تُعتبر العجلة دليلًا مميزًا على الإبداع الإنساني؛ لأن اختراع العجلة هو واحد من أكثر الاختراعات إفادةً للبشرية. تُستخدم العجلة تقريبًا لكل أنواع النقل الحديث -بدءًا من العربات البدائية والدراجات الهوائية والدراجات النارية والسيارات، وصولًا إلى الشاحنات وقطارات الترام والقطارات الحديثة والطائرات-. إن مقولة «العالم قريةٌ صغيرة» أضحت حقيقة بفضل العجلات ؛ فأصبح بإمكاننا أن نختصر مسافات طويلة في وقتٍ قصير. لكن، ألَم تتساءل كيف توصل البشر لهذا الإبداع المميز؟ لم يكن الاختراع إلهامًا طبيعيًا.
عند تتّبع تاريخ البشرية بعناية، سوف تلاحظ أن معظم الاختراعات كانت في الواقع مستلهمة من عالَم الطبيعة؛ على سبيل المثال، إن فكرة المذراة (شوكة المحراث) أتت من الأغصان المُتشعبة في البرية. بشكل مشابه، أوحَت الطيور المُحلِّقة (الطيور التي لا تُحرك جناحيها كثيرًا أثناء الطيران) باختراع الطائرة. أحد أسباب استغراق الإنسان وقتًا طويلًا لاختراع العجلة هو عدم وجود مثال عضوي للعجلة في الطبيعة.
تقترح إحدى دراسات علماء الطبيعة مثل مايكل لا-باربيرا من جامعة شيكاغو أن سوط البكتيريا والنبات المُتدَحرِج وخنافس الروث تقترب أشكالها من شكل العجلة، يدعوها علماء الأحياء بالبُنى المُدولبة، لكنه مصطلح غير دقيق إلى حدٍّ ما؛ لأنها لا تتحرك بشكل كروي أو دائري تمامًا.
اختراع العجلة الأولى
سهَّلت العجلات من وظيفة نقل الحمولات الثقيلة لمسافات طويلة؛ إذ اعتاد الإنسان على نقل هذه الحمولات بنفسه قبل اختراع العجلة. ثم بدأ بترويض الحيوانات، مثل الثيران والأحصنة والحمير والجمال، واستغلها في نقل الحمولات.
تدريجيًا، بدأ الإنسان بنقل حمولاته من خلال جرِّ ألواح خشبية بمساعدة الحيوانات. بعد وقتٍ طويل -بما يقارب 3500 عام قبل الميلاد- ظهرت فكرة عند أحد حكماء الهوموسابيان الذين كانوا يسكنون في بلاد الرافدين (العراق حاليًا)، فقطع قرصًا من جذع شجرة وأحدث حفرةً في منتصفه وكانت العجلة المنتج النهائي -يمكن القول أنها أعظم اختراع في تاريخ البشرية-. وعلى الرغم من ذلك فإن هذه العجلة لم تْخترع للنقل إنما لصناعة الفخّار.
العجلة كَمركبة
بعد فترة قصيرة من استخدام العجلة لصناعة الفخار، استخدم أحدهم عجلتين ليُشكل عربةً صنعها من جذع شجرة، بالإضافة لمحور دوراني مُثَبّت على لوح خشبي. وهذه كانت العربة الأولى في العالم. في هذه العربة، يتحرك كل من العجلات والمحور.
تطور استخدام العجلة بتثبيت المحور على المركبة وترك العجلات تدور بِحرية. كانت أوائل المركبات ذات العجلات عربات الثيران، العجلات الحربية، وكذلك العربات الإلهية ذات الأربع عجلات. اختُرع السلك العجلي (سلك يشكل قطر العجلة) في فترة 2000 عام قبل الميلاد، وخفف من وزن العجلة بشكل ملحوظ.
عجلة كاثرين أو عجلة الموت
إن تقدم العصر الحديث يعود إلى الفضل الكبير للعجلة، لكنها أيضًا أصبحت مصدرًا لموت العديد! في الحقيقة، في فترة العصور الوسطى، كانت «عجلة الكسر» تعبيرًا لعذاب كبير؛ يُمدد المجرم ويُضرب بالهراوة حتى الموت على عجلة ذات حواف حديدية.
في بداية القرن الرابع، قُيدت القديسة كاثرين الإسكندرانية حول حافة عجلة شائكة ودُحرجت على الأرض. وكما يحدث لكل العظماء، انكسرت العجلة بـ «القدرة الإلهية» وكانت القديسة كاثرين قادرة على الهرب. ومنذ ذلك اليوم سُميت عجلة الكسر بـ «عجلة كاثرين».
عجلات الآلات الأبدية
لقرون، حاول العلماء والرياضيون ومصلحو الآلات وحتى الفلاسفة النجاح في صنع الحركة الأبدية؛ وهي عبارة عن جهاز تبقى حركته مستمرة بشكل دائم عندما يبدأ الحركة، مُنتجًا طاقة أكثر مما يستهلك.
أسهل التجارب لتصميم هذه الآلة يكون باستخدام عجلة. عجلة الطاحونة المائية هي مثال على الآلة التي تستخدم التغيرات في الوزن لتدور باستمرار. لكن، بعيدًا عن فكرة التصميم، كل آلات الحركة الأبدية تُخالف قانوني الديناميكا الحرارية الأول والثاني، واللذان ينصان على أن الطاقة لا تفنى ولا تُستحدث، وأن هناك قسمًا من الطاقة ضائع عند تحويل الحرارة إلى عمل.
رُفضت العديد من براءات الاختراع لآلات الحركة الأبدية مِن قِبَل مكتب الولايات المتحدة لبراءات الاختراع؛ لعدم قدرة المخترعين على إنتاج نماذج تعمل.
أول براءة اختراع للعجلة
لأن العجلة اختراع قديم فمن الرائع معرفة كيف مُنحت براءة اختراع العجلة. حاليًا، ووفقًا لتسجيلات مكتب الولايات المتحدة لبراءات الاختراع فإن جيمس ماكومب James Macomb هو أول شخص يحصل على براءة اختراع لعجلة؛ لتصميمه عجلة المياه الجوفية الأفقية لتوليد الطاقة الكهرومائية.
كما أن مكتب براءات الاختراع يعترف بقضية البراءة للمخترع، لأن التسجيل الأصلي لبراءة الاختراع دُمِّر بسبب الحريق المؤسف الذي حدث للمكتب في عام 1836.
ويستمر تقدمنا بالعجلات
بمرور الوقت، حدثت تحسينات هائلة لاختراع العجلة. في يومنا هذا، عادةً ما تُصنع أسلاك العجلات وحوافها من الحديد ثم توضع الإطارات المطاطية والأنابيب حولها. تبعًا لهذه التحسينات، أصبحت العجلة أخف وأكثر كفاءة وذات عمرٍ طويل. ليس من المبالغ القول بأن عالمنا يتقدم بشكل أسرع بفضل العجلات.
اقرأ أيضًا:
محرك الديزل: كيف تعمل محركات الديزل ؟
كيف تتجاوز القطارات المنعطفات؟
ترجمة: محمد يزبك
تدقيق: غزل الكردي