الاكتظاظ السكاني تعريفه وأسبابه

الزيادة المتسارعة للنمو السكاني في العالم عبر المئة سنة الأخيرة نتجت من الفارق الكبير بين معدل الولادات والوفيات. النمو السكاني سيزداد بمقدار مليار نسمة خلال العقد القادم. وهو يشبه إضافة تعداد الصين إلى تعداد البشر الحالي. النمو في التعداد السكاني حول العالم يؤثر على جميع البشر من خلال تأثيره على الاقتصاد والبيئة. المعدل الحالي للنمو السكاني هو عبءٌ ملحوظ على الصحة الإنسانية. فهم العوامل التي تؤثر على انماط النمو السكاني من الممكن ان تساعدنا في التخطيط للمستقبل.

تعريف الاكتظاظ السكاني

في الماضي, كانت وفيات الاطفال والمواليد الجدد ومعدل الحياة القصير تحد من النمو السكاني للبشرية. في عالم اليوم, وبالفضل للتغذية, الصرف الصحي, والرعاية الطبية فإن المزيد من الاطفال ينجون في السنوات الاولى من حياتهم. المزيج بين استمرارية المعدل العالي للولادات وانخفاض الوفيات يولد زيادة مضطردة في تعداد السكان في العديد من البلدان بآسيا, أمريكا اللاتينية وأفريقيا، والناس عمومًا يعيشون حياة أطول. الاكتظاظ السكاني يعرف بأنه الحالة حيث يوجد أشخاص أكثر ممن يستطيعون الحياة على الأرض براحة, سعادة, وصحة، ويبقى مع ذلك مكان في العالم لأجيال المستقبل. ما يعتقده البعض هو أن أكبر خطر بوجه المستقبل يأتي من الاكتظاظ السكاني.

لقد أخذ المليار الاول من تعداد البشرية التاريخ بأكمله حتى يصل لذلك العدد في عام 1810. وفي غضون الـ 120 سنة التالية, تضاعف العدد ليبلغ ملياري نسمة في عام 1930؛ ثم أربع مليارات في عام 1975 (خلال 45 سنة فقط). وعدد البشر في العالم زاد من 4.4 مليار في عام 1980 الى 5.8 مليار اليوم. ويقدر أن التعداد من الممكن أن يتضاعف إلى 11 مليار في أقل من 40 سنة. مما يعني أن المزيد من الأشخاص اليوم يضافون يوميًا للتعداد أكثر من أي وقت آخر في تاريخ البشرية.

عند التفكير بالمستقبل, كان يتوقع أن يجتاز تعداد البشرية الـ 6 مليارات قبل عام 2000. وبحسب التقارير من الامم المتحدة, فإن التعداد قابل لان يصل الى 10 مليارات في عام 2025 وان يزداد الى 14 مليار في نهاية القرن القادم ما لم يتم اعتماد تحديد النسل بشكل كبير بحدود العقدين القادمين.

لقد انخفض معدل الولادات والوفيات, غير أن معدل الوفيات قد انخفض بشكل أسرع من معدل الولادات. هناك 3 ولادات جديدة تقابل كل وفاة مع 1.6 ولادة مقابل كل وفاة في البلاد الاكثر تقدمًا (more developed countries MDCs) و 3.3 ولادة لكل وفاة في البلاد الأقل تقدمًا (Less developed countries LDCs) التعداد في بلدان العالم يتزايد بمعدل مليار كل 12 سنة.

ومع ذلك فإن بعض السياسيين ينادون بزيادة السكان في البلدان الاكثر تقدما وذلك للتحكم بنموهم الاقتصادي وأمنهم العسكري. من الجهة الاخرى, نقاد هذا التوجه يقولون أن شخصًا واحدًا من كل 5 اشخاص يعيش في هذا الكوكب بدون دعم جيد، ويعتقدون أن العالم قد أصبح محدود المصادر بكل الأحوال الآن.

