البترول أو كما يطلق عليه النفط الخام أو النفط هو عبارة عن وقود أحفوري تشكل من بقايا الأحياء البحرية القديمة. قبل ملايين السنين كانت تعيش الطحالب والنباتات في البحار الضحلة. وبعد موتها وسقوطها نحو قعر البحر، فإن المواد العضوية خُلطت مع الرسوبيات الأخرى ودفنت معها. وعبر ملايين السنين تحت ضغط عال وحرارة عالية، فإن بقايا تلك الأحياء تحولت إلى ما نطلق عليه اليوم الوقود الأحفوري. فالفحم والغاز الطبيعي والنفط يكونون جميعًا وقودًا أحفوريًا إذ تشكلوا تحت شروط مماثلة.
واليوم فإن النفط موجود في احتياطيات ضخمة تحت الأرض حيث كانت البحار القديمة موجودة من قبل. ويمكن العثور على هذه الاحتياطيات تحت البر أو تحت قعر المحيط. ويتم استخراج النفط الخام بواسطة آلات حفر عملاقة.
عادةً ما يكون النفط الخام أسود اللون أو بنيًا غامقًا، ولكنه من الممكن أن يكون مصفرًا قليلًا أو محمرًّا أو برونزيًا أو حتى مخضرًّا.
والتنوع في اللون يدل على التركيبات الكيميائية المتفرقة لمخزونات النفط الخام المختلفة. فالبترول الذي يحوي قليلًا من المعادن أو الكبريت مثلًا يميل لأن يكون ذو لون فاتح (وأحيانًا يكون صافٍ تقريبًا).
يستعمل البترول لصناعة البنزين الذي يعد منتجًا مهمًا في حياتنا اليومية. كما أنه يُعَالَج ويشكل جزءًا من آلاف القطع المختلفة مثل الإطارات والبرادات وستر النجاة والمخدرات.
عندما تحترق منتجات النفط مثل البنزين من أجل الحصول على الطاقة فإنها تطلق غازات سامة وكميات كبيرة من أكسيد الكربون، أحد الغازات الدفيئة. ويساعد الكربون على تنظيم درجة حرارة غلاف الكرة الأرضية الجوي، وعندما نضيف لهذا التوازن الطبيعي كميات إضافية بحرق الوقود الأحفوري فإنه يؤثر على مناخنا سلبًا.
البترول مثل الفحم والغاز الطبيعي، مصدر غير متجدد للطاقة. لقد استوجب ملايين السنين ليتشكل وعندما نستخرجه ونستهلكه فليس لدينا أي طريقة لاستبداله من جديد.
سوف تنفد مخزونات النفط، في النهاية فإن العالم سيصل ل”ذروة النفط” أو أعلى مستوى من الإنتاج. يتوقع بعض الخبراء أن ذروة النفط هذه قد تكون قريبة كعام 2050. وإيجاد بدائل للنفط أمر مصيري لاستهلاك الطاقة العالمي وهو أساس العديد من الصناعات.
تشكل البترول أو النفط :
إن الشروط الجيولوجية لتشكل النفط حصلت منذ ملايين السنين، عندما انجرفت النباتات والطحالب والعوالق في المحيطات والبحار الضحلة، هذه الأحياء غرقت نحو قعر المحيط في نهاية دورة حياتها، ومع الوقت دفنت وطحنت تحت ملايين الأطنان من الرسوبيات وحتى طبقات أخرى من طمي النباتات.
وفيما بعد فإن تلك البحار القديمة قد جفت وبقيت الأحواض الجافة ودعيت بالأحواض الرسوبية وعميقًا تحت قعر الحوض كانت المواد العضوية قد ضُغِطت بين طبقات القشرة الأرضية في حرارة عالية وملايين الأطنان من الصخور والرسوبيات فوقها، وحيث كان الأكسجين معدومًا تقريبًا في هذه الظروف بدأت المواد العضوية بالتحول لمادة شمعية دعيت بالكيروجين.
ومع ازدياد الحرارة والضغط ومرور الوقت خضع الكيروجين لعملية تدعى بالـ “catagenesis” وتحول لهيدروكربونات وهي ببساطة عبارة عن مركبات كيميائية من الكربون والهيدروجين، وباختلاف تركيبات الحرارة مع الضغط تختلف معنا أنواع الهيدروكربونات المتشكلة، ومن الأمثلة الأخرى هي الفحم والخث “الجفت” والغاز الطبيعي.
إن الأحواض الرسوبية حيث كانت قيعان البحار القديمة، تشكل مصدرًا أساسيًا للبترول. ففي إفريقيا، حيث يوجد حوض دلتا النيجر الرسوبي، والذي يغطي أراض من نيجيريا والكاميرون وغينيا الاستوائية. فإن أكثر من 500 مخزون نفطي اكتشفت في دلتا حوض النيجر الضخم، حيث يشكل واحدًا من أعلى حقول النفط إنتاجيةً في إفريقيا.
