فمكرويات الأبواغ Microsporidia هي عضويات وحيدة الخلية حقيقية النواة تنتمي لشعبة دقيقات الأبواغ Microspora. إن جميع مكرويات الأبواغ مُجبرة (مقيدة بنمط حياة واحد) ومشكِّلة للأبواغ، بالإضافة لكونها طفيليات ضمن الخلايا تغزو كلًا من الفقاريات واللافقاريات.
يُعد الأنبوب القطبي أو الليف القطبي الموجود في الأبواغ المستخدمة لغزو الخلايا المضيفة من البنى المميّزة لمكرويات الأبواغ. تنتشر هذه العضويات بشكل واسع في الطبيعة مع أكثر من 1200 نوع موصوف.
على أي حال، لم يُوثّق تطفل مكرويات الأبواغ على البشر إلا مؤخرًا، ونحتاج المزيد من الأبحاث لفهم هذا الداء الساري الظاهر حديثًا. نجد هذا الداء لدى البشر عند مُضعفي المناعة في المقام الأول وخصيصًا لدى المصابين بفيروس عوز المناعة المكتسب (HIV) أو لدى من أجروا عملية زرع أعضاء، ومع ذلك، فقد عُرفت بعض الأنواع التي تتطفل على سليمي الجهاز المناعي.
نجد بعيدًا عن الميدان البشري أن مكرويات الأبواغ مهمة لميادين صيد السمك، والأدوية البيطرية، والتحكم بالأدوية.
التصنيف والتبويب:
تطور التصنيف العلمي لمكرويات الأبواغ تدريجيًا عبر الزمن مع تقدم الأبحاث العلمية، وما تزال التفاصيل قيد البحث والمناقشة حاليًا. اعتقد الباحثون في البداية أنها تنتمي لمملكة الأوالي Protista، لكن الدراسات التي أُجريت مؤخرًا باستعمال تقنيات DNA توصلت إلى وجوب تصنيف شعبة مكرويات الأبواغ تحت مملكة الفطور أو مملكة قريبة منها، وخضعت مستويات التصنيف؛ الصف Class والرتبة Order والعائلة Family، ضمن شعبة مكرويات الأبواغ للمراجعة والتعديل أيضًا.
كانت تُعرف الأنواع تقليديًا عبر ملاحظة الخصائص الفيزيائية للأبواغ، أي دورة حياتها وعلاقتها مع الخلايا المضيفة، لكن الدراسات العلمية التي أُجريت مؤخرًا باستخدام أدوات جينية (سلسلة RNA الريبوزومي) تحدّت هذه الخطوة واقترحت طريقة أصحّ للتصنيف العلمي بالاعتماد على الواسمات الجينية. ما زلنا بحاجة للتعمق أكثر في فهم أصول مكرويات الأبواغ والأنواع الفردية.
على الرغم من كل هذا، يوجد الآن أكثر من 1200 نوع معروف في 143 جنسًا. يُعرف 14 نوعًا على الأقل من 8 أجناس تصيب الإنسان.
تاريخ الاكتشاف:
اكتُشفت شعبة مكرويات الأبواغ في أواخر القرن التاسع عشر، لكن لم توصف حالة الإصابة البشرية الأولى حتى عام 1959 وذلك لدى طفل ياباني. ترافقت الإصابات المتزايدة بهذا الداء مع وصول وانتشار فيروس HIV.
وُجد أن الإصابة بمكرويات الأبواغ تحدث في المقام الأول لدى مرضى الإيدز AIDS أو مُضعفي الجهاز المناعي (كالخاضعين لنقل الأعضاء)، لكن ثبت وجود ثلاثة أنواع من المُسقمات Nosema وأحد أنواع البراكيولا Brachiola لدى سليمي الجهاز المناعي. تُعتبر مكرويات الأبواغ عوامل عفوية أو عرضية أو انتهازية لدى البشر.
العوامل الشكلية (المورفولوجيا Morphology):
مكرويات الأبواغ هي حقيقيات نوى بدائية تملك نواةً واضحة الحدود وغشاءً هيوليًا لكنها تفتقد وجود بعض العضيات الخلوية النموذجية التي نجدها لدى حقيقيات النوى الأكثر نمطية وبشكل خاص المتقدرات Mitochondria، وجهاز غولجي Stacked Golgi، والجسيمات البيروكسيدية Peroxisumes.. إلخ.
تكون جميع الأبواغ مدورة أو مستطيلة الشكل وتميل الأبواغ التي تترافق مع إصابة البشر لأن تكون بحجم 1-4 ميكرومتر (بنية هامة للتشخيص نظرًا لكون بعض الأنواع تُشخص على نحو خاطئ، غالبًا على أنها جراثيم).
جميعها تملك أنبوبًا ملفوفًا مميزًا، ونبيبات صغيرة أو أليافًا، وصفيحات بروتينية مطبقة قطبية، وتجويفًا خلفيًا (يقوم بوظيفة جهاز غولجي على الأرجح) وغبيرة واقية (الغلاف الخارجي للأبواغ) مُكونة من بروتينات الكيتين Chitin. وُجد أن الكيتين هو المسؤول عن المقاومة البيئية الشديدة للأبواغ.
يظهر في الأسفل شكلان (ثلاثي الأبعاد وثنائي الأبعاد) يوضحان أبواغ مكرويات الأبواغ النموذجية.
عند الإصابة، تُحقن الأغشية الخلوية للبوغة (التي تُدعى أيضًا جبلة البوغة Sporoplasm) في الخلية المضيفة عبر الضغط التناضحي. تعتمد مكرويات الأبواغ على الخلية المضيفة للحصول على الطاقة وتبدأ بالتضاعف داخل هيولى الخلية المضيفة. تتباين الأنواع في علاقتها مع مضيفاتها؛ فبعضها يغير وظائف الخلية المضيفة لحثها على امتصاص المزيد من المغذيات ونموها كي تلائم العامل.
يمكن لمكرويات الأبواغ أن تتكاثر جنسيًا أو لا جنسيًا. يجري انقسام النواة في التكاثر الجنسي لتشكل زوج من النويات أو أكثر، ويمكن لهذه النويات أن تُعزل عن بعضها أثناء الانقسام الخلوي أو أن تُجمع معًا في نواة ضعفانية Diplokaryon. لم يُفهم التكاثر الجنسي بشكل جيد بعد، لكن يُعتقد أنه يتضمن اندماجًا ذاتي الأعراس وإعادة ترتيب للمادة الوراثية.
دورة الحياة:
تتباين دورة الحياة بين الأنواع، لكن يمكن تعميمها في المخطط التالي:
(1) تُلتهم أو تُلتقط البوغة المعدية المقاومة للبيئة. هذا المنبه البيئي ينشط الإنتاش في البوغة محررًا النبيبات القطبية عبر ما يُدعى بالانقلاب الخارجي Eversion.
(2) تحقن البوغة النبيب القطبي في الخلية المضيفة و(3) تحرر جبلتها البوغية داخلها. في هذه المرحلة، تدخل الجبلة البوغية مرحلة التقسم Meront؛ إذ تكون العضيات الخلوية حرة مطوقة بغشاء هيولي بسيط. (4) تتضاعف تقسمات مكرويات الأبواغ إما متصلةً مع هيولى الخلية المضيفة (كما في E.bieneusi) أو في تجويف ضمن الخلية المضيفة (كما في E. intestinalis). (5) تخضع بعد ذلك لتكاثر بوغي لتنقسم مجددًا وتشكل الأرومات البوغية Sporeblasts، وتحضير طبقات الغبيرة السميكة المميزة للأبواغ الناضجة.
يمكن للأبواغ أن تكون مبعثرة بحرية ضمن هيولى الخلية المضيفة أو أن تُجمع في حويصلات حاملة للأبواغ (أو أغشية الأرومة الشاملة)، ويمكن لهذه التفاصيل أن تكون مهمة تصنيفيًا للتمييز بين الأنواع. في النهاية (6) عندما تملأ الأبواغ كامل الخلية المضيفة، يتأثر الغشاء الهيولي للخلية ويحرر الأبواغ إلى الأماكن المحيطة به. يمكن للأبواغ بعد ذلك أن تصيب الخلايا المجاورة، وأن تنتقل إلى أماكن جديدة في جسم المضيف، أو أن تخرج مع البراز أو البول لتصيب مضيفين جددًا.
ما تزال مدة حضن أبواغ مكرويات الأبواغ غير معروفة، لكن تعتبر الأبواغ شديدة المقاوم4،ة وبالتالي نفترض أن فترة بقائها في البيئة طويلة جدًا.
