يختلف شكل مجرة درب التبانة عن باقي المجرات الحلزونية المخططة، فهي ليست قرصًا أنيقًا مسطحًا تمامًا، بل لديها بعض الاعوجاج أو الانحراف. نعلم منذ مدة ـوهو أمر أكدته دراستان مستقلتان ـ أن مجرة درب التبانة ملتوية بشدة عند أطرافها، وهي خاصية غريبة حيرت علماء الفلك لسنين.
تشير تحليلات البيانات الجديدة الآن من بعثة المسبار الفضائي غايا Gaia إلى تفسير يقترح أن هذا الالتواء هو نتيجة تصادم مع مجرة أخرى في وقت ما من الماضي.
لا نعرف بعد ما هي المجرة التي اصطدمت بها، أو متى حصل ذلك، لكن طريقة الالتواء حول مركز المجرة يدل على حدوثه قريبًا نسبيًّا، أو ربما ما زال جاريًا، فهو أشبه بشجار مع إحدى المجرات التابعة لدرب التبانة.
لقد أنجزت بعثة غايا عملًا عظيمًا بالكشف عن الماضي العنيف بعض الشيء لمجرتنا.
مدَّد تصادم ما جرى قبل 8 – 10 مليارات عام تقريبًا قرص المجرة السميك، ما أدى إلى امتلائه بالنجوم. وخلَّف تموجات في الهيدروجين المكون لقرص درب التبانة. وتجدر الإشارة هنا إلى التصادم العنيف الذي جرى مع المجرة غايا سوساج Gaia Sausage، والذي ترك بعض النجوم تدور في مدارات غريبة.
اُطلق مسبار غايا الفضائي سنة 2013، وقد جمع بيانات لإنتاج أدق خريطة ثلاثية الأبعاد حتى الآن لمجرة درب التبانة. وتدرس البعثة بحرص حركات الأجرام المضبوطة والسرعات الشعاعية والمسافات بين النجوم، لنعرف مكان كل شيء في المجرة وكيف يتحرك.
قال عالم الفلك رونالد دريمل Ronald Drimmel من مرصد تورين للفيزياء الفلكية في إيطاليا: «يشبه الأمر محاولة قياس سرعة سفر سيارة وموقعها في أثناء مدة زمنية قصيرة، ثم بناءً على هذه المعلومات، نتوقع المسار الماضي والمستقبلي للسيارة. بتنفيذ ذلك على العديد من السيارات (الأجرام)، نستطيع أن نصوغ توقعًا لحركة السير. وبالمثل، نستطيع توقع العمليات واسعة النطاق، مثل التواء قرص المجرة، من طريق قياس الحركة الواضحة لملايين النجوم عبر السماء».
وجد الفريق، من طريق التحليل الدقيق لبيانات 12 مليون نجم، أن الالتواء في قرص مجرة درب التبانة لا يستقر في مكان واحد، بل يدور حول مركز المجرة، تمامًا مثل النجوم، لكن بسرعات مختلفة.
هذه السرعة أبطأ من سرعة حركة النجوم، لكنها أكبر من السرعة التي توقعها العلماء للالتواء سابقًا، بناءً على تأثير هالة المادة المظلمة أو حقل مغناطيسي بين مجريّ.
قالت الفلكية إلويسا بوغو Eloisa Poggio: «حسبنا سرعة الالتواء من طريق مقارنة البيانات بنماذجنا. يكمل الالتواء دورة واحدة حول مركز المجرة كل 600 – 700 مليون سنة، استنادًا إلى السرعة المُستنتَجة (للمقارنة، تدور الشمس حول مركز المجرة كل 220 مليون سنة). هذه السرعة أكبر مما توقعنا حسب توقعات النماذج السابقة، مثل التي تبحث في تأثيرات الهالة غير الكروية».
يدل هذا على شيء أقوى ربما أعطى الالتواء قوة دفع، مثل مجرة أخرى ارتطمت بدرب التبانة.
لكن أي مجرة؟ ما زال هذا السؤال بلا إجابة. لكن يتوقع العلماء أنها قد تكون مجرة الرامي الإهليجية القزمة Sagittarius Dwarf Spheroidal Galaxy. لأنها تدور بالقرب من درب التبانة، إضافةً إلى ما لها من سوابق تخريبية.
يعتقد العلماء أنها مرت عبر مسطح درب التبانة أكثر من مرة، مما شكل حلقاتها، وتوجد أدلة على تسببها في فوضى النجوم في مركز القرص المجري.
لكن درب التبانة سوف تنتصر في النهاية، وستبتلع مجرة الرامي الإهليجية القزمة وعوالمها، غير أن ذلك اليوم بعيد للغاية.
ربما يستطيع التحليل المستقبلي، أو المجموعة القادمة من بيانات المجرة غايا ، المساعدة على التحقق من كون هذه المجرة هي سبب الالتواء، إذن فلننتظر ونرى.
اقرأ أيضًا:
رؤى جديدة لعلماء الفلك تكشف كيف شكل التصادم المجري مجرة درب التبانة
العثور على أحد النجوم فائقة السرعة في مركز مجرة درب التبانة
ترجمة: هاني عبد الفتاح
تدقيق: عبد الله كريم
مراجعة: أكرم محيي الدين