هل نحن وحدنا في الكون ؟ يا ترى هل يستطيع تلسكوب ناسا القادم أن يأخذ صورا لكواكب شبيهة بكوكب الأرض تدور حول نجوم تابعة لها ؟
لعقود عدة، حاول الفلكيون الحصول صور تسمح لهم بدراسة عوالم خارج نظامنا الشمسي، والبحث عن وطن آخر وحياة من نوع اَخر.
لكن التكنولوجيا السابقة لم تتح ذلك، فظلت الأحلام بعيدة المنال.
أما الاَن فإن عدداً متنامياً من الخبراء يعتقدون أن التكنولوجيا تقترب من تحقيق الحلم وأن تلسكوب ناسا عريض المجال ذو الأشعة تحت الحمراء والمعروف باسم (Nasa’s Wide-Field Infrared Survey Telescope (WFIRST.
اقرأ أيضًا: عشرة أشياء يجب أن تعلمها عن تلسكوب Spitzer
قد يستطيع أن يلتقط صوراً لكواكب أرض أخرى (كواكب شبيهة ببيئة الأرض). بدأت وكالة ناسا بالعمل على هذا التلسكوب في شهر فبراير شباط من السنة الجارية وتخطط لإطلاق المرصد في عام 2025 م.
وضع تلسكوب (وفرست) على قمة الأولويات في عام 2010م من قبل دراسة للأكاديمية الوطنية للعلوم، بالإضافة إلى تقرير من فلكيين في الولايات المتحدة الأمريكية اقترح قائمة مهام مستقبلية لوكالة ناسا ووكالات علمية أخرى.
ما يميز هذا التلسكوب أنه سوف يتضمن بداخله مراَة بقطر 2.4 متر وعلى الرغم من أنها نفس حجم وجودة المرآة الموجودة بتلسكوب هابل الفضائي، إلا أنها تقدم رؤية بانورامية أكبر بمئات المرات من صور تلسكوب هابل، كما تستعين بكاميرا تدعى أداة المجال العرضى، وستكون أولى مهام (وفرست) أن يدرس الطاقة المظلمة (القوة الغامضة المحركة لتسارع كوننا).
ولكن هنالك مهمة أخرى لا تقل حساسية ولطالما أرقتنا كثيراً.. فلعل التلسكوب يخبرنا ما إذا كنا وحيدين في الكون.
اكتشف الباحثون أكثر من ألف كوكب خارج المجموعة الشمسية، وبما أن دراسة الأكاديمية أوصت بأن يكون تلسكوب (وفرست) أولوية قصوى من أولويات الجيل القادم من المهمات الفلكية. فإنهم يتوقعون أن يصبح عدد الكواكب المكتشفة عشرات الاَلاف خلال العشر سنوات القادمة فقط.
سيقوم (وفرست) بعمل مسح شامل لمجرة درب التبانة ونجومها التي تسطع بشدة في وجه التلسكوب فبمجرد مرور أحد الكواكب من أمام تلك النجوم، ستعمل العدسات على تجميع وتضخيم أضواء تلك النجوم فبالتالى سنرى عوالم أكثر مما قام تلسكوب كيبلر الناجح برصدها، ويذكر أن تلسكوب كيبلر قد رصد أكثر 5000 كوكب محتمل الحياة قبل أن يفشل بسبب عطل في أجهزته وتوقفه عن العمل في سنة 2013 م.
وفقاً للإحصاءات الناتجة من دراسة أغلبية الكواكب المعروفة، أن كل نجم في السماء يرافقه- على الأقل- كوكب واحد ، وأن واحدا من كل نجم شبيه بالشمس يحمل كوكباً صخرياً ليس ساخنا جدا ولا باردا جدا (بيئة صالحة للحياة) يستطيع الماء السائل أن يوجد فيه.
والطريقة المثلى لمعرفة ما إذا كان أيا من هذه العوالم شبيها بالأرض هي مشاهدتها، لكن الحصول على صورة لكواكب تبعد عنا سنوات ضوئية أمر صعب المنال.
سوف يبدو العالم المناسب نقطة باهتة في خضم الوهج الساطع الذي يسببه نجمٌ أكبر منه بعشرات مليارات المرات. والحصول على نظرة خاطفة لهذا الكوكب تبدوا كما لو حاولت أن ترى يراعة تصفق بجناحيها بجانب كشاف.
