثمان سنوات (2007-2008).

تقول سيكوت: «تنمو السعادين الرّضّع في المجموعات ذات التهديد الأكبر بالقتل بشكل أسرع منها في المجموعات ذات التهديد الأقل».

ومع ذلك، يرى الباحثون أن لدى الرّضع وأمهاتهم سبلًا للحؤول دون قتل الرضع وضمان البقاء على قيد الحياة أكثر مما كان يُعتقد في السابق. وتقود تخميناتهم إلى أن الأمهات تدعم صغارها الرضع بشكل كبير في فترة زمنية قصيرة، بما قد يسرع في نموهم.

عندما يأتي الذكر إلى المجموعة ويبدأ بالتصرف بشكل عدواني تجاه الرضع، فإنه قد يحصر تركيزه على الأصغر سنًا أكثر من باقي الصغار الذين يقتربون من مرحلة الاستقلالية عن أمهاتهم واللاتي ستبدأ عندهن مرحلة الإباضة قريبًا على أي حال.

«إن تجربة مراقبة قتل الرضع مروعة» هذا ما سجلته باديسكو التي شهدت الحدث.

اقرأ أيضًا: مغالطة: تجربة السعادين الخمسة هي تجربة حقيقية

وتضيف سيكوت: «نحن نعلم أن قتل الرضع إنما هو نتاج سباق التسلح التطوري، حيث يتنافس الذكور بين بعضهم على التكاثر ويحاولون التأثير على الإناث من أجل التزاوج معهم، ويمكن أن يؤثر ذلك على طبيعة العلاقة الاجتماعية بين الذكور، وكذلك بين الذكور والإناث في الأنواع التي يتكرر فيها قتل الرضع بشكل أكبر».

كما وجدت (U of T-U of C) أن الذكور الرضع نمت بشكل أسرع من الإناث، وتبين باديسكو: «تكون الذكور الرضع أكثر عرضة لخطر هجمات القتل ليس فقط من أجل إتاحة الفرصة للتكاثر مع الأم، بل أيضًا للقضاء على منافسه الجنسي هو وذريته في المستقبل».

وأخذ الباحثون بعين الاعتبار احتمالات أخرى لتفسير النمو السريع للرضع، مثل الحصول على الطعام.

لكنهم وجدوا أن الاختلاف في حجم المجموعة -والذي من شأنه أن يؤدي إلى تنافسية أكبر على الطعام في المجموعات الكبيرة- لم يؤثر على نمو الرضع، و قاد النظر في العوامل المختلفة الفريق إلى استنتاجٍ مفاده أن التهديد بقتل الرضع كان أفضل تفسير للاختلافات الملحوظة في نمو الرضع عند سعادين كولوبوس الدبية.

ويبقى غير واضحٍ كيفية إدراك الأم لخطر قتل الرضع؛ قد يكون ذلك ناجمًا عن تواجد الذكور، لغة الجسد، الهرمونات، استعراضات التزاوج… وهلم جرًا.

تقول باديسكو: «تلك أسئلة جيدة للأبحاث المستقبلية». كما ولا تزال الآلية التي تستخدمها الأم والرضيع في تسريع النمو استجابة لضغوط قتل الرضع مبهمة.

قد يكون الجواب كامنًا في حليب الأم. تقوم فيزيولوجية الأمهات بتعديل الرضاعة وحليب الأم لتلبية احتياجات معينة لأطفالهن.

ومع وجود تهديدات القتل، قد يتم إنتاج هرمونات التوتر بكميات أكبر في الحليب، مما يحفز تسريع النمو، أو قد تسيطر الأمهات على نمو أطفالها بحيث قد تقوم بإبعادهم بشكل أكبر في محاولة لفطمهم بسرعة، مما يؤدي إلى نمو أسرع للرضع، أو قد يبدأ الرضيع بالشعور بالتوتر نتيجة لضغوطات تهديد القتل فتكون الاستجابة بتسريع النمو. وتعتقد باديسكو وسيكوت أن اجتماع التأثيرات الخاصة بالأم والرضيع تقود إلى اختلاف معدلات نمو الرضع.

اقرأ أيضًا: