يشير مصطلح الثورة الخضراء إلى استصلاح الممارسات الزراعية منذ بدأت في المكسيك في أربعينيات القرن الماضي، وبسبب نجاحها في إنتاج مزيد من المحاصيل الزراعية هناك، انتشرت تكنولوجيا الثورة الخضراء حول العالم في الخمسينيات والستينيات، مُزيدةً كميات السعرات الحرارية المنتجة عن الفدان الواحد.
تاريخ نشأة الثورة الخضراء
تُنسب بدايات الثورة الخضراء في العادة لـ(نورمان بورلاوغ – Norman Borlaug)، وهو عالم أمريكي مختص في الزراعة، في الأربعينيات من القرن الماضي، قاد بحثًا في المكسيك، وطور أنواعًا جديدةً من القمح مقاومة للأمراض وعالية الإنتاج، وبدمج أنواع قمح (بورلاوغ) بتقنيات زراعية ميكانيكية جديدة، أضحت المكسيك قادرةً على استيفاء أكثر من حاجة سكانها، جاعلةً إياها أحد مصّدري القمح في الستينيات، وقبل استخدامها لتلك الأنواع، كانت تستورد نصف حاجتها من القمح.
بسبب نجاح الثورة الخضراء في المكسيك، انتشرت تقنياتها حول العالم في الخمسينيات والستينيات. فعلى سبيل المثال، استوردت الولايات المتحدة الأمريكية نصف حاجتها من القمح خلال الأربعينيات، وبعد بدء استعمالها لتقنيات الثورة الخضراء، اكتفت ذاتيًا خلال الخمسينيات، لتصبح أحد موردي القمح خلال الستينات.
من أجل مواصلة استعمال تقنيات الثورة الخضراء لإنتاج المزيد من الغذاء لسد حاجة سكان العالم المتنامي، زادت مؤسستا روكفيلر (the Rockefeller Foundation) وفورد (the Ford Foundation) وعدة وكالات حكومية حول العالم من وتيرة الأبحاث، ففي عام ١٩٦٣ وبإسهام من هذا الدعم، أسست المكسيك معهد أبحاث دولية سُمي (المركز الدولي لتطوير الذرة والقمح – The International Maize and Wheat Improvement Center).
استفادت دول حول العالم بالمقابل من جهد الثورة الخضراء بواسطة (بورلاوغ) ومعهد الأبحاث هذا، كانت الهند -مثلًا- على شفا مجاعة كبرى في بداية الستينيات بسبب نمو سكانها السريع، فنفذ (بورلاوغ) ومؤسسة فورد بحثهم هناك وطوروا نوعًا جديدًا من الأرز (IR8)، والذي ينتج حبوبًا أكثر في النبتة حين يُسقى وتوضع عليه الأسمدة. تعد الهند اليوم من أكبر منتجي الأرز، وقد انتشر استخدام نوع الأرز IR8 عبر آسيا في العقود التي لحقت تطور الأرز في الهند.
تقنيات نبات الثورة الخضراء
غدت المحاصيل المستحدثة خلال الثورة الخضراء أنواعًا عالية الإنتاج، ما يعني أنها نباتات مستأنسة استزرعت خصيصًا للاستجابة للأسمدة وإنتاج كميات أكثر من الحبوب في الفدان المزروع.
المصطلحات التي تستخدم عادةً مع هذه النباتات والتي تجعلها ناجحةً هي: (مؤشر الحصاد – harvest index)، و(حصة المركب الضوئي أي نواتج عملية البناء الضوئي مثل السكر – photosynthate allocation)، و(تحمل طول النهار – insensitivity to day length).
يشير مصطلح مؤشر الحصاد إلى كتلة النبات فوق الأرض، فخلال الثورة الخضراء، اختيرت النباتات ذات البذور الأكبر لتنتج أكبر محصول ممكن، وبعد استزراع انتقائي لهذه النباتات، تشكلت جميع خصائص ذات البذور الأكبر، أنتجت هذه البذور الكبيرة محصولًا أعلى وكتلةً أثقل فوق الأرض.
