ما هو الجرافيتون ؟ في أواخر القرن السابع عشر، ابتكر إسحاق نيوتن أول نظرية نموذجية عن الجاذبية. ووصف الجاذبية بأنها مجال يمتد عبر مسافات طويلة ويتحكم في مسار الأجسام الضخمة مثل الأرض. كانت النظرية فعالة حينها ولكن ظلت طبيعة مجال الجاذبية هذا لغزًا حتى عام 1915؛ حين كشفت النظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين عن البعض من طبيعة الجاذبية.
يشير أينشتاين إلى أن ما نسميه الجاذبية هو تشوه للزمكان. أي أن الأرض تبدو كأنها تدور حول الشمس في شكل بيضاوي، لكنها حقيقةً تتبع خطًا مستقيمًا خلال زمكان مشوه.
فسرت نظرية الجاذبية لآينشتاين سلوك الأجسام الكبيرة بشكل جيد. ولكن بعد بضع سنوات، كشف علماء الفيزياء الغطاء عن عالم الكم، ولاحظوا أن وجود القوى الأساسية الأخرى يرجع إلى تبادل الجسيمات المختصة في حمل القوة.
فالفوتونات تنقل القوة الكهرومغناطيسية، والقوة النووية الشديدة تنتقل بواسطة الغلونات وتُنقل القوة النووية الضعيفة بواسطة حركة بوزون W و Z.
فهل تتواجد الجاذبية أيضًا بسبب تبادل الجسيمات؟
لا نعرف تمامًا إجابة هذا السؤال، لكن هكذا ابتُكر الجسيم الافتراضي المسمى بالجرافيتون -Graviton. لم يُرصد هذا الجسيم بعد لكن استطعنا معرفة الكثير من المعلومات عنه.
بدايةً، بما أن مجال قوة الجاذبية لا نهائي وأن قوة الجاذبية تتناسب عكسيًا مع مربع المسافة بين جسمين (1 / r^2)، إذن، لا بد أن الجرافيتون عديم الكتلة.
يُبنى هذا الاستنتاج لأن الفوتونات أيضًا عديمة الكتلة وإن لم تكن كذلك فسيتغير الأس 2 ولا يمكن أن يحدث ذلك. إذن، لا بد أن الجرافيتونات لا كتلة لها كالفوتونات حتى تسافر بسرعة الضوء.
تفسر النسبية العامة أيضًا طبيعة الجرافيتونات. يوصف توزيع الكتلة والطاقة في الكون بواسطة مصفوفة 4×4 والتي يسميها علماء الرياضيات بمُوتر tensor – من المرتبة الثانية.
وإذا كان المُوتر هو مصدر الجاذبية، فبالإمكان إثبات أن الدوران الميكانيكي الكمي لجسيم الجرافيتون يساوي اثنين. نستنتج أيضًا من النظرية أن الجرافيتون هو الجسيم الوحيد عديم الكتلة ذو دوران ثنائي.
إذن لماذا لم يُرصد الجرافيتون بعد؟
المشكلة في البحث عن الجرافيتونات هي أن الجاذبية قوة ضعيفة. فعلى سبيل المثال، القوة الكهرومغناطيسية بين الإلكترون والبروتون في ذرة الهيدروجين أكبر بمقدار 39^10 مرة من قوة الجاذبية بين نفس الجسيمين.
سلوك المغناطيس ومشابك الورق مثالٌ آخر على ذلك. يحمل المغناطيس المشبك ضد جاذبية الأرض. فكر فيما يعنيه ذلك. مغناطيس صغير كالذي كنت تعلق به قصيصات الورق على ثلاجة، يسحب مشبك الورق لأعلى، في حين أن جاذبية الكوكب بأكمله تسحبه للأسفل، ويفوز المغناطيس.
تتفاعل الجرافيتونات الفردية بضعف شديد، وسبب انجذابنا للأرض هو أنها تبعث الكثير منها. نظرًا إلى أن الجرافيتون الواحد ضعيف جدًا، فمن المستحيل بالنسبة لنا رصد جرافيتون فردي مباشرةً.
ومع ذلك، هناك أفكار جديدة ومبتكرة حول وجود أشكال أخرى للجاذبية. وقد تكون بعض هذه الجرافيتونات الغريبة قابلة للرصد، لكن يتطلب ذلك تغيير طريقة فهمنا للكون.
