يقترح اكتشاف هذا القزم الأبيض الغريب أن هذا النوع أكثر شيوعًا مما اعتقدنا. رصد العلماء قزمًا أبيض غريبًا إلى درجة لا تُصدق، في اكتشاف يقترح أن أجرامًا مشابهة قد تكون أكثر انتشارًا من المُتوقَّع، أو أن شيئًا آخر أغرب يحدث. الأقزام البيضاء هي أنوية النجوم الناتجة غالبًا من نجوم مثل شمسنا، عندما ينفد وقودها وتفقد طبقاتها الخارجية مخلفةً اللب، الذي يبرد على مدار مليارات السنين، وتعتمد كتلة القزم الأبيض على كتلة النجم الأصلي وعمره.
تساعد هذه العلاقة على تحديد عمر القزم الأبيض اعتمادًا على كتلته. رصد العلماء على مدار العقد الأخير نحو 100 قزم أبيض منخفض الكتلة، ما يوحي بأنها أقدم من عمر الكون نفسه، البالغ 14.8 مليار عام.
لاحظ العلماء وجود هذه الأجرام غالبًا مع نجم آخر مصاحب، قد يبتلع جزءًا من كتلة القزم الأبيض، ما يجعلها تبدو أقدم من عمرها الحقيقي، لكن بعض هذه الأقزام البيضاء ليس لها أي نجم مصاحب ليفسر هذا النقص في الكتلة، إذن فما التفسير؟
يصف بحث جديد وجود قزم أبيض برفقة نجم آخر، لكنه أبعد من أن يستطيع ابتلاع جزء من كتلة القزم الأبيض. إن احتمال رصد هذا النوع من الأنظمة الثنائية ضئيل جدًّا باستخدام الأدوات المُستخدَمة في البحث، وقد يعني هذا الاكتشاف أن هذا النوع من الأقزام البيضاء الغريبة أكثر انتشارًا مما اعتقدنا.
صرح المؤلف الرئيس للورقة البحثية، كنتو ماسودا Kento Masuda، الفلكي في جامعة برينستون Princeton: «يدل الاكتشاف على وجود نقص في فهمنا لتكوين كتل الأقزام البيضاء، والتفاعلات الثنائية».
لغز القزم الأبيض
استخدم ماسودا وزملاؤه بيانات تليسكوب كيبلر الفضائي، وعثروا على مدار 9 سنوات على آلاف الكواكب المحتملة، باستخدام تقنية العبور transit، إذ يُرصَد الكوكب من طريق رصد انخفاض سطوع النجم، عندما يمر الكوكب بين النجم والتليسكوب.
أنتج التليسكوب ثروةً من الاكتشافات الفلكية، وقد وجد العام الماضي أن النجم (KIC 8145411) -من النوع (G)- يسطع بانتظام، وهو تأثير غير عادي لحالات العبور، إذ لابد أن يتغير السطوع المرصود عند تراص زوج من النجوم مع الأرض، ويخفت الضوء عادةً لأن أحد الجرمين مختبئ في الخلفية.
لكن إذا كان أحد النجمين كثيف بدرجة كافية، فقد يؤدي مروره أمام النجم الآخر إلى انحراف ضوئه، فيعمل مثل عدسة تكبر سطح النجم الأقل كثافة. تؤدي هذه الظاهرة، المُسماه تأثير العدسات الذاتية الدقيق self-microlensing، إلى نبضات في السطوع.
توقع العلماء وجود هذا النوع من الأنظمة لكن دون اكتشاف فعلي لأحدها، حتى تمكن كيبلر من رصد 4 أنظمة منذ 2014 حتى الآن، بما في ذلك (KIC 8145411).
لكن المفاجأة حدثت عندما استخدم ماسودا وفريقه بيانات تلسكوب سوبارو Subaru في هاواي، وتلسكوب مرصد فريد لورنس ويبل Fred Lawrence Whipple في أريزونا، لدراسة النظام المُكتشَف حديثًا.
أظهرت البيانات أن كتلة القزم الأبيض تبلغ خُمس كتلة الشمس، ما يجعله من فئة الأقزام البيضاء منخفضة الكتلة للغاية، وكانت المفاجأة أن النجم المرافق بعيد إلى درجة تمنعه من اكتساب الكتلة، واستنتجوا وجود سبب آخر مسؤول عن انخفاض كتلة القزم الأبيض.
الانحراف الكبير
أحد الاحتمالات ألا يكون هذا النجم قزمًا أبيض، فهو نجم منخفض الكتلة صغير الحجم، لكن دون تقدير دقيق لهذا الحجم، لذلك قد يكون هذا الجرم ثقبًا أسود أو نجمًا نيوترونيًّا له نفس الكتلة ويشغل مساحةً أقل من الفضاء، لكن يوجد دليلان يضعفان هذا الاحتمال:
أولًا، الأقزام البيضاء أكثر شيوعًا من الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية، ما يجعل احتمالية وجودها مرافقةً في الأنظمة الثنائية أعلى. ثانيًا، عدم وجود تفسير واضح لكيفية تشكل الثقوب السوداء أو النجوم النيوترونية منخفضة الكتلة، وأنه لم يُرصَد من قبل أي أمثلة لذلك، على عكس الأقزام البيضاء منخفضة الكتلة المرصودة سابقًا.
يقول ماسودا: «لكن قد لا يكون هذا الجدال مقنعًا، لأننا لا نمتلك تفسيرًا واضحًا لكيفية تشكل هذا القزم الأبيض».
إذا كان النظام (KIC 8145411) يحتوي قزمًا أبيض، فسيحمس ذلك العلماء لدراسة كيفية تشكل الأقزام البيضاء، وكيفية تفاعلها مع أقرانها.
يقول ماسودا: «لا يفسر تطور نجم منفرد وجود هذا القزم الأبيض منخفض الكتلة للغاية، لذلك فالتفسير المنطقي هو تفاعل الأنظمة الثنائية، ومع ذلك يفشل سيناريو التفاعل الثنائي في تفسير وجود النظام (KIC 8145411)، لأن المدار ليس قريبًا كفاية بما يتفق مع هذا السيناريو، لذلك يحتاج هذا التفسير إلى تعديل، وهو أمر ما زال مجهولًا لنا حتى الآن».
يخطط ماسودا وفريقه لمواصلة البحث عن الأقزام البيضاء الصغيرة في الأنظمة الثنائية المماثلة، لمعرفة المزيد عنها. وأضاف: «آمل أن يساعدنا ذلك على حل لغز هذا النظام، وعلى فهم أعمق للأقزام البيضاء في الأنظمة الثنائية».
اقرأ أيضًا:
علماء الفلك يكتشفون أول دليل مباشر لتصلب النجوم القزمة البيضاء بشكل كريستال
ترجمة: أسامة ونوس
تدقيق: أكرم محيي الدين