الحوامل والنواقل:
أبواغ مكرويات الأبواغ موجودة في كل مكان وقادرة على إصابة أي خلية حيوانية متضمنةً خلايا الحشرات والأسماك والثدييات وحتى الطفيليات الأخرى! غير أننا نجدها بشكل أوسع لدى مفصليات الأرجل، ونجد العديد من الأنواع الأربعة عشر التي تصيب الإنسان في عدد من الثدييات الداجنة والبرية (الأرانب، الفئران، القطط، الجراء…إلخ). في الواقع، وُصفت أول حالة إصابة بعدوى E.cuniculi لدى الأرانب عام 1923.
لا يوجد نواقل بالمعنى الحرفي لمكرويات الأبواغ (يمكن للحشرات الموبوءة أن تعدي الإنسان إذا تناولها، لكن هذا غير منتشر).
الانتقال:
ما زال انتقال مكرويات الأبواغ غير واضح بشكل كامل، لكن يُعتقد أن الطريقة الأكثر شيوعًا تتضمن استنشاق الأبواغ أو التهامها أو التقاطها (جنسيًا أو عبر العين على سبيل المثال). يُمكن نقل الأبواغ أيضًا عبر الماء كأنواع Encephalitazion، Enterocytozoon، Vittaforma التي وُثّق وجودها في الموارد المائية. يمكن لاتصالات معينة مع الحيوانات أن تنقل الداء (عدوى من مصدر حيواني) لكن يندر حدوث مثل هذه الحالات.
التظاهرات السريرية لدى البشر:
الإسهال المزمن والهزال هما أكثر الأعراض شيوعًا في داء مكرويات الأبواغ، لكن الأنواع المختلفة منها تصيب أماكن مختلفة من الجسم متضمنةً القرنية والسبيل الصفراوي والعضلات… إلخ، لذا فأعراض مكرويات الأبواغ تتباين بشدة اعتمادًا على موقع الإصابة.
- تتضمن الأعراض الشائعة للإصابة في السبيل المعوي والصفراوي إسهالًا مزمنًا (رخو ومائي وغير دموي) وخسارةً في الوزن، أو هزالًا وألمًا في البطن وغثيانًا وإقياءً.
- يتميز انتشار العدوى بأعراض التهاب المرارة Cholecystities، وقصور كلوي، وإصابة تنفسية، وصداع، واحتقان أنفي، وآلام في العين ويشمل أيضًا الجيوب.
- يمكن للإصابة التنفسية أن تسبب سعالًا وزلة تنفسية (صعوبة في التنفس) وأزيزًا.
- تتدرج الأعراض في الإصابة العينية بين الشعور بوجود جسم غريب وألم في العين وحساسية للضوء واحمرار ودُماع شديد ورؤية غير واضحة.
- لا تظهر أعراض نموذجية لدى المصابين في طرقهم البولية.
- تسبب الإصابات العضلية ضعفًا عامًا في العضلات وآلامًا عضلية.
في النهاية، تسبب إصابات الدماغ والأنسجة العضلية الأخرى اختلاجاتٍ وصداعًا وأعراضًا أخرى تعتمد على الموقع الدقيق للإصابة.
الفحوص التشخيصية:
تتضمن الأساليب المتبعة للتشخيص بشكل نموذجي التعرف على الأبواغ في البراز والبول والسوائل الأخرى الموجودة في أنسجة الجسم. المجهر الإلكتروني النافذ Transmission Electron Microscopy (TEM) هو المعيار الذهبي للتعرف على أنواع مكرويات الأبواغ وتشخيصها، لكنه غالبًا غالي الثمن ويستغرق وقتًا طويلًا.
تتضمن البدائل المجهر الضوئي باستخدام أصبغة متعددة كصبغة غرام Gram stains (أبواغ مكرويات الأبواغ إيجابية غرام وتتلون بلون شديد القتامة وتصبح مرئية بسهولة تحت المجهر)، والصباغ ثلاثي الكروم المعدل (مثل ثلاثي الكروم الأزرق)، وصبغة وارن ستاري الفضية Warthin-Starry silver stains، وملون غيمزا Giemsa والعوامل الكيميائية التألقية مثل الكالكوفلور Calcoflur. الفحوص التألقية المناعية والتقنيات الجزيئية هي طرق بارزة حديثًا للتشخيص.