أدت هذه الكتلة الأكبر فوق الأرض إلى زيادة في حصة المركب الضوئي، وبفعل زيادة البذور أو حصة الطعام للنبات، كنّا قادرين على استغلال عملية التركيب الضوئي بشكل أفضل ذلك لأن الطاقة المنتجة خلال هذه العملية تذهب مباشرةً إلى حصة النبات من الغذاء.
أخيرًا، بفضل (الاستزراع الانتقائي – selectively breeding) للنباتات التي تتحمل طول النهار، كان الباحثون من أمثال (بورلاوغ) قادرين على مضاعفة إنتاج المحاصيل إذ لم تعد زراعة النباتات مقصورةً على أماكن معينة حول العالم بناءً على كمية الضوء المتوفرة للنباتات.
نتائج الثورة الخضراء
بما أنه كان للأسمدة دور كبير في حصول الثورة الخضراء، فقد غيرت الممارسات الزراعية ذلك للأبد؛ لأن الأنواع عالية الإنتاج التي نمت خلال هذه الفترة، لا تستطيع النمو بنجاح دون مساعدة الأسمدة.
كما لعب ري النبات دورًا كبيرًا في الثورة الخضراء ما غير الأراضي التي زُرعت فيها أنواع المحاصيل، فمثلًا قبل الثورة الخضراء، انحصرت الزراعة بشدة في أراض حيث تهطل الأمطار بغزارة، وباستعمال الري، أمكن تخزين الماء وإرساله لأراض أشد جفافًا، ممكّنةً أراض أكثر لتصلح للزراعة، وبالتالي زيادةً في إنتاج المحاصيل على نطاق البلد.
إضافة إلى ذلك، استحداث أنواع عالية الإنتاج يعني أنواعًا قليلةً من الأرز -مثلًا- تزرع. كان يوجد في الهند مثلًا أكثر من ٣٠ ألف نوع من الأرز قبل الثورة الخضراء، واليوم يوجد حوالي عشرة من أكثر الأنواع إنتاجًا، وبالتالي فإن زيادة التماثلية (homogeneity) في نوع المحاصيل يجعلها أكثر عرضة للأمراض والحشرات بسبب عدم توفر أنواع كافية لمكافحتها، ولحماية هذه الأنواع القليلة، زاد استعمال المبيدات.
أخيرًا، زاد استخدام تقنيات الثورة الخضراء كميات إنتاج الطعام حول العالم باطراد، أماكن مثل الهند والصين التي كانت تخشى المجاعة يومًا، لم تعد تخشاها بعد زراعتها للأرز (IR8) وأنواع أخرى من الغذاء.
الانتقادات الموجهة لها
رافقت الفوائد المجنية من الثورة الخضراء عدة انتقادات: أولها أن زيادة إنتاج الطعام أدت إلى زيادة أعداد السكان حول العالم.
الانتقاد الأكبر الثاني هو أن أماكن مثل أفريقيا لم تستفد كثيرًا من الثورة الخضراء، أكبر المشاكل المحيطة حول استخدام هذه التقنيات هناك، افتقارها للبنى التحتية، والفساد الحكومي، وانعدام الأمن بين الناس.
وبصرف النظر عن هذه الانتقادات، غيرت الثورة الخضراء طريقة الزراعة حول العالم إلى الأبد، منعمةً على أناس من أمم عدة بحاجة لزيادة في إنتاج الطعام.
اقرأ ايضًا
اليك جميع مخاطر التغير المناخي في رسم بياني واحد
كوكب الأرض يدخل حقبة جيولوجية جديدة، والبشر هم السبب
التضخم السكاني، تعريفه، أسبابه، نتائجه ودور العلم فيه
ترجمة لبيد الأغبري – تدقيق محمد قباني