كيمياء وتصنيف النفط الخام:
إن البنزين الذي نستعمله لتغذية سياراتنا والخيوط الصناعية في حقائبنا وأحذيتنا وآلاف من المنتجات النافعة المختلفة التي صنعت من البترول تأتينا بحالة ثابتة وموثوقة الفعالية، إلا أن النفط الخام الذي تأتي منه هذه المنتجات ليس بثابت ولا موحد.
كيميائيًا:
النفط الخام مكون من هيدروكربونات، والتي تتشكل بشكل أساسي من الهيدروجين (حوالي 13% وزنًا) والكربون (85%) وعناصر أخرى كالنتروجين (حوالي 0.5%) والكبريت (0.5%) والأكسجين (1%) والمعادن مثل الحديد والنيكل والنحاس (أقل من 1%) يمكن أيضًا اختلاطها مع الهيدروكربونات بكميات قليلة.
الطريقة التي تنتظم بها الهيدروكربونات ناتجة عن التكوين الأصلي للطحالب والنباتات والعوالق منذ ملايين السنين. ومقدار الحرارة والضغط اللذين تعرضت لهما النباتات يساهم أيضًا في التنوعات الموجودة في الهيدروكربونات والنفط الخام.
ووفقًا لهذه التنوعات يمكن للنفط الخام المستخرج من الأرض أن يتكون من مئات المكونات النفطية المختلفة. فالنفط الخفيف يمكن أن يتكون من ما يصل ل97% من الهيدروكربونات، بينما أنواع النفط الأثقل والقار فتحتوي فقط على مايصل ل50% هيدروكربونات، وكميات كبيرة من عناصر أخرى. وتقريبًا من الضروري تكرير النفط الخام دائمًا من أجل صنع منتجات نافعة.
تصنيف النفط :
يصنّف النفط وفقًا لثلاث فئات: الموقع الجغرافي الذي استخرج منه، محتواه الكبريتي، وثقالية الـ API، وهو مقياس الكثافة النوعية حسب معهد النفط الأمريكي.
التصنيف وفقًا للجغرافيا:
يتم التنقيب عن النفط في كافة أرجاء العالم، إلا أن هناك ثلاثة مصادر أساسية للنفط الخام يتم القياس عليها لأجل تقييم وتسعير موارد النفط الأخرى، وهي:
- نفط برنت.
- نفط غرب تكساس الوسيط.
- دبي وعمان.
نفط برنت هو خليط من 15 حقل نفطي مختلف من اسكتلندا والنرويج في بحر الشمال وهذه الحقول تغذي معظم أوروبا. نفط غرب تكساس الوسيط WTI هو نفط أخف وينتج أغلبه في ولاية تكساس الأمريكية. فهو “حلو” و”خفيف” مصنف ذو جودة عالية جدًا. إن WTI يغذي معظم أمريكا الشمالية بالنفط.
نفط دبي أو كما يعرف أيضًا بالفاتح أو نفط دبي-عمان، فهو نفط خفيف حامضي ينتج في دبي-الإمارات العربية المتحدة. والبلد الجار أيضًا سلطنة عمان قد بدأت أيضًا مؤخرًا بإنتاج هذا النفط. ويستعمل نفط دبي-عمان كنقطة مرجعية لتسعير نفط الخليج العربي بكامله والذي يصدّر غالبًا لآسيا.
بالإضافة لسلة أوبك OPEC التي تعد مصدرًا مهمًا للنفط ولتسعيره وفقًا للسعر الوسطي للمنتجات النفطية لأعضائها، وهي منظمة تضم أكبر 12 دولة مصدرة للنفط في العالم وهي: الجزائر، وأنغولا، والإكوادور، وإيران، والعراق، والكويت، وليبيا، ونيجيريا، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وفنزويلا.
التصنيف وفقًا للمحتوى الكبريتي:
يعتبر الكبريت “شائبة” في البترول، فالكبريت في النفط الخام يمكن أن يسبب تآكل المعدن في عملية التكرير ويساهم في تلوث الهواء، فالنفط الذي يحوي أكثر من 0.5% كبريت يدعى “حمضيًا” أما الذي يحوي أقل من 0.5% كبريت يدعى “حلوًا”. وعادةً ما يعتبر النفط الحلو أثمن من النفط الحامض لأنه لا يتطلب الكثير من التكرير وهو أقل ضررًا للبيئة.
