يزداد انقسام مجتمعاتنا إلى مجموعات متعارضة، وتترسخ هذه الانقسامات أكثر فأكثر بمرور الوقت، فلماذا يحدث هذا الانقسام؟
التشابه يجلب الراحة
يقول علماء النفس إنه من الأسهل التمسك بالأشخاص الذين نرى أنهم يشبهوننا، إذ يجب علينا بذل المزيد من الجهد للخروج من هذه الدائرة، لذا نميل إلى الانضمام لأناس يشبهوننا أو يفكرون مثلنا.
نأخذ عادةً أمر التشابه أبعد مما يحتمل حقًا، إذ نفترض أن الأشخاص الذين يشبهوننا في خاصية واحدة يشبهوننا في العديد من الخصائص الأخرى، مثلًا إذا كان شخص ما ينتمي إلى نفس الحزب السياسي أو الدين الذي ننتمي إليه، نفترض أنه مُعجب بنفس الأنشطة التي نقوم بها أيضًا، ولهذا نميل بشدة إلى تصنيف الناس بعمومية تتجاهل التفاصيل.
نريد أيضًا أن نضمن أننا سنعجب الآخرين حتى قبل محاولة التفاعل معهم، ونميل إلى الإعجاب بمن يشبهوننا، ويميلون إلى الإعجاب بنا أكثر من ميل الأشخاص المختلفين، تُعرف حالة اعتبار مجموعتنا هي الأفضل باسم التحيز داخل المجموعة ingroup bias.
التحيز داخل المجموعة مُثبت في أدمغتنا
يرجع النظر إلى الآخرين بنفس العين التي نرى بها أنفسنا إلى جزء من الدماغ يُسمى قشرة الفص الجبهي الإنسي medial prefrontal cortex، وتُسهم أجزاء أخرى من الدماغ في هذا التحيز أيضًا، ونرى نفس السلوكيات بشكل مختلف إذا كان الفاعل من داخل مجموعتنا أو من خارجها.
درس مجموعة من علماء النفس أثر تصريحات السياسيين إبان الانتخابات الرئاسية الأمريكية سنة 2004، تنوع المشاركون في الدراسة بين مؤيدي الحزبين الديموقراطي والجمهوري، يستمع المشارك إلى تصريح معين (مثلًا يقول المرشح أنه سوف يخفض الضرائب)، ثم تصريح آخر لنفس المرشح يناقض التصريح الأول (مثلًا إنه لن تُخفض الضرائب).
يتلقى المشارك هذا التناقض بدرجة أقل إذا كان السياسي ينتمي إلى حزبه المفضل، وترافقت هذه المعالجة المنحازة للمعلومات مع نشاط في مناطق معينة من الدماغ.
كذلك عند الشعور بتهديد مصدره أحد أعضاء مجموعتنا ينشط جزء مختلف من الدماغ عما إذا كان مصدر التهديد من خارج المجموعة، هذا ما أوضحته دراسة أجراها باحثون أستراليون إذ طلبوا من مشاركين غير مسلمين إطلاق النار على صورة لمسلم (لا ينتمي إلى المجموعة) أوغير مسلم (عضو في المجموعة) يحمل في الصورة مسدسًا.
عندما واجه المشاركون صورة العضو المخالف للمجموعة، تنشطت القشرة الأمامية المدارية الجانبية lateral orbitofrontal cortex، لكنها لم تنشط في مواجهة صورة عضو المنتمي للمجموعة.
التحيز داخل المجموعة تضخمه وسائل التواصل الاجتماعي
تزيد وسائل التواصل الاجتماعي عزلتنا عن الآخرين، إذ نميل إلى الاشتراك في الصفحات التي تؤكد وجهة نظرنا فقط، وقد يكون لدى الأشخاص خارج مجموعتنا وجهة نظر مختلفة لكننا لا نتعرض لها، ما يزيد التحيز لمجموعتنا أكثر.
وتنتشر الصور النمطية للأعضاء خارج المجموعة، ونميل حتى لتخمين طريقة تفكيرهم، فقد يفكر الغربيون مثلًا أن من يرتدون ملابس مثل المسلمين يريدون أن يكونوا إرهابيين، أو أن المهاجرين إلى الولايات المتحدة سيسعون إلى استغلال كرم أهلها، ولا تقتصر هذه الصورة النمطية على جعلنا غير مرتاحين تجاه الناس من خارج مجموعتنا، بل قد تُشعرنا بالتهديد.
إن النظر إلى الأشخاص باعتبارهم لا يشبهوننا يخلق عندنا إحساس الخوف والكراهية، وهذا ليس واقعيًّا. نعم، يوجد في المجموعات الخارجية -وحتى الداخلية- إرهابيون واستغلاليون، لكن معظم الناس في المجموعات الخارجية ليسوا كذلك، ومع هذا نستمر في حماية أنفسنا باستخدام الصور النمطية.
رؤية الآخرين بوصفهم أفرادًا مستقلين، لا بوصفهم أعضاء في مجموعات أخرى
لتغيير نظرتنا، يجب أن نتعرض لأشخاص لا نعرفهم في سياقات إيجابية، إذ لا يمكننا البقاء مدى الحياة في حيزنا الآمن، علينا أن نبحث عن الأشخاص الذين لا يشبهوننا، عندها سنرى الآخرين بوصفهم أفرادًا، لا أعضاء في مجموعة خارجية فحسب.
يُعَد السفر أحد طرق تطوير الصور الإيجابية إذ نتفاعل مع الآخرين، قد يكون السفر داخل بلادنا أو خارجها، ومن الطرق الأخرى أيضًا تقديم صور وقصص إيجابية عن أشخاص من مجموعات أخرى في وسائل الإعلام (وتشمل وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون والمجلات والصحف)، وكذلك في المدارس والكنائس والمتاجر.
يحمل التفاعل مع أشخاص مختلفين عنا فوائد عدة، منها تغيير مواقفنا تجاه أعضاء مجموعات خارجية، ويقلل هذا التغيير الصراع، ما يحسن حياة الفرد والمجتمع.
ويُعَد التوسع الذاتي Self-expansion فائدةً أخرى للتفاعل مع من يختلفون عنا، ويعني تطوير رؤية أوسع عن أنفسنا وما نحن قادرين عليه، وذلك بالمشاركة في الأنشطة مع أعضاء المجموعة الخارجية، وبهذا ندمج السمات الإيجابية للآخرين في رؤيتنا.
نحن في حاجة إلى التواصل والتحدث إلى أشخاص آخرين، والأهم إننا في حاجة إلى الاستماع إليهم.
اقرأ أيضًا:
جهازك العصبي يحتفظ بخبراتك السابقة ليغير تصرفاتك القادمة
السياسة أعمت عيونهم: كيف تؤثر الآراء السياسية على علاقتنا مع الآخرين؟
ترجمة: جعفر قيس
تدقيق: محمد حسان عجك
مراجعة: أكرم محيي الدين