هذه الانتقادات ترتكز على ان إبطاء النمو السكاني هو أحد اكثر الحاجات الحاحًا، فهم يرون أننا ما لم نقم بتحديد النسل فإننا ذاتيا نزيد من معدل الوفيات.

أسباب الزيادة السكانية المتسارعة

حتى فترة قريبة, معدل الوفيات والولادات كان متساويًا تقريبًا, مما يبقي على التعداد السكاني ثابتًا. الناس لديهم العديد من الاطفال, لكن العديد من الاطفال يموتون قبل بلوغ الخامسة. أثناء الثورة الصناعية, وهي فترة شهدت الكثير من التقدم في العلوم والتكنولوجيا في الولايات المتحدة وأوربا, وأدى النجاح في تقليل معدل الوفيات لعوامل عدة منها:

  1. الزيادة في انتاج الطعام وتوزيعه.
  2. التطور في الخدمات الصحية العامة.
  3. التقنيات الطبية (اللقاحات والمضادات الحيوية) مع المكاسب في التعليم ومعايير العيش ضمن الأمم المتقدمة.

دون هذه السمات الموجودة في حياة الكثير من الاطفال, فإن كثيرًا منهم لم يكونوا لينجوا من أمراض شائعة مثل الحصبة أو الإنفلونزا. الناس كانوا قادرين على معالجة الجراثيم المميتة التي أدت إلى قتلهم يومًا ما. يضاف لذلك أنه بسبب التكنولوجيا, فإن الناس يستطيعون إنتاج أنواع متنوعة وبكمياتٍ أكثر من الطعام. وتدريجيًا, وعبر فترة من الزمن, هذه الاكتشافات والاختراعات انتشرت في العالم مسببة خفض معدل الوفيات وتطوير جودة العيش لمعظم البشر.

 

إنتاج وتوزيع الطعام

من الحقائق الأساسية حول الـ 150 سنة الماضية كانت قدرة الفلاحين على زيادة إنتاج الطعام هندسيًا في بعض المناطق. تطورت التطبيقات الزراعية في الولايات المتحدة في القرنين الاخيرين، ومعظم العالم لديه خبرة حول النجاح في الزراعة, خصوصا في الـ 50 سنة الأخيرة. بين عام 1950 و1984 على سبيل المثال, كمية الحبوب المحصودة حول العالم تزايدت من 631 مليون طن الى 1.65 مليار طن. وهذا يمثل التزايد بمعدل 2.6 مرة في الوقت الذي تزايد فيه السكان بمعدل 1.9 مرة.

في السنوات الاخيرة, انتجت التكنولوجيا تنوعًا أكبر من التقنيات، حيث أنتجت أنواعًا جديدة من البذور, ومخصبات كيمياوية, ومبيدات حشرية ومكائن أكثر تعقيدًا. استخدام التكنولوجيا سرّع التوسع في الزراعة في الولايات المتحدة ودول العالم المتقدمة والأقل تقدمًا، واستخدام المبيدات مثلًا في البلاد غير المتقدمة كان قد ازداد إلى 400 حتى 600% في الـ 25 سنة الاخيرة في القرن العشرين.

خلال العشر سنوات الماضية, ازداد إنتاج العالم للغذاء بنسبة 24%, متجاوزًا معدل النمو السكاني. وبكل الأحوال, فإن هذه الزيادة لم تكن موزعة بالتساوي في كل مكان من العالم. فعلى سبيل المثال، في أفريقيا، انخفض إنتاج الغذاء في حين ازداد عدد السكان. وقد انخفض إنتاج العالم للحدود في عام 1993, بحسب منظمة الغذاء العالمية, التي توقعت نقصا في الغذاء في 20 بلد اثناء عام 1994.

وبكل الاحوال فإن معظم الخبراء يوافقون على عدم وجود نقص في الغذاء, وأن التوزيع العادل يجب أن يكون كافيًا لتحقيق كل الاحتياجات في المستقبل. انعدام المال لشراء الطعام هو المشكلة الأساسية في سوء التغذية. الفقر وعدم المساواة في العالم أدت إلى نقص محلي في الغذاء. وضمن الأسر, الرجال والأولاد لديهم أولوية لأي طعام متوفر, بينما غالبًا ما تعاني النساء والاطفال, وخصوصا الفتيات الصغيرات من سوء التغذية. المصادر المتوفرة قليلة للنساء, رغم أنهن غالبًا ما يكن مسؤولات عن تجهيز الغذاء.

