التلسكوب هو ألة تقوم بجمع الضوء الصادر من الأجرام السماوية البعيدة لتكوين صورة مقربة منها. تتميز جميع التلسكوبات بامتلاكها لما يسمى ب العدسة الشيئية وهي التي تحدد نوع التلسكوب.
تمعن البشر طيلة بقائهم على هذه الأرض في السماء، وتساءلوا عن الأشياء التي يرونها هناك في الأعلى. قبل فترة طويلة عُدّت الشمس والقمر أجسامًا غامضةً يُمكن رؤيتها صباحًا ومساءً، لكن الكواكب كانت تُعد أكثر غموضًا؛ وهذا بسبب بُعدِها الشديد، فلا نستطيع رؤيتها إلا نقاطًا مضيئةً فقط، على عكس الأشياء التي يمكننا رؤيتها على الأرض، والتي يمكن دراستها عن قربٍ، والتحكم بها، والاستماع لها، وشمها، وتذوقها.
اعتمد راصدو السماء قديمًا على طريقةٍ واحدةٍ لتعلم المزيد من الأشياء عن الفضاء، وذلك عبر أعينهم ومخيلتهم، لكن مؤخرًا وفي تاريخ الإنسانية بات الفلكيون قادرين على توسيع مدى رؤيتنا وتخيلاتنا. لقد قاد غاليليو عمليات استكشاف الفضاء الحديثة في بداية القرن السابع عشر، وذلك باستعمال جهازٍ، صُنع خصيصًا لمهمات المِلاحة الخاصة باكتشاف السماء، وكان الجهاز المستعمل آنذاك هو (التلسكوب – Telescopes)، وهو آلة تُستعمل لجمع وتركيز الضوء.
لا يسمح غلافنا الجوي لمعظم الإشعاعات الكهرومغناطيسية بالوصول للأرض، ويسمح بالمقابل بمرور حزمة الضوء المرئي، وأجزاء من الحزمة الراديوية، وأجزاء صغيرة من الأجزاء تحت الحمراء وفوق البنفسجية من خلاله. تستطيع أعيننا الكشف عن الحزمة المرئية (البصرية)؛ لذلك صُنعت جميع التلسكوبات الحديثة لرصد هذا الجزء من الطيف الكهرومغناطيسي، وظل الأمر على هذا الحال حتى أربعينيات القرن الماضي، عندما بدأ الفلكيون برصد جزء آخر من الطيف الكهرومغناطيسي، وهي حزمة الأشعة الراديوية.
لقد مكن تطور تكنولوجيا الفضاء الفلكيين من وضع التلسكوبات خارج نطاق الغلاف الجوي للأرض، واكتشاف كل الأماكن هناك عبر استعمال النطاق الكامل للطيف الكهرومغناطيسي.
أنواع التلسكوبات
هناك نوعان أساسيان من التلسكوبات: العاكسة (Reflectors)، والكاسرة ( Refractors)، يطلق على جزء التلسكوب الذي يجمع الضوء بـ (العدسة الشيئية – Objective )، وهي التي تقوم بتحديد نوع التلسكوب، إذ يستعمل التلسكوب الكاسر عدسةً زجاجيةً لتمثل العدسة الشيئية له، توضع العدسة الزجاجية في مقدمة التلسكوب، وتسبب بذلك انكسار الضوء المار من خلالها. أما التلسكوب العاكس فيستعمل مرآة زجاجية لتمثل العدسة الشيئية له، وتوضع المرآة في نهاية التلسكوب، وتسبب انعكاس الضوء عند اصطدامه بها.
التلسكوبات الكاسرة
يَستعمل التلسكوب الكاسر عدسةً لجمع وتركيز الضوء، وأول تلسكوبٍ تم صنعه كان من النوع الكاسر، والتلسكوبات الصغيرة المُباعة في المتاجر هي من النوع الكاسر بالإضافة لنطاق المسافات المستعمل في البنادق فهو من النوع الكاسر.
مميزات التلسكوب الكاسر:
1. التلسكوب الكاسر صلب، فبعد عملية التنصيب (المحاذاة) الابتدائية يكون نظامه البصري أكثر مقاومة للصدمات من التلسكوب العاكس.
2. السطح الزجاجي داخل أنبوب التلسكوب معزول عن الهواء؛ لذلك هو لا يحتاج للتنظيف دائمًا.
3. نتيجة أن الأنبوب مغلق من الخارج، يكون تأثير تيارات الهواء وتأثيرات تغير درجات الحرارة مستبعدًا، وهذا يعني أن الصورة في الكاسر تكون أكثر ثباتًا، ووُضوحًا من مثيلاتها في التلسكوبات العاكسة المساوية لها في الحجم.
على الرغم من أن التلسكوبات الكاسرة الممتازة ما تزال تُصنع إلا أن عيوبها وقفت عائقًا أمام بناء تلسكوبات كاسرة كبيرة جدًا لاستعمالها في الاستكشافات الفلكية.