التصنيف وفقًا لثقالية API: معهد النفط الأمريكي The American Petroleum Institute API عبارة عن منظمة تجارية للأعمال في صناعة النفط والغاز الطبيعي. وقد أنشأ هذا المعهد نظمًا من المعايير المقبولة لمجموعة من المنتجات المتعلقة بالمشتقات النفطية، مثل المقاييس والمضخات وآلات الحفر. كما قام المعهد بإنشاء عدة وحدات قياس أيضًا مثل وحدة الـ API التي تقيس إشعاعات غاما في البئر. وثقالية الـAPI هي مقياس لكثافة البترول السائل بالنسبة للماء. فإذا كان المقياس أكبر من 10 كان البترول حينها خفيفًا ويطفو على سطح الماء، أما إذا كان أقل من 10 كان البترول ثقيلًا ويغرق في الماء. وأنواع النفط الخفيف عادةً مفضلة لمحتواها الأعلى من الهيدروكربونات، أما النفط الثقيل فيتملك تركيزات أعلى من المعادن والكبريت ويتطلب تكريرًا أكثر.
البترول والناس وبدائله:
يشكل النفط مكونًا كبيرًا في الحضارة المعاصرة، وفي الدول النامية، إن الوصول للطاقة ذات أسعار ميسورة يمكنه أن يقوي المواطنين ويرفع من مستوى معيشتهم. فالبترول يوفر الوقود للمواصلات، كما أنه جزء من العديد من الكيماويات والأدوية، كما أنه أساسي في صناعة المعدات الطبية مثل الصمامات القلبية والعدسات اللاصقة والضمادات. واحتياطيات النفط تجذب الاستثمارات الخارجية وهي مهمة لتحسين الواقع الاقتصادي الإجمالي للبلاد.
إلا أن حصول بلد نام على احتياطيات ضخمة من النفط قد يؤثر أيضًا على علاقة الحكومة مع شعبها، ففي بعض الدول الوصول للنفط أوصل الحكومات لأن تكون أقل ديمقراطية ويلقب هذا الوضع ب”ديكتاتورية النفط” فمثلًا روسيا ونيجيريا وإيران كانت كلها قد تم اتهامها بامتلاك نظام سلطوي-بترولي.
إن شخصيات وصناعات ومنظمات بدأت تبدي اهتمامًا متزايدًا ب”ذروة النفط” -و هي مرحلة سنصلها عندما نستخرج أكبر كمية ممكنة من احتياطيات النفط الموجودة غير المتجددة، بعض الجيولوجيين يقولون أننا قد وصلناها بالفعل بينما البعض الآخر يقول أنها ستُؤخَر لنصلها بعد 20 عامًا بفضل تطور تكنولوجيا الاستخراج- والعقبات البيئية لاستخراج النفط، وهناك بدائل أخرى للنفط تُطوّر في العديد من المناطق، والحكومات والمنظمات تشجع المواطنين على تغيير عاداتهم كي لا نعتمد كثيرًا على النفط.
فالأسفلت الحيوي على سبيل المثال هو عبارة عن أسفلت مصنوع من مصادر متجددة مثل خامات الكربوهيدرات والسكر والذرة ونشاء البطاطا وحتى من منتجات جانبية من معالجات النفط. إلا أنه بالرغم من أنها تشكل مصادر غير ضارة كبديل للقار، فإن الأسفلت الحيوي يتطلب مقدرات هائلة من المحاصيل، والتي تضغط على الصناعات الزراعية.
والطحالب أيضًا من الممكن أن تكون مصدرًا كبيرًا للطاقة، فزيت الطحالب أو كما يسمى بالزيت الأخضر يمكن تحويله لوقود حيوي، فالطحلب ينمو بسرعة هائلة، ويأخذ جزءًا يسيرًا من المساحة التي تتطلبها أنواع أخرى من مغذيات الوقود الحيوي كما أنه يمتص التلوث ويطلق الأكسجين ولا يحتاج مياه نظيفة.
قامت السويد بوضع أولوية لها، وهي أن تخفض اعتمادها على النفط وباقي أنواع الوقود الأحفوري لحد كبير بحلول عام 2020. وقد انضم خبراء في الزراعة والعلوم والصناعة والغابات والطاقة معًا لتطوير مصادر للطاقة المستدامة تشمل مضخات الطاقة الحرارية الأرضية، ومزارع الرياح، والطاقة الموجية والشمسية، والوقود الحيوي المحلي للسيارات الهجينة. كما أن التغيير في عادات المجتمع مثل زيادة الاعتماد على وسائل النقل العامة وعقد مؤتمرات عن طريق الفيديو لأجل الأعمال تشكل جميعها جزءًا من الخطة لتقليل الاستهلاك النفطي.
اقرأ أيضًا
جزيرة تنتج الكهرباء من محصول محلي بدلا من النفط
كلّ ما تريد معرفته عن الهُلام النفطي
كيف تشكل النفط؟ لا علاقة للديناصورات بالموضوع
ترجمة فراس خزام – تدقيق حسام التهامي