التطور في الصحة العامة

الناس لديهم قلق حول العيش في الحياة اليومية, وتحقيق متطلبات الحياة الأساسية: الغذاء, الماء, والمساكن. اولًا, عدم الوصول إلى مياه الشرب الآمنة كان مرتبطًا بحدوث الأوبئة والامراض مثل الكوليرا. وأقل من 50% من السكان كانوا قادرين على الوصول الى مياه الشرب النظيفة قبل 1990. وبحدود عام 1990, الوصول الآمن لمياه الشرب تزايد الى 75% ولكن بين عامي 1990 و2000 كان متوقعًا أن يتزايد عدد الناس غير القادرين على الحصول على مياه الشرب. عدد متزايد من البلدان النامية، والبلدان المتقدمة تقترب من حدود استخدام المياه بشكل مستدام بالاعتماد على مصادرهم المتجددة.

ثانيا الضغوط لتوفير السكن تتزايد كلما تزايد التعداد. اكثر من نصف سكان البلدان النامي سيعيشون في مناطق حضرية في نهاية هذا القرن. هذا النمو يفوق القدرة على توفير المساكن والخدمات الاخرى للآخرين. في بعض البلدان، يعد إيجاد مكان للعيش صعبًا، خصوصًا للنساء. بعض النساء والأطفال مجبرون على العيش في أفقر المجتمعات، حيث يكونون عرضة للاستغلال والاعتداء.

الأولويات للتخلص من الفقر، تطوير تجهيز الغذاء، وإنهاء سوء التغذية، وتوفير السكن المناسب يتزامن في جميع النقاط تلك، وهي المتطلبات لنمو سكاني متزن.

التغلب على الامراض

إن قصة التعداد السكاني الأكبر في المئة سنة الأخيرة كانت انتصارًا على الأمراض. تعلم العلماء الكثير حول طرق منع ومعالجة أنواع عديدة من الامراض. وبالتالي، فإن الملايين من البشر الذين ماتوا بسبب الأمراض في القرون الماضية هم أكثر احتمالية للاستمرار والعيش حتى عمر متأخر. أكثر الطرق فعالية في التغلب على الامراض كانت بتطوير المعرفة حول التغذية، واللقاحات، والتطبيقات الصحية الافضل وتطوير الأدوية الجديدة.

في الـ 80 سنة الاخيرة، كان الطفل الذي يولد في ايسلند اكثر احتمالية لأن يعيش بـ 32 مرة خلال السنة الاولى من الحياة مقارنة بنفس الطفل في أفغانستان. السبب الاساسي لهذا الفرق الكبير في معدل الحياة هو التغذية. عندما يحصل الاطفال الصغار على كل اصناف الطعام الصحيحة، فإنهم يكونون أكثر احتمالية لأن يكبروا ويصبحوا بالغين. في العديد من البلدان، يعرف الناس ما يكفي عن التغذية الصحيحة للأطفال والبالغين، ولسوء الحظ في البلدان الأقل نموًا، يفتقر الناس إلى المال والمهارات التي تؤهلهم لاستخدام المعرفة التي يمتلكونها عن التغذية. وكنتيجة، معدلات وفيات المواليد الجدد وبالتالي الوفيات عمومًا تبقى عالية في البلدان الأقل نموًا.