عيوب التلسكوب الكاسر
1. تعاني جميع التلسكوبات الكاسرة من ظاهرة (الزيغ اللوني – Chromatic aberration)، وهي انحراف أو تشتت الضوء، تنتج هذه الظاهرة قوس قزح من الألوان حول الصورة، وتنحرف الأطوال الموجية الطويلة (اللون الأحمر) بشكلٍ أقل من الأطوال الموجية الأقصر (اللون الأزرق) خلال مرورها من العدسة؛ وذلك بسبب الطبيعة الموجية للضوء.
تُستعمل هذه الطريقة في المَوْشُور لإنتاج قوس قزح جميل، لكن هل يمكن لهذا أن يُفسد الصورة؟! هناك عدة طرق لتقليل الزيغ اللوني، أحدها يكون باستعمال عدد من العدسات المُصحِحَة لمواجهة هذا الزيغ، والأخرى تكون باستعمال بُعْدٍ بُؤري طويلٍ جدًا – المسافة بين البؤرة والعدسة الشيئية- لتقليل هذا التأثير، ولهذا صُنعت التلسكوبات الكاسرة القديمة طويلة جدًا.
● تعتمد مدى جودة عبور الضوء من خلال العدسة على طبيعة الطول الموجي، فالضوء فوق البنفسجي لا يمر خلال العدسة على الإطلاق.
● تقل جودة عبور الضوء كلما زاد سُمك العدسة.
● من الصعب صنع عدسة زجاجية دون عيوب داخل العدسة، وبانحناء مثالي على جانبي العدسة.
● يمكن تدعيم العدسة الشيئية فقط عند نهايتها، والعدسة الزجاجية ستنحني تحت تأثير وزنها الفعلي.
بسبب هذه العيوب بُني أكبر تلسكوب كاسر في (مرصد يركس – Yerkes Observatory )، وهو يملك عدسة شيئية بقطر 1.02 متر(40 إنشًا) في إحدى نهاياته، إضافةً إلى أنبوب طوله 19.2 متر(63 قدم).
توضح الصورتان في الأسفل أكبر التلسكوبات حجمًا، يظهر في الصورة الأولى رائد الفضاء (كايل كدورث – Kyle Cudworth) وهو يقف بجانب العدسة الشيئية ليعطيك فكرة عن حجم التلسكوب، وفي الصورة الثانية يظهر التلسكوب الكاسر ذو الـ (40 إنشًا) في مرصد يركس.
وفي الصورة الثالثة يظهر(إدوارد إيمرسون برنارد – E.E.Bernard) الذي يقف عند العدسة العينية لـ (تلسكوب ليك- Lick) ذي الـ (36 إنشًا). والصورة الأخيرة للتلسكوب الكاسر ذي الـ0.91 متر (36 إنشًا) الموجود في (مرصد ليك – Lick Observatory ) – لَاحظْ رائد الفضاء أسفل يسار الصورة-.
التلسكوبات العاكسة
يستعمل التلسكوب العاكس المرآة لجمع الضوء وتركيزه، إن كل الأجسام السماوية ومن ضمنها تلك الموجودة في نظامنا الشمسي بعيدة جدًا لدرجة أن كل أشعة الضوء القادمة منها تصل للأرض على هيئة أشعة متوازية؛ لأن أشعة الضوء موازية لبعضها، ومرآة التلسكوب العاكس تكون على شكل قطع مكافئ، تقوم هذه المرآة التي على ذلك الشكل بتركيز الأشعة المتوازية في نقطة واحدة، وتكون تلسكوبات البحث، وتلسكوبات الهواة الكبيرة جميعها من النوع العاكس؛ لتفوقها على التلسكوبات الكاسرة.
المميزات:
1. لا تعاني التلسكوبات العاكسة زيغًا لونيًا؛ لأن كل الأطوال الموجية تنعكس عن المرآة بالطريقة نفسها.
2. يكون تدعيم المرآة الشيئية على طول الجانب الخلفي للتلسكوب؛ لذا من الممكن أن تُصنع هذه التلسكوبات بحجم كبير جدًا.
3. تُعد التلسكوبات العاكسة أقل تكلفة في صنعها من التلسكوبات الكاسرة التي بالحجم نفسه.
4. وجود جانب مثالي واحد من المرآة الشيئية للتلسكوب العاكس، وهذا بسبب انعكاس الضوء عن المرآة الشيئية لا بالمرور من خلالها.
لم تمنع إيجابيات التلسكوبات العاكسة الفلكيين من التعامل مع بعض المساوئ.
عيوب التلسكوبات العاكسة:
1. سهولة وضع النظام البصري خارج المحاذاة.
2. أنبوب التلسكوب العاكس مفتوح على الخارج، والأجزاء البصرية للتلسكوب تحتاج إلى تنظيف مستمر.
3. غالبًا ما تستعمل المرآة الثانوية لإعادة توجيه الضوء في نقطة أكثر راحة للعرض، ما يمكنها مع الأجزاء الداعمة لها أن تنتج تأثيرات انحرافية، فالأجسام المضيئة تمتلك نتوءات تسمى بـ (تأثير نجمة عيد الميلاد).
اقرأ أيضًا:
ترجمة: رياض شهاب
تدقيق: أسماء العجوري