يظن علماء الأعصاب أنهم وجدوا منطقة مفتاحية في أدمغتنا تساعد على تقييم ما نجده جميلًا وتساعد في تحديد استجابتنا للجمال. يُعرف تقييم الجمال أيضًا بالجاذبية الجمالية ويمكن أن تتصل الجاذبية الجمالية بالإحساس بالذات (النفس) sense of self أكثر مما نتوقع. يظهِر بحث جديد وجود نمط من الأنشطة تحدث فيما يُعرف ب”شبكة النمط التلقائي” DMN – default mode network عندما يسر نظرنا شيءٌ ما -سواء كان قطعةً جميلةً من الفن أو عملًا معماريًا جميلًا أو منظرًا طبيعيًا غير ملموس-.
شبكة النمط التلقائي: هي نظام على مقياس كبير، يتألف من مناطق الدماغ التي تتفاعل مع بعضها البعض، والتي يبدو أنها تلعب دورًا في كيفية تنظيمنا لإحساسنا بذواتنا. تصل هذه الشبكة لأقصى فعاليتها عندما نتأمل ذاتيًا أو نتذكر أو نتخيل.
يجعل هذا ظهور دور لها في الجاذبية أمرًا مثيرًا جدًا للاهتمام، إذ تقترح نتائج التجربة في الدراسة الأخيرة أن المرور بتجربة بصرية مؤثرة بشدة تعالَج بنفس شبكة الدماغ وثيقة الصلة بما نحن عليه كأشخاص.
حسبما يشير البحث الجديد: عندما يعرَض على الناس صور من أعمال فنية أو مناظر طبيعية أو أبنية، تحدِث أكثر الصور تأثيرًا متصاعدًا كبيرًا في نشاط شبكة النمط التلقائي، وذلك بغض النظر عن موضوع الصورة.
يقول عالم الأعصاب إدوارد فيسل من معهد ماكس بلانك في ألمانيا: «نحن لا نعلم بعد فيما إذا كانت شبكة النمط التلقائي تتحكم بهذا العرض، ولكن يتضح أنها تصل إلى معلومات تجريدية تحدد ما إن كانت التجربة جذابة جماليًا أم لا».
أمضى فيسل عدة سنوات لاستكشاف دور شبكة النّمط التلقائي في الجماليات، وأظهرت دراسة قادها في سنة 2012 في جامعة نيويورك أيضًا ارتفاعًا في نشاط شبكة النمط التلقائي عندما تضرب قطعة فنية بشكل خاص على وتر ما، وهذا ما يقترح أن هناك تكاملًا لاستجابات الدماغ الحواسية والعاطفية والشخصية.
في ورقة بحثية متابعة في سنة 2013، اقترح المؤلفون أيضًا أن أعمالًا فنية معينة يمكن أن تلائم الشخص بحد ذاته، إذ تستطيع الوصول لأنظمة دماغية متعلقة مع الذات لا يمكن للمؤثرات الخارجية الأخرى الوصول إليها عادةً. لذا؛ يقترح الباحثون أن هذا ما يثير شعورًا حادًا من المتعة وكأنه «لمس من الداخل».
في هذا السياق، يوضح فيسل ذلك قائلًا: «الذوق في الفن شيء فردي جدًا، ويشعَر به بشدة أيضًا. يمكن أن يكون الفن شخصيًا لدرجة لافتة للنظر!».
على غرار ذلك، وضحها زميله عالم الأعصاب غابرييل ستار مؤخرًا: «عندما يكون الشيء ذا معنى خاص بالنسبة لك، تهتم شبكة النمط التلقائي به».
تقترح مقالتهم الجديدة أن الافتراض هذا يبدو صحيحًا لا بالنسبة للفن فقط، بل للصور الجمالية المحفزة الأخرى أيضًا، وهو تأثير يصفه الباحثون بالمجال العام.
من خلال قياس نشاط الدماغ عند 16 مشارك باستعمال الرنين المغناطيسي الوظيفي، وجد الباحثون أن صور الفن والأبنية والمناظر الطبيعية أظهرت أنماطًا مختلفة من النشاط في مناطق الرؤية من الدماغ، بغض النظر فيما إذا وجد المشاركون الأشياء التي عُرضت مُؤثرة أم لا.
من ناحية الأخرى، كان لشبكة النمط التلقائي استجابة مختلفة، هذه الشبكة كانت هادئة نسبيًا عندما لم يُرَ الشيء جميلًا، ولكن عندما أثارت إحدى هذه الصور استجابة جمالية أقوى، أصبحت شبكة النمط التلقائي نشيطة كمناطق الرؤية في الدماغ، بغض النظر عما عُرض في الصورة.
يقول المؤلفون: «تتماشى تقلبات إشارة شبكة النمط التلقائي مع الأعمال الفنية الجذابة جماليًا، ولكنها تكون مستقلة عند عرض الأعمال الفنية غير الجذابة».
حسب ما يناقش المؤلفون: في أغلب الأحيان، عند النظر إلى أشياء من العالم الخارجي، تكون مناطق الرؤية في الدماغ هي الأكثر نشاطًا، وتُعزل شبكة النمط التلقائي على الأغلب، لكن، تنشط هذه الشبكة فقط عندما يؤثر بنا شيء ما كثيرًا كنشاط مناطق الرؤية.
يقول ستار: «لم تكن المهمة (أيْ مهمة تحديد ما إذا كان اتصال الشيء بالذات أم لا) هي التي أقحمت شبكة النمط التلقائي، بل يبدو فقط أن الفن -الذي يجده الشخص مؤثرًا جماليًا بشدة- أصبح له ارتباط من نوع معين بذاته، وهو ما أقحم شبكة النمط التلقائي».
ما زال دور شبكة النمط التلقائي غير واضح في استجابتنا للجمال، ولكن تقترح النتائج الجديدة أن التجارب البصرية الجمالية المختلفة مرتبطة بطريقة ما بالإحساس بالذات في الدماغ.
يرجو الباحثون رؤية ما إذا كانت أنماط النشاط ذاتها تمتد إلى الموسيقا والشعر والمؤثرات الخارجية الأخرى التي يمكنها التقاط إحساسنا بالرهبة.
اقرأ أيضًا:
الدماغ يعيد استشارة نفسه قبل اتخاذ أي قرار
شبكة النمط التلقائي: شيفرة عالمية في أدمغتنا تحدد ما نراه جميلًا
ترجمة:عمر نبواني
تدقيق: محمد حسان عجك
مراجعة: تسنيم الطيبي