محاربة النور
يشكل الغلاف الجوي بما يملكه من ضبابية في الرؤية بسبب الشمس عقبة في وجه عملية تصوير الكواكب شديدة البعد عن المراصد الأرضية، ويوافق معظم الخبراء الرأي في أن الحل هو استخدام تلسكوبات فضائية، لكن تلسكوب هابل أو التلسكوب المنتظر قريبا – تلسكوب جيمس ويب الفضائي والذي تم إطلاقه في عام 2018- فلن يأتي برؤية قريبة من الرؤية المطلوبة فى عملية الرصد.
بالإضافة إلى أن كلا معدات التلسكوبين صممت قبل الموجة الهائلة من هذه الاكتشافات الكوكبية (عندما كان تصوير العوالم الأخرى التي تدور حول النجوم لا يزال بحثا هامشياً).
والآن، وبعد جلب أداة المجال العرضى إلى دراسات الفيزياء الفلكية وتضمينها أبحاثاً عن الطاقة المظلمة فإن (وفرست) مخطط له استخدام تكنولوجيا متقدمة للتصوير.
منها التكنولوجيا المساعدة التى تسمى بالكوروناجراف (عبارة عن جهاز يوضع داخل التلسكوب ويعمل على ترشيح وتنقية الصورة من ضوء النجم باستعمال سلسلة معقدة من الفلترات والمرايا)
الجدير بالذكر، أن معظم الخبراء قلقون من فشل هذا الكوروناجراف حيث أنه ذو إصدار متأخر نسبياً، كما مرايا تلسكوب (وفرست) والمكونات البصرية الأخرى لم تصمم لتعمل جنبا إلى جنب مع الكوروناجراف.
وأنه -في أفضل الأحوال- سيقوم بتصوير بعض الكواكب الأرضية العليا (ذات الكتلة الهائلة أي أكبر من كتلة كوكبنا ب 15 ضعف أو أكثر) أو الكواكب النبتونية الصغيرة (ذات كتلة تصل إلى 10 أضعاف كتلة الأرض) والتي تملك مقومات ضعيفة للحياة.
عموماً الـ كوروناجراف هو تكنولجيا مساعدة ونأمل الوصول إلى إصدارات كوروناجراف أكثر تطوراً تستطيع المساعدة فى الحصول على صور لكواكب أرض أخرى في يوم ما.
فهو التحدي الذى جعل ناسا تؤجل هذا الأمر إلى أن تحصل الوكالة على تكنولوجيا وميزانية كافية لبناء تلسكوب فضائي جديد. أما خلال هذا الوقت، سيتابع الفلكييون اكتشاف عدد فلكي من الكواكب المحيرة.
ومع ذلك فإن تلسكوب (وفرست) قد يأتي بطرق مختصرة عبر تكنولوجيا تدعى باسم ظل النجم أو Starshade.
وهي ورقة نحيفة تشبه بالشكل زهرة عباد الشمس وتملك مساحة نصف ملعب كرة قدم أمريكية، والتي سوف تطفو في الفضاء بعيداً عشرات الاَلاف من الكيلومترات من التلسكوب، حاجبة بذلك ضوء النجم للكوكب المراد رصده بنفس الطريقة التي تفعلها بظل يديك لرؤية جسم طائر بصورة أوضح.
صمم الشكل الريشي لهذه التكنولوجيا ليمنع موجات الضوء من العبور تماماَ وأي شي قد يفسد على التلسكوب ظله المظلم، وهو بذلك يناسب العمل مع أي تليسكوب على العكس من أجهزة الكوروناجراف التي يجب أن تبنى خصيصا لتتوافق مع بصريات.
والفيديو التالي أنتجه مختبر الدفع النفاث -أحد مراكز البحوث في ناسا- يسلط الضوء على الفوارق بين أجهزة (كوروناجراف) و (ستارشيد) .
رابط فيديو توضيحي:
اقرأ أيضًا:
- هل هذه مادة مظلمة ؟ هذا ما اكتشفه تلسكوب فيرمي
- تلسكوب سبيتزر الفضائي : استكشاف السماء بواسطة الاشعة تحت الحمراء !
- تلسكوب هابل الفضائي يلاحظ عاصفة كونية عارمة ضمن سحابة ماجلان الضخمة
- تلسكوب بلانك يكشف عن خريطة المجال المغناطيسي لمجرتنا
طرق مختصرة لإيجاد الكواكب الأرضية
في السنة الماضية وجدت دراسة تابعة لوكالة ناسا أن (ستارشيد) يعمل بصورة كاملة قد يمكن بناؤه والطفو به في الفضاء كمهمة مستقلة ليلتقي مع تلسكوب (وفرست) بميزانية قدرها نصف مليار إلى مليار دولار.
