هل شعرت يومًا بالدهشة وأنت تبصر شاحنة زاحفة لأعلى هضبة ما؟ على الأغلب لا! فهذا الأمر يحصل كل يوم. فقط توقف للحظة لتفكر في ما يحدث، كيف بإمكان شاحنة ضخمة محمّلة بوزن أن تقاوم قوة الجاذبية القاهرة باستخدام بضع أكواب فحسب من الوقود؟ بعد تساؤلك هذا، قد توافق على فكرة أن ما تراه جدير حقًا بالملاحظة. يقف محرك الديزل خلف قوة آلاتنا الضخمة ــ الشاحنات، القطارات، السفن وحتى الغواصات. محركات الديزل شبيهة شكلًا بمحركات البنزين (بترول) العادية، لكنها تنتج قوة أكبر، وفعاليتها أكبر كذلك. لنلقِ نظرةً عن كثب على هذا الاختراع المذهل!

ما هو محرك الديزل؟

مثل محرك البنزين تمامًا، يُصنف محرك الديزل ضمن نوع محركات الاحتراق الذاتي. كما يُشير إليه الاسم ببساطة، يحترق الوقود داخل الجزء الرئيسي للمحرك (الاسطوانات) حيث تولد الطاقة.

هذا يختلف جوهريًا عن نوع محركات الاحتراق الخارجي، مثل تلك المستعملة سابقًا في القطارات البخارية قديمة الطراز. نجد في المحرك البخاري نارًا ضخمة على إحدى نهايتي سخان المياه، الذي يقوم بتسخين المياه لتوليد البخار. يمر البخار عبر أنابيب طويلة إلى أسطوانة عند النهاية الأخرى المقابلة للسخان، ليتحرك المكبس إلى الأمام والخلف من أجل تحريك العجلات.

يعتبر هذا محرك احتراق خارجي لأن النار تحترق خارج الأسطوانة (في الحقيقة، على بعد 6-7 أمتار). في محركات البنزين أو الديزل يحترق الوقود داخل الأسطوانات ذاتها.

تُهدر محركات الاحتراق الداخلي طاقة أقل بكثير، فالحرارة ليس عليها أن تذهب بعيدًا عن المكان الذي أنتجت فيه؛ كل شيءٍ يحدث في مكانٍ واحد. لهذا السبب تعتبر محركات الاحتراق الداخلي أكثر كفاءة من نظيراتها ذات الاحتراق الخارجي (فهي تولد طاقة أكبر باستخدام نفس الكمية من الوقود).

ما هو الاختلاف بين محرك الديزل والبنزين؟

يعمل كلا المحركين بالاحتراق الداخلي، مع اختلاف بسيط قليلٍا. يتم ضخ الوقود والهواء في محركات البنزين نحو أسطوانات معدنية صغيرة. يقوم مكبس بضغط هذا المزيج، ما يجعله قابلًا للانفجار، ومع شرارة كهربائية صغيرة من القابس الكهربائي المدمج يشتعل المزيج. يسمح هذا الأمر بإنتاج الطاقة التي تدفع المكبس نحو الأسطوانة (عبر العمود المرفقي والمعدات) وتُحرك العجلات.

محركات الديزل شبيهة بذلك أيضًا، لكنها أبسط. أولًا يُسمح للهواء بالعبور في الاسطوانة حيث يقوم المكبس بضغطه أكثر بقليل من محرك البنزين. يضغط مزيج الهواء والوقود في محرك البنزين إلى حوالي عشر حجمه الطبيعي. بينما يضغط المزيج في محرك الديزل إلى نحو 14 إلى 25 مرة مقارنة بحجمه الطبيعي.

لو قمت يومًا بنفخ عجلة دراجة، ستشعر بارتفاع الحرارة في يديك كلما أطلت استخدام الآلة. ذلك أن ضغط الغاز ينتج حرارة. تخيل إذن حجم الحرارة الناتجة عن ضغط الهواء لحوالي 14 إلى 25 مرة من حجمه الطبيعي. في الحقيقة تصل الحرارة لدرجاتٍ مرتفعة جدًا -على الأقل 500 درجة مئوية- وفي بعض الأحيان تكون الحرارة أعلى من ذلك.

عند ضغط الهواء تُرش قطرات من الوقود نحو الاسطوانة (في المحركات الحديثة) خلال نظام إلكتروني لضخ الوقود، والذي يعمل تقريبًا مثل قنينة رذاذ. يختلف حجم الوقود المنطلق نحو الأسطوانة حسب حجم الطاقة التي يريد السائق توليدها. السخونة المفرطة للهواء تسبب اشتعال الوقود آنيًا لينفجر دون الحاجة إلى الشرارة الكهربائية، ويتسبب هذا الانفجار المتحكم بهِ في رجوع المكبس خارج الأسطوانة، وهذا ما يولد الطاقة التي تقوم بدفع المركبة.

عند خروج المكبس عن الأسطوانة، تندفع الغازات الخارجة خلال صمام استنفاذ خاص، تُكرر العملية نفسها لمئات أو آلاف المرات خلال الدقيقة الواحدة.

كيف يحول محرك الديزل الوقود إلى طاقة؟

1 – المحرك رباعي الأشواط: مثل محرك البنزين يعمل محرك الديزل عبر تكرير دورةٍ من أربع مراحل أو أشواط، يتحرك المكبس خلالها مرتين نحو الأعلى والأسفل (بعبارة أخرى يدور العمود المرفقي مرتين) خلال الدورة الواحدة.

