بقي حلم الخروج من الأرض واستيطان الفضاء هاجسًا أمام الكثير من العلماء، ولكن قد نقترب يومًا ما لتحقيقه خصوصًا مع جارنا الأقرب المريخ! لكن ما هي تحديات زراعة النباتات على كوكب المريخ؟ وكيف يمكن تحضير تربة الكوكب لاستقبال شكل جديد من الحياة عليها؟
وضعت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا خططًا لإرسال أشخاص إلى المريخ في ثلاثينيات القرن العشرين، لكن لا تتوقعوا أن يصور زوار الكوكب الأحمر المناظر الطبيعية لهذه الكرة الصخرية مع المنتجات الطازجة بنفس الطريقة التي فعلها رائد الفضاء وعالم النبات (مارك واتني) في فيلم The martian.
(تنبيه حرق أحداث الفيلم) عندما انقطعت السبل ب واتني -أدى دوره مات ديمون- على المريخ، زرع البطاطا في دفيئة زراعية باستخدام تربة المريخ ومخلفاته الأيضية. وقد نجحت خطته: إذ أنه كان قادرًا على البقاء على قيد الحياة لأكثر من عام يعيش على البطاطا إلى حد كبير.
وفقًا ل بول سوكولوف -عالم نباتات في المتحف الكندي للطبيعة- على الرغم من أنّ فيلم the martian الذي ضرب المسارح عند صدوره في أكتوبر عام 2015 هو موضوع واقعي إلى حدٍ ما، فإن الطعام لن يُزرع على كوكب المريخ تمامًا كما وُضِح على الشاشة الكبيرة. سيستغرق الأمر مئات السنين قبل أن يُزرَع الكوكب الأحمر دون دفيئات واقية.
تحديات الزراعة في المريخ:
تربة المريخ خالية من العناصر الغذائية الموجودة في تربة الأرض، وهي أيضًا ناعمة، ما يعني احتمال تسرب الماء منها بسرعة أكبر بكثير من تربة الأرض. أضاف سوكولوف، الذي كان أحد أعضاء طاقم العمل العام الماضي في محطة أبحاث صحراء المريخ، في هانتسفيل، في ولاية يوتا، أن استخدام فضلات الإنسان (برازه) أو غيرها من الأسمدة يمكن أن يوفر دفعةً سريعةً من العناصر الغذائية، مثل النيتروجين، وقد يغير أيضًا نسيج التربة إذ تحتفظ بالماء لفترة أطول.
التربة على الأرض تحصل على النيتروجين من الغلاف الجوي، على الرغم من أن النيتروجين الموجود في الغلاف الجوي ليس من السهل على النباتات استخدامه. إذ أن البكتيريا تصلح النيتروجين لتحويله إلى غذاء أفضل للنباتات.
على كوكب الأرض تُصلَح كميات كبيرة من النيتروجين الموجودة في التربة بواسطة البكتيريا الموجودة في جذور النباتات المختلفة، مثل البقوليات، وأضاف سوكولوف لموقع live science: «قد ترغب على المدى الطويل في طريقة لإصلاح النيتروجين في التربة هناك».
وقال سوكولوف أن تربة المريخ يوجد فيها مواد كيميائية سيئة تدعى البيركلورات، والتي يجب إزالتها كيميائيًا حتى تنمو النباتات هناك. ثم هناك الجاذبية، إذ أن المريخ لديه حوالي ثلث الجاذبية الموجودة في الأرض. على الرغم من أن التجارب أظهرت أن بعض النباتات يمكن أن تنمو بشكل طبيعي نسبيًا في الجاذبية المنخفضة في محطة الفضاء الدولية، فإنه لا توجد طريقة لمحاكاة الجاذبية الأرضية للكوكب الأحمر.
وأضاف سوكولوف أن النباتات تستخدم الجاذبية كوسيلة لتوجيه نفسها، لذا فإن بعض الأنواع النباتية قد تكون متشابكةً أو غير متشابكة. وتابع سوكولوف، على سبيل المثال، نمت شتلات الصفصاف المُعالجة في محطة الفضاء الدولية لأنها لم تطور اتجاهها -محور إطلاق الجذر- في الجاذبية المنخفضة.
أظهرت دراسة أجريت عام 2014 في مجلة Plos one في محاكاة لتربة المريخ لمدة 50 يومًا أن أوراق الطماطم والقمح والخردل والرشّاد نمت بشكل جيد بوضوح، وحتى البذور المزهرة والمنتجة، دون أية أسمدة. في الواقع نمت هذه النباتات ذات التحمل الشديد بشكل أفضل في تربة المريخ مما كانت عليه في تربة نهر فقيرة العناصر الغذائية من الأرض.