وعندما يعملان بتوافق فإن ال (ستارشيد) والتلسكوب قد يلتقطان صور لما يعادل 40 كوكبا، شاملا بذلك بعضا منها يتطابق مع أرضنا.
يقول جيريمي كاسدين، بروفيسور جامعة برنستون والعالم الرئيسي لجهاز كورونا جراف التابع لتلسكوب (ويفرست) الذي كان مؤلف مساعداً في دراسة ناسا لل (ستارشيد):
«بدلاً من انتظار أعوام عديدة حتى تتوفر الاستثمارات الضخمة لتلسكوب ناسا، يمكننا البدء الآن بامتلاك (ستارشيد) هذه تشكل فرصة حقيقة لإيجاد كواكب أرضية أخرى قد تكون أقل عدداً ولكنها أقرب وأقل ميزانية.»
العمل على قدم وساق
في القبو القابع في جامعة برنستون يوجد مختبر كيميائي مترامي الأطراف (مختبر فريك)، يعكف فيه (جيريمي كاسدين) على أنبوب اختبار بعرض مترواحد وطول 75 متراً ويوجد كاميرا عند نهاية أحد أطرافه وجهاز ليزر عند الطرف الآخر بالإضافة إلى (ستارشيد) بمقياس أصغر.
ويتوقع في نهاية الصيف أن يتوصل من خلاله إلى نسبة التباين الضرورية التي عندما تكبر إلى مقياس أكبر وحجم كامل أن تزودنا بإمكانية تصوير كواكب شبيهة بالأرض.
جيريمي ليس وحيدا في مختبره؛ بل يوجد مجموعة (ستارشيد) مميزة تنجز أعمالا إضافية، كما قامت شركة الطيران (نورثروب جرمان) باختبار (ستارشيدز) مصغرة في قاع بحيرة جافة في نيفادا مع تلسكوب شمسي ضخم في أريزونا.
وعند مختبر الدفع النفاث في ناسا يعمل الباحثون على توضيح كيفية نسج (ستارشيدز) بمقاييس كبيرة وببتلات حساسة وطي البنية بكاملها داخل صاروخ و إطلاقه ثم نشرها خارجا في الفضاء لتتمدد في مساحة ملعب بيسبول.
على الرغم من أن إطلاق تلسكوب (وفرست) يبدو على مسافة عقد من الزمن، إلا أن قرار المضي قدما بالتحضيرات لموعد إطلاق ال(الستارشيد) يجب أن يأتي قريبا، لأن (وفرست) يجب أن يتلقى تعديلات بسيطة حتى يسمح بالتزامن مع (ستارشيد) عبر مئات الالاف الكيلومترات من الفضاء الواسع.
ويضيف جيريمي: «نطلق على هذا اسم (ستارشيد جاهز) وهذا ليس تصميم (وفرست) الحالي ولا نستطيع وضع هذه التعديلات ببساطة من دون التأكد منها وخلال السنة القادمة سوف نقرر ما إذا سوف يكون لدينا (ستارشيد) جاهزاً أم لا.»
وفي النهاية عالم الفيزياء الفلكية في مركز غودارد والعالم الرئيس لأحدى دراسات التلسكوبات المستقبلية أكي روبيرج يقول:« المسار الصحيح لإيجاد كوكب أرض آخر قد يكون باستخدام كلا الجهازين».
ففي عالم مثالي خال من العقبات المالية والسياسية سوف تكتمل المهمة باستخدام كلا من (ستارشيد) أو (كوروناجراف) أو أي شيء آخر يمكن عمله.
وفي النهاية، كل الخيارات متاحة لتحقيق الحلم سواء في المستقبل القريب أو البعيد.
اقرأ أيضًا:
- هل تريد أن تُحدّد موقع محطة الفضاء الدوليّة من منزلك؟ إذن فلتضع التلسكوب جانبًا، إنها مرئيّة!
- التلسكوب الذي سيُحدث ثورةً في رؤيتنا للكون
- كيف ترى التلسكوبات اللابصرية الكون؟
- كذبة القمر: لماذا لا نستخدم التلسكوبات لرصد من يهبط على القمر؟