اكتشف علماء الفلك في (جامعة وارويك أول دليل مباشر بفضل القمر الصناعي غايالتصلب النجوم القزمة البيضاء إلى بلّورات، وسماؤنا مملوءة بتلك النجوم.

لقد كشفت الملاحظات أنّ البقايا الميّتة لنجوم مثل شمسنا، التي تُدعى الأقزام البيضاء، تمتلك لبًّا من أكسجين صلب وكربون بسبب انتقال الطور خلال دورة حياتها، مثلما يتحوّل الماء إلى جليد، ولكن عند درجات حرارة أعلى من ذلك بكثير. هذا يمكن أن يجعلها أكبر عمرًا بمليارات السنين ممّا كان يُعتقد سابقًا. وقد نُشر هذا الاكتشاف، بقيادة (د. بيير إيمانويل تريمبلاي – Dr. Pier-Emmanuel Tremblay) من قسم الفيزياء بجامعة وارويك (University of Warwick)، في مجلّة (Nature)، ويرتكز إلى حدٍّ كبير على المشاهدات التي أُخذت من القمر الصناعي (غايا – Gaia) التابع لوكالة الفضاء الأوروبيّة (ESA).

قام العلماء بالنظر داخل (قزمٍ أبيض) وما وجدوه كان غير متوقعٍ

الأقزام البيضاء هي من أقدم الأجسام النجميّة في الكون. وهي مفيدة لعلماء الفلك إلى أبعد حدّ، فدورة حياتها التي يمكن التنبّؤ بها تسمح لهم باستخدامها كساعات كونيّة لتقدير عمر مجموعات النجوم المجاورة بدرجة عالية من الدقّة. إنّها النوى الباقية من النجوم العملاقة الحمراء بعد فَنَاء هذه النجوم الضخمة، وهَمْر طبقاتها الخارجيّة، وبرودها باستمرار مع إطلاقها للحرارة المخزّنة على مدى مليارات السنين.

اختار علماء الفلك 15000 مرشّحٍ من النجوم القزمة البيضاء -ضمن نطاق 300 سنة ضوئيّة من الأرض- من المشاهدات التي أجراها القمر الصناعي غايا، وأجروا تحليلًا للبيانات المتعلٌّقة بلمعان النجوم وألوانها. فحدّدوا تراكمًا، أو فرطًا في عدد النجوم عند ألوان ودرجات لمعان محدّدة، لا تتوافق مع أية كتلةٍ مفردة أو عمرٍ زمني. عند مقارنته بالنماذج التطوريّة للنجوم، فإنّ هذا التراكم يتزامن بشدّة مع المرحلة من التطوّر التي من المُتوقّع فيها أن تنطلق الحرارة الكامنة بكميّات كبيرة ما يؤدي إلى إبطاء عمليّة تبريد تلك النجوم. ومن المتوقّع أنّ هذه النجوم قد أبطأت -في بعض الحالات- من شيخوختها بما يصل إلى ملياري سنة، أيّ ما يعادل 15% من عمر مجرّتنا.

قال د. تريمبلاي: «هذا أوّل دليلٍ مباشر على أنّ النجوم القزمة البيضاء تتبلور، أو تنتقل من الحالة السائلة إلى الصلبة. لقد تنبّأ العلماء قبل خمسين سنة بأنّه يجب أن نلاحظ تراكمًا في عدد الأقزام البيضاء عند درجات لمعان وألوان محدّدة نتيجة للتبلور، وقد لوحظ هذا للتوّ». «كلُّ النجوم القزمة البيضاء ستتبلور في مرحلة ما من تطوّرها، بيدَ أنّ النجوم القزمة البيضاء الأكثر ضخامة تخضع لعمليّة التبلور في وقت أبكر. هذا يعني أنَّ مليارات النجوم القزمة البيضاء في مجرّتنا قد استكملت بالفعل هذه العملية وهي بشكلٍ أساسي كرات كريستاليّة في السماء. شمسنا ذاتها ستصبح قزمًا أبيض كريستاليًّا في غضون 10 مليارات سنة».

التبلور هو عمليّة انتقال المادة إلى الحالة الصلبة، التي تشكّل ذرّاتها بنية منظّمة. تحت الضغوط الشديدة في نوى نجوم القزمة البيضاء، تكتظّ الذرات بكثافة حيث تصبح إلكتروناتها غير مقيّدة، تاركةً غاز الإلكترون الموصل، والمحكوم بفيزياء الكم، بالإضافة إلى نوى مشحونة إيجابيًّا بهيئة مائعة. عندما يبرد لُبّ النجم إلى حوالي 10 ملايين درجة مئويّة، تُطلق طاقة كافية لكي يبدأ السائل فيها تصلّبه، مشكّلًا نواة معدنية في لُبّه مع معطف معزّز بالكربون. ويضيف د. تريمبلاي: «ليس لدينا فقط دليل على إطلاق الحرارة عند التصلّب، وإنّما هنالك حاجة كبيرة إلى المزيد من إطلاق الطاقة لتفسير المشاهدات. نعتقد أنّ هذا يرجع إلى أنّ الأكسجين يتبلور أوّلًا، ثمّ يغوص إلى اللّب، وهي عمليّةٌ مشابهة للترسيب في حوض نهرٍ ما على الأرض، ما يدفع الكربون نحو الأعلى، وهذا الفصل سيطلق طاقةً جاذبيّة».

كشف علماء الفلك جسم شبيه بالأرض يدور حول نجم بالقرب منا وهو أمر مثير للدهشة

«لقد خطونا خطوةً كبيرة للأمام نحو معرفة الأعمار الدقيقة لهذه الأقزام البيضاء الأكثر برودة، وبالتالي معرفة أعمار النجوم القديمة في درب التبانة. يرجع الكثير من الفضل في هذا الاكتشاف إلى مشاهدات غايا. فبفضل القياسات الدقيقة التي يستطيع غايا القيام بها، قد فهمنا ما بداخل الأقزام البيضاء بطريقة لم نتوقعها مُطلقًا. قبل غايا كان لدينا (100- 200) من الأقزام البيضاء مع مسافات دقيقة ودرجات لمعان، والآن لدينا 200000. هذه التجربة على المادة فائقة الكثافة هي شيء ببساطة لا يمكن القيام به في أيّ مختبر على الأرض».

ترجمة: رولان جعفر تدقيق: بدر الفراك

المصدر