وأضاف سوكولوف، أنه لتحديد المكونات الغذائية الواجب جلبها إلى المريخ فعليًا، على العلماء موازنة المفاضلات بين الكثافة الغذائية للمحصول والموارد اللازم زراعتها ووقت الإنبات. قد يزرع العلماء الخس في محطة الفضاء الدولية كبرهان، لكن الإنسان لا يستطيع العيش على الخس وحده.
بدلًا من ذلك، اقترح الناس محاصيل كالفجل والفراولة كوجبات خفيفة أفضل بالنسبة للمريخ. أوضح سوكولوف أن خبراء الأرقام حددوا بأن ذلك قد يتطلب في الواقع كميةً أقل من الوقود لإرسال الأطعمة الجاهزة فقط بدلًا من مكونات الزراعة، من أجل الزيارات الأولية قصيرة الأمد.
محاكاة ظروف المريخ:
قبل البدء بمشروع الزراعة على المريخ، يتوجب على البشر معرفة المزيد حول كيفية نمو النباتات. هذا جزء من المنطق وراء عمليات محاكاة بيئة المريخ كما هو الحال في محطة أبحاث صحراء المريخ.
قام العلماء هناك بإنماء كل شيء من النباتات الصحراوية الأصلية إلى الشعير وحشيشة الدينار في محاكاة لتربة المريخ في المحطة. التربة التي يطلق عليها مركز جونسون للفضاء “Simulant I”، يُحصَل عليها باستخدام الصخور الترابية والأتربة -استنادًا إلى عينات من تربة المريخ- من هبوط مركبة الفايكنج التي تعود لسبعينيات القرن الماضي.
يزرع الباحثون في جامعة جيلف في كندا نباتات في غرف منخفضة الضغط، أو شديدة الضغط، في محاكاة للغلاف الجوي الرقيق للمريخ. إذ يعرض الفريق النباتات لمجموعة من الظروف القاسية -بما في ذلك مستويات متفاوتة من ثاني أكسيد الكربون، والضغط، والحرارة، والضوء، والتغذية والرطوبة- لمعرفة النباتات ذات التحمل الشديد بما فيه الكفاية للبقاء على قيد الحياة في ظروف المريخ خارج الدفيئة المستقلة والمنظمة بالهواء.
تخضير الكوكب الأحمر ؟
قال سوكولوف أن زراعة النباتات في مكونات المريخ وليس في دفيئة يُتحكَم فيها بدرجة الحرارة والهواء سيكون أكثر صعوبةً. قال بعض الناس أننا يجب أن نجعل المريخ أشبه بالأرض، ورد سوكولوف بأن هذا ليس بالأمر الذي يجب أن يؤخذ على محمل الجد. إنه في عالم الخيال العلمي، بالتأكيد.
وحتى إذا قرر الناس أنه من المقبول أخلاقيًا تغيير المريخ، سوف يتطلب الأمر مئات السنين قبل أن يتحول الغلاف الجوي الرقيق للمريخ إلى مهد غني بالأكسجين من أجل الحياة.
لتشكيل هذا الجو، يحتاج المستكشفون إلى زرع تربة المريخ المليئة بالبكتيريا الزرقاء المنتجة للأكسجين والأشنات والميكروبات، سيستغرق الأمر مئات السنين حتى ينتجوا ما يكفي من الأكسجين والنيتروجين من أجل الجو. وأضاف سوكولوف بأن هذه ليست نتيجةً سيئةً للغاية، بالنظر إلى أن الأمر استغرق مئات الملايين من السنين لاستقرار مستويات الأكسجين في الأرض، إذ يمكن للناس أن يأكلوا البكتيريا الزرقاء في هذه الأثناء، بالرغم من أن الكائنات الدقيقة ليست لذيذة المذاق بالنسبة لهم.
وأضاف بأنه في الحين الذي ستكون فيه الميكروبات مشغولةً بتشكيل هذا الجو، فإن الرياح الشمسية سوف تحركه باستمرار، لأن المريخ يفتقر إلى الغلاف المغناطيسي؛ مجال مغناطيسي لحماية الكوكب من الإشعاع الشمسي.
وقال أيضًا: «حتى لو تمكن الناس من معرفة كيفية توليد الغلاف الجوي بشكل أسرع من تبديده، فإن شتاء المريخ يمكن أن تقشعر له الأبدان -207 درجة فهرنهايت (-133 درجة مئوية). من الممكن أن يصمم الأشخاص جوًا من غازات الدفيئة التي تسخن الحرارة، لكن المريخ بعيد تمامًا عن الشمس من الأرض، لذا فمن المحتمل أن يكون أكثر برودةً من كوكبنا في المتوسط».
اقرأ أيضًا:
هل يمكن استصلاح المريخ والعيش فيه ؟
ترجمة: إيّاس سليمان
تدقيق: لبنى حمزة