ثانيا، العامل الأكثر اهمية هو اللقاحات. فرجوعًا الى القرن التاسع عشر، عرف العلماء كيفية استخدام اللقاحات لحماية الناس من الامراض المعدية. استخدام هذه المعرفة قلل من معدل الاصابة بالأمراض مثل الإنفلونزا، الجدري، شلل الاطفال، والحصبة الألمانية في البلدان المتقدمة. ومرة ثانية، فإن انعدام الموارد منع الكثير من الدول الأقل تقدمًا من فعل الأمر نفسه -كاستخدام اللقاحات- لتقليل معدل الاصابة بالأمراض ومعدلات الوفيات في بلدانهم. علاوة على ذلك، ما تزال اللقاحات غير موجودة لبعض الأمراض كالملاريا الذي يعد مثالًا واضحًا على مصدر قلق كبير بالنسبة للبلدان الأقل تقدمًا.

ثالثًا, تطبيقات الصحة العامة الافضل -نظرية علاقة الجراثيم بالأمراض، التي اكتشفت بواسطة لويس باستور في سبعينيات القرن التاسع عشر شرحت بوضوح أن صحة الشخص هي أيضًا مشكلة اجتماعية. المجاري الملقاة في المياه العامة من الممكن أن تسبب أمراضًا للمجتمع. بهذا الفهم، ولد علم الصحة العامة. واليوم، مقاييس الصحة العامة مثل معالجة المخلفات، وتنقية المياه، واللقاحات، وتدريس التغذية جميعها متقدمة بشكل جيد في البلدان المتطورة. لكن مقاييس الصحة العامة لا تزال غائبة في العديد من الدول الأقل تقدمًا. وكنتيجة لذلك، تستمر الأمراض بالانتشار وتسبب معدلات وفاة عالية.

واخيرًا, اختراع الأدوية الجديدة, حيث أن المرض صار أقل من مشكلة في البلاد الأكثر نموًا، بسبب الصناعات الدوائية التي اخترعت نطاقًا كاملًا من الأدوية الجديدة التي يمكن معها معالجة كل شيء، بدءًا من العدوى إلى الالتهابات الرئوية. وفي الكثير من البلدان الأقل نموًا، فالأدوية الجديدة والعلاجات ما زالت غير متوفرة ببساطة.

وكما أوضحنا في البداية، فإن معدلات الوفاة في البلدان الأكثر نموا قد هبطت بصورة كبيرة بسبب تطور الصحة والمعرفة الطبية وبسبب التطبيقات الطبية والصحية المعتمدة على تلك المعرفة. معدلات الوفاة في الكثير من البلدان الأقل نموًا لا تزال عالية بسبب أن النقود والاشخاص والامكانيات المطلوبة لوضع المعرفة المتوفرة قيد التطبيق ليست موجودة.

كان للتقدم في العلوم الطبية لذلك تأثيرًا كبيرًا على التعداد السكاني لمعظم البلدان في العالم، فتقريبًا في كل مكان في العالم انخفضت معدلات الوفيات. وفي الوقت نفسه، معدلات الولادة، على الأقل في البلدان الأقل نموا، قد بقيت عالية. هذه التركيبة بين معدلات الولادة العالية ومعدلات الوفيات المنخفضة قادت إلى انفجار سكاني في العديد من البلدان في العالم.

نهاية الانفجار السكاني حول العالم سوف تتحدد بكيفية استثمار البلدان في جهود التخطيط الأسري وخفض الخصوبة وابطاء النمو السكاني.

تعدادات سكانية مختلفة تنمو بمعدلات مختلفة حول العالم بالاعتماد على عدد الأطفال لدى العائلات وعدد السنوات التي يتوقع أن يعيشها الفرد. التعداد السكاني للكثير من البلدان في آسيا، أفريقيا، وأمريكا اللاتينية ينمو بسرعة، خصوصًا عندما تبقى هناك أهمية للعائلة الكبيرة. تلك البلدان الأفقر، الأقل تقدمًا تميل إلى أن يكون لها حياة أقصر للناس ومعدلات وفيات كبيرة للأطفال حديثي الولادة. عندما يعلم الأزواج أن أطفالهم من الممكن أن يموتوا، فهم يختارون المزيد من الأطفال. وبكل الاحوال العديد من الأزواج يميلون إلى تقليل حجم العائلة، ولكن انعدام المعلومات والوسائل لتحقيق هذه الخيارات هو المشكلة.


 

المصدر