نعلم أن ملكوت الفيزياء الكمومية علم يعمل عند مقياس صغير ومحير للعقل، وبالتالي فإنه من المشوق دائمًا مشاهدة حدوث التفاعلات الكمومية ، وتمكن الفيزيائيون حاليًا من رصد مليارات عديدة من الإلكترونات المتشابكة التي تمر عبر رقاقة معدنية.
الرقاقة هي مزيج من اليتربيوم والروديوم والسيليكون، وذلك ما يعرف باسم «المعدن الغريب»، وهو معدن يخالف التوقعات بتصرفه عند درجات الحرارة المنخفضة للغاية.
وأوضح الفيزيائي سيلك بوهلر باشن Silke Bühler-Paschen من جامعة فيينا للتكنولوجيا Vienna University of Technology في النمسا: «توجد في المعادن الغريبة صلة غير اعتيادية بين المقاومة الكهربائية ودرجة الحرارة».
وأضاف: «على عكس المعادن البسيطة كالنحاس أو الذهب، فلا يبدو أن هذا يرجع إلى الحركة الحرارية للذرات بل بسبب التذبذبات الكمومية عند درجة حرارة الصفر المطلق».
تمثل هذه التذبذبات حرجيةً كموميةً وهي تلك النقطة بين الحالات الكمومية -والتي تكافئ الانتقال بين السوائل والمواد الصلبة والغازات في الفيزياء الكلاسيكية- ويقول الفريق إن سلسلة الإلكترونات هذه هي أفضل دليل حتى الآن على وجود صلة بين الحرجية الكمومية quantum criticality والتشابك الكمومي entanglement.
يقول الفيزيائي قيمياو سي Qimiao Si من جامعة رايس Rice University: «للتفكير بالتشابك الكمومي علينا أن نتخيل أشياءً صغيرة وألا نربطه بالأشياء العينية».
وأضاف: «لكن الأمور عند نقطة حرجة كمومية تصبح شاملةً لدرجة أننا نمتلك فرصةً لرؤية آثار التشابك حتى لو كان ذلك في رقاقة معدنية تحوي على عدة مليارات من الأشياء الكمومية».
كانت التجارب التي أجراها بوهلر باشن وسي وزملاؤه عسيرةً بشكل لا يصدق من نواح عدة، بدءًا من تركيب المواد شديدة التعقيد والمطلوبة لتشكيل المعدن الغريب، وصولًا إلى تحليل طيف التيراهرتز الدقيق والمطلوب لرصد الإلكترونات.
وجد الفريق في نهاية المطاف وبعد عملية مضنية ما كانوا يبحثون عنه، وهو العلامة المنذرة بالحرجية الكمومية والمعروفة باسم تحجيم التردد على درجة الحرارة.
يقول سي: «كانت من الناحية النظرية تجربةً غامضةً حقًا. افحص قطاع الشحن عند النقطة الحرجة الكمومية المغناطيسية لمعرفة ما إذا كان حرجًا، وما إذا كان يحتوي على تحجيم ديناميكي».
وأضاف: «إذا كنت لا ترى أي شيء شامل، ومحجم، فيجب أن تكون النقطة الحرجة نوعًا موصوفًا مسبقًا في المراجع. ولكن إذا رأيت شيئًا مفردًا وهو ما رأيناه بالفعل، فذلك دليل مباشر وجديد على الطبيعة التشابكية الكمومية للحرجية الكمومية».
تشير كل تلك المعلومات الفيزيائية عالية التعقيد إلى الكثير من الإمكانيات، ومنها تقدم كمومي محتمل في الحوسبة والاتصالات وغيرها. افترض العلماء وجود صلة بين التشابك الكمومي والحرجية الكمومية قبل الآن، ولكنها رُصدت الآن.
ما زالت دراسة الحالات الكمومية في باكورة مراحلها لكنها قد تحمل في طياتها طرف الخيط لاستيعاب جميع أنواع العلوم الغريبة كالموصلية الفائقة عند درجة حرارة عالية، والتي يُعتقد أيضًا أنها تستند إلى الحرجية الكمومية.
إن فهم كيفية تحول هذه الأطوار الكمومية يزيد فرصنا بأن نكون قادرين على التحكم بها في المستقبل، وعلى الرغم من أن هذا ما يزال بعيد المنال فإننا اقتربنا خطوةً على الدرب.
يقول سي: «تشير نتائجنا إلى أن نفس الفيزياء الكامنة وراء ذلك –الحرجية الكمومية- يمكن أن ترشدنا إلى منصة لكل من المعلومات الكمومية والموصلية الفائقة عند درجة الحرارة العالية. وعندما يتأمل المرء ذلك الاحتمال فلا يسعه إلا أن يتفكر بعظمة الطبيعة».
اقرأ أيضًا:
كيف يرى جسيم كمومي العالم ؟ أهمية الإطار المرجعي الكمومي للتناظرات في العالم
الكثير من كتلة البروتون يأتي من طاقة الجسيمات الموجودة داخله
ترجمة: رولان جعفر
تدقيق: محمد وائل القسنطيني
مراجعة: آية فحماوي