إذا كانت عبارة «ما يصعد للأعلى ، يجب أن يهبط للأسفل» منطقية، فيجب أيضًا أن نفهم أننا نعيش في عالم ثلاثي الأبعاد. اقترح بعض العلماء فكرة امتداد الجاذبية إلى أكثر من ثلاثة أبعاد. في هذه الحالة، قد لا تكون الجاذبية ضعيفة كما نعتقد. بل تبدو كذلك لأنها على عكس القوى الأساسية الأخرى، تنتشر في أبعاد أخرى.
قد تبدو هذه الفكرة سخيفة. فطبيعة الجاذبية 1 / r 2 تدل على أن الجاذبية تعمل في ثلاثة أبعاد، وتم التحقق من هذا السلوك على مسافات أصغر من ملليمتر. ولكن تظهر إمكانية صحة فكرة الأبعاد الإضافية لمسافات أصغر من 150 ميكرومتر.
يمكن تخيّل هذه الأبعاد الصغيرة بالتفكير في حبل مشدود. يستطيع المشاة على الحبل السير إلى الأمام والخلف فقط، إذًا بالنسبة لهم الحبل أحادي البعد. ولكن بالنسبة لنملة، بإمكانها أيضًا الزحف حول محيط الحبل، فيبدو لها الحبل ثنائيّ الأبعاد. إذن ما قد يبدو أحادي البعد لكائن كبير، يبدو ثنائي الأبعاد لكائن أصغر. تعتبر الأبعاد الأصغر في حالة التنقل حولها أبعادًا دورية، أي أنك ستدور عائدًا لنفس المكان.
تخبرنا ميكانيكا الكم أن كل جسيم هو أيضًا موجة اهتزازية، واقتُرح أن الجرافيتون قد يهتز على شكل موجات في الأبعاد الإضافية، ويلتف حول البعد الصغير كالأساور المحيطة بمعصم نحيف. ومع ذلك فإن الطبيعة الدورية للأبعاد الأخرى تفرض قيودًا على كيفية اهتزاز الجرافيتون. يمكن فقط لعدد صحيح من الأطوال الموجية أن يتلائم مع الأبعاد الأخرى، ما يُولد استنتاجات مثيرة للاهتمام.
في النظريات ذات الأبعاد الإضافية، بالإمكان وجود أكثر من نوع واحد من الجرافيتونات. يمكن معاينة ذلك بتخيل موجة جيبية ولفها حول اسطوانة. وحتى تكون مناسبة تمامًا يجب استخدام طول موجة واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أي عدد صحيح لطول الموجة.
ويعتبر كل من هذه الحالات جرافيتونًا مختلفًا؛ فكلما زاد اهتزاز الجرافيتون يمكن أن تكون له كتلة. تُسمى الجسيمات من هذا النوع جرافيتونات كلاوزا كلاين – Kaluza-Klein تيمُّنًا بالفيزيائيين ثيودور كلاوزا وأوسكار كلاين، اللذين اقترحا فكرة الأبعاد المكانية الإضافية الصغيرة.
يمكن أن يكون لكتل كلاوزا كلاين كتلة على المقاييس الصغيرة، ولكن تنخفض على المقاييس الأكبر إلى الجرافيتونات عديمة الكتلة كما في النظرية الكلاسيكية.
بدأ الفيزيائيون بالبحث عن هذه الأبعاد الصغيرة باستخدام مسرعات الجسيمات مثل مسرع هادرون Hadron collider، وذلك بالبحث عن منتجات الانحلال المتوقعة من الجرافيتونات الكبيرة. لم يُعثر على شيء حتى الآن، ما يعني أنه في حالة وجود هذه الأبعاد فهي أقل حجمًا بألف مرة من البروتون.
الجاذبية هي القوة الأساسية الوحيدة التي قاومت الدراسة في عالم الكم وإيجاد أي نوع من الجرافيتونات سيكون خطوة كبيرة إلى الأمام في فهمنا لهذه الظاهرة.
يُعد ابتكار نظرية ناجحة عن الجاذبية الكمية أحد أهم أهداف الفيزياء الحديثة، وستؤدي عمليات البحث التجريبية المستمرة عن الجرافيتونات دورًا رئيسيًا في تلك النظرية.
اقرأ أيضًا:
فيزيائيون يجدون إشارات أكثر على وجود جسيم يعمل كجسيم مضاد لنفسه في نفس الوقت
ترجمة: رتاج إبراهيم
تدقيق: حسام التهامي