المداواة، المعالجة والإدارة:
العلاج باستخدام ألبيندازول Albendazole هو الأكثر شيوعًا لجميع الأنواع ويترافق في حال الإصابات العينية مع فوماجيلين Fumagillin موضعي، لكن معظم العلاجات الدوائية غير قادرة على إبادة كامل الطفيليات. مؤخرًا، ما تزال أدوية أكثر فعالية لمكرويات الأبواغ قيد الاكتشاف والاختبار، على سبيل المثال: نيكوميسين Z Nikkomycin، وهو دواء قادر على تثبيط عملية اصطناع الكيتين أظهر فعالية كبيرة لدى مضيف لمُمرض فطري، وأثبت فعاليته في فحوصات مخبرية على نوع Encephalitozoon، لكن لم يُختبر في كائن حي بعد.
الوبائيات:
كما ذُكر سابقًا، فمكرويات الأبواغ واسعة الانتشار بشدة، إذ إنها تصيب تقريبًا كل عضوية على الأرض من نحل العسل وديدان الحرير إلى الثدييات والطيور. لا يُعرف الكثير عن وبائيات مكرويات الأبواغ باعتبار طرق الانتقال والعدوى ما زالت غير واضحة بعض الشيء.
ورغم أن أبواغًا نشطة لمكرويات الأبواغ وجدت في المصادر المائية للبلدان المتطورة والنامية، فقد بقي هذا الداء مقتصرًا في المقام الأول على مرضى الإيدز. نصّت العديد من التقارير عن مكرويات الأبواغ أنها تصيب 39% من مرضى الإيدز الذين يعانون من إسهال و30% من مرضى الإيدز المصابين بخفيات الأبواغ Cryptosporidium.
على الرغم من الاكتشاف الجديد نسبيًا لهذا المُمرض، فالعدوى لدى مرضى الإيدز ملفتة للنظر والطفيلي ستكون له أهمية متزايدة في المستقبل مع استمرار انتشار الإيدز، وستُجرى المزيد من الأبحاث لفهم الدور الذي تلعبه مكرويات الأبواغ في صحة الإنسان.
جغرافيًا:
تنتشر مكرويات الأبواغ عالميًا مؤثرةً على كل من البلدان المتطورة والنامية، لكن التشخيص المناسب ما يزال صعبًا، خاصةً في البلدان النامية. في الأسفل خريطة توضح بعض البلدان التي وُثّقت مكرويات الأبواغ فيها بشكل رئيسي.
الصحة العامة واستراتيجيات الوقاية:
في السنوات السابقة، وضعت وكالة حماية البيئة الأمريكية US Environmental Protection Agency (EPA) مكرويات الأبواغ في قائمة EPA للملوثات المرشحة Candidate Contaminate List (CCL). يُعتقد أنها عامل ممرض مولود في الماء ويحتاج هذا العامل لانتباه ومراقبة، وتبقى تنقية الموارد المائية الاستراتيجية الوقائية المتاحة الأفضل. ما زالت طرق قياس مكرويات الأبواغ وتنقيتها بدائية وغير متطورة رغم محاولة المجتمع العلمي الحثيثة لملء هذا الفراغ المعرفي.
لا يوجد أي لقاح متاح حاليًا أو حتى قيد الاستكشاف للوقاية من مكرويات الأبواغ.
بما أن الإصابة بمكرويات الأبواغ لدى البشر تحدث أكثر لدى مضعفي الجهاز المناعي، فإن الانتشار الأوسع للإيدز سيزيد من حاجتنا لفهم وإدارة مكرويات الأبواغ في المستقبل القريب.
مع استمرار الأبحاث عن هذا الصف من العضويات نجد أن انتشارها يزداد لدى المرضى من البشر، الأمر الذي يجعل منها بالفعل داءً ساريًا مستجدًا.
اقرأ أكثر:
ما هي الإصابات الانتهازية وما هو الخطر الذي تمثله على مرضى الإيدز؟
داء النوسجات (داء الكهف): الأسباب والاعراض والتشخيص والعلاج
ترجمة: رضوان مرعي
تدقيق: علي قاسم
مراجعة: اسماعيل اليازجي