  •  السحب: يتم سحب الهواء (بالأزرق الفاتح في الصورة) نحو الاسطوانة من خلال الجهة اليمنى لصمام مدخل الهواء الملون بالأخضر في الشكل، وذلك عند تحرك المكبس نحو الأسفل.
  •  الضغط: يغلق صمام مدخل الهواء، ليتحرك المكبس صعودًا ويضغط مزيج الهواء وترتفع حرارته. يضخ الوقود (باللون الأزرق الغامق) في الغاز الساخن خلال صمام ضخ الوقود المركزي لينفجر آنيًا.
  •  الطاقة: بانفجار واحتراق خليط الهواء والوقود، يندفع المكبس نزولًا، وهذا ما يسمح للعمود المرفقي (باللون الأحمر) بإرسال الطاقة نحو العجلات.
  •  الاستنفاذ: الصمام الأخضر على اليسار ينفتح ليفسح المجال لإخراج الغازات المستنفذة، وتُدفع خارجًا من طرف المكبس العائد.

2 – المحرك ثنائي الأشواط: في هذا النوع من محركات الديزل تكتمل الدورة بتحرك المكبس صعودًا ونزولًا لمرة واحدة. الأمر المثير أن عدد المراحل في الدورة ثنائية الأشواط هو ثلاثة:

  •  الاستنفاذ والسحب: يسحب الهواء الجديد نحو جهة من الاسطوانة، ليدفع الهواء القديم المستنفذ من الصمام على القمة.
  •  الضغط: تُغلق صمامات الإدخال والإخراج. يرتفع المكبس ويضغط الهواء، ترتفع حرارة هذا الأخير. عندما يصل المكبس إلى قمة الاسطوانة يتم ضخ الوقود الذي بدوره ينفجر آنيًا.
  •  الطاقة: عند انفجار مزيج الهواء والوقود، يُدفع المكبس نزولًا، ما يسمح للعمود المرفقي بإرسال الطاقة نحو العجلات.

المحركات ثنائية الأشواط أصغر وأخف من نظيرتها رباعية الأشواط، وهدفها أن تكون أكثر كفاءة لأنها تنتج الطاقة لمرة خلال كل دورة (بدلًا عن مرة كل دورتين كما هو الحال في محركات الأشواط الأربعة). ما يعني أنها تحتاج إلى تبريد وتزييت أكبر، كما أنها عرضة للتردي بشكلٍ أكبر أثناء الإستخدام.

ما الذي يجعل محركات الديزل أكثر كفاءة؟

محركات الديزل أكثر كفاءة بمرتين مقارنة بمحركات البنزين – حوالي 40%. ببساطة ذلك يعني أنه بإمكانك الذهاب مسافة أبعد باستخدام نفس حجم الوقود (أو ربح كيلومترات أكثر إذا تحدثنا عن اقتصاد الأموال). تتعدد أسباب ذلك. أولًا، تقوم هذه المحركات بضغط أكبر للهواء وتعمل تحت درجات حرارة أكبر.

في هذا الخصوص تقول قاعدة كارنو (Carnot’s Rule) التي تصف كيفية عمل المحركات الحراريّة، أن الفرق بين كفاءة المحركات يكمن في الفرق بين درجات الحرارة التي تعمل عليها. دورة محرك الديزل التي تشهد فرقًا شاسعًا في الحرارة (من أعلى درجة حرارة إلى أدناها) هي أكثر كفاءة.

ثانيًا، تخلي المحرك على نظام الشرارة الكهربائية لصالح تصميم أبسط يقوم بضغط الوقود بشكلٍ أسهل ــ وضغط الوقود بشكلٍ أكبر يجعله يحترق بشكلٍ أفضل مع الهواء في الاسطوانة، مطلقًا طاقةً أكبر.

من الفوارق الأخرى كذلك، أن محرك البنزين الذي لا يعمل بكل قوته يحتاج إلى بنزين أكثر (أو هواء أقل) نحو الأسطوانة ليبقى يعمل؛ بينما لا تملك محركات الديزل تلك المشكلة لأنها تحتاج إلى وقود أقل عند عملها بطاقةٍ منخفضة.

من العوامل المهمة كذلك أن وقود الديزل يحمل طاقةً أكبر بقليل مقارنة بنفس الكمية من وقود البنزين، لأن الجزيئات المكونة لوقود الديزل تملك طاقة أكبر لربط ذراتها مع بعضها البعض (بعبارةٍ أخرى، للديزل طاقة كثيفة أكبر من البنزين). كما يُعتبر الديزل مادة مزيّتة أفضل من البنزين، لذلك يعمل محرك الديزل بشكلٍ طبيعي مع احتكاكٍ أقل.

لماذا يعتبر وقود الديزل مختلفًا؟

وقود الديزل يختلف عن وقود البنزين. يعتبر الديزل من المنتوجات الأقل درجة والأقل تكريرًا من منتوجات البترول، إذ يتكون من هيدروكربونات أثقل.

محركات الديزل البسيطة التي تفتقر لأنظمة ضخ الوقود الحديثة تعمل على أي نوعٍ من الوقود -نظريًا- ومن بينها الديزل الحيوي (نوع من الوقود الحيوي يستخدم بقايا زيوت المواد الغذائية من بين مواد أخرى).

هذا ويذكر أن مُخترع محرك الديزل، رودولف ديزل (Rudolf Diesel)، تمكن من تشغيل محركاته الأولى بنجاح باستخدام زيت الفول السوادني، وظن أن محركه سيُحرر الناس من اعتمادهم على محركات الوقود والبنزين.

اقرأ أيضًا:

ماذا يمكن أن يحدث إذا استخدمنا البنزين في محرك الديزل والعكس بالعكس؟

البكتريا المنتجة للوقود – بكتريا الديزل !

ترجمة: وليد سايس

تدقيق: عبدالرحمن بن خليفة

المصدر