ليس الأمر وكأننا سنقفز عند تصادم النجوم النيوترونية ونحن نحمل أجهزة القياس الحرارية “الثيرمومتر” لقياس درجات الحرارة المهولة المتولدة في قلب التصادم. حسنًا، هناك طرق عديدة بإمكانها أن تكون مفيدةً لقياس درجات حرارة سطح التصادم الخارجي، لكن في الداخل… فالأمر أصعب قليلًا.
بالإضافة إلى حقيقة المعلومة، بأننا وحتى الساعة لم نشهد إلا تصادمًا واحدًا لنجمين نيوترونيين -الذي علمنا عنه- فليس وكأننا نملك العديد من الفرص المثالية والوسائل لتسجيل درجات حرارة تلك التصادمات وكأنها تصادمات سيارات بالطريق السريع.
ولذا فإن علماء الجامعة التقنية في ميونخ بالتعاون مع مركز (GSI Helmholtz) لأبحاث الأيونات الثقيلة تحت مسمى (The HADES collaboration) فكروا بطريقةٍ أكثر إبداعيةً وابتكارًا.
فقد اكتشفوا كيفية محاكاة التصادم بين النجوم النيوترونية هنا على الأرض، وقد كانت الإجابة في نوعٍ مختلفٍ من تصادم الجزيئات.
الأيونات الثقيلة، ولنكون أكثر دقةً فعند توافر ظروف محددة أثناء تصادم الأيونات الثقيلة، تكون الكثافة ودرجات الحرارة مماثلتين تقريبًا لما يكون أثناء تصادم النجوم النيوترونية.
وأيضًا مثل تلك الفوتونات الافتراضية التي تنتج عن تصادم النجوم النيوترونية، فمن الممكن أن تظهر ذاتها عند تصادم أيونين ثقيلين بسرعة عالية تقترب من سرعة الضوء.
مسرع جسيمات IGS للأيونات الثقيلة بإمكانه تنفيذ المهمة، ولكننا سنواجه مشكلتين، أولًا أن تلك الفوتونات الافتراضية لا تظهر إلا نادرًا جدًا، والثانية هي أن هذه الفوتونات ضعيفة جدًا.
يمكن معالجة المشكلة الأولى ببساطة عبر الاستمرار لمزيد من الوقت وعمل المزيد من التصادمات.
وقد قال بخصوصها الفيزيائي ب TUM “يورغن فريسي”: «تحتم علينا تسجيل وتحليل حوالي 3 مليارات تصادم مختلف لنستطيع الحصول في النهاية على 20000 فوتون افتراضي قابل للقياس.»
أما المشكلة الثانية فكانت أصعب قليلًا، وتطلب الأمر من الفريق تصميم كاميرا مخصصة كبيرة تبلغ مساحتها 1.5 متر مربع، لتساعدهم في الكشف عن أنماط إشعاع “شيرنكوف” شديدة الضعف والمتولدة عن نواتج إيجاد الفوتونات الافتراضية.
إنها شديدة الضعف، لا يمكن ملاحظتها بالعين المجردة.
يقول “فريسي”: «ولذا فقد قمنا بتطوير تقنية جديدة للتعرف على تلك الأنماط الإشعاعية، التي تمكننا من رصد صورة بدقة 30000 بيكسل في أجزاء من الألف من الثانية الواحدة باستخدام الأقنعة الإلكترونية.» وأضاف: «هذه الطريقة تستلزم شبكات عصبيةً وذكاءً اصطناعيًا لاستكمالها بشكل نهائي.»
سمح الحصول على هذه البيانات للفريق بالبحث في خصائص المادة عالية الكثافة، التي أُنتجَت معمليًا عبر تصادم الأيونات الثقيلة، ووجدوا أنها تشبه تلك الخصائص المتوقعة للمواد التي تتكون عند اندماج أو اصطدام النجوم النيوترونية.
وبدورهم خلصوا إلى أن نجمين نيوترونيين لكل منهما 1.35 كتلةً شمسيةً عند اصطدامهما ينتج درجات حرارة تبلغ 800 مليار درجة مئوية، أي ما يكفي لدمج وإنتاج النوى الثقيلة.
وهذا ليس كل شيء، فقد سمح البحث بإلقاء نظرة عن كثب على المادة الكثيفة للكواركات (QCD matter)، التي ملأت الكون بعد لحظات قليلة من الانفجار العظيم.
وكتب الباحثون في ورقتهم البحثية: «تحولت بلازما الكواركات والغلوونات -الجسيمات التي تربط النوى ببعضها- إلى نويات وحالات مختلفة من الروابط الهيدروجينية في الكون المبكر.»
وأضافوا: «يُعتقد أن بعض الحالات المشابهة للمواد عند درجات حرارة أقل لا زالت موجودةً داخل الأجسام النجمية المندمجة سابقًا كالنجوم النيوترونية.»
وفي الحقيقة إن الحصول على تلك المادة الكونية عبر صدم الأيونات الثقيلة سيسهل الوصول إلى دراسة التركيب الدقيق لمواد الكواركات الكثيفة “QCD” عند المقاييس الفيمتوية -الفيمتو هو وحدة قياس تعادل الرقم 10 مرفوع للأس السالب 15.
اقرأ أيضًا:
علماء يكتشفون تشابها غريبا بين بنية الخلايا البشرية و النجوم النيوترونية
اسم المترجم: محمد وسيم.
اسم المدقق: سلمى توفيق.