للمرة الأولى، أظهرت النسيج الدماغي من الأدمغة المزروعة في المختبر نشاطًا كهربائيًا تلقائيًا مماثلًا للذي يظهره الدماغ البشري الطبيعي. ولنكن أكثر تحديدًا، يشبه النشاط الكهربائي الذي تظهره أدمغة الأطفال الخدج.
يحمل هذا الاكتشاف الهائل احتمالات واعدة كثيرة لدراسة التطور البدئي لاضطرابات الدماغ، ما أشعر العلماء بالتردد.
يطلَق على هذه الأدمغة المزروعة في المختبر مصطلح الأورجنويد Organoids، تُعرف بكونها نسخًا مصغرة وبسيطة ثلاثية الأبعاد لأعضاء ينميها العلماء في المختبر في ظروف خاصة، تُستخدم في الأغراض العلمية المختلفة كاختبار الاستجابة لدواء معين أو معاينة نمو الخلايا تحت ظروف معاكسة.
قُدم البحث لأول مرة في نوفمبر عام 2018، والآن نُشر في مجلة Stem Cell بعد استعراضه ومراجعته من قبل العلماء.
يقول عالِم الأعصاب أليسون موتري من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو: «مستوى النشاط العصبي الذي رأيناه غير مسبوق في المختبر، تفصلنا خطوة واحدة فقط من أن يكون لدينا نموذج يمكنه بالفعل توليد هذه المراحل المبكرة من شبكة عصبية متطورة»
يطور موتري الارجنويدات الدماغية في مختبره منذ سنوات، لكن هذه هي المرة الأولى التي يشاهد فيها هو وفريقه نشاطًا يشبه نشاط العقل البشري.
نمت هذه الأدمغة من الخلايا الجذعية التي يمكنها أن تتمايز إلى أي نوع من الخلايا. حُفزَت هذه الأهداف على التطور لتصبح خلايا تشكل القشرة الدماغية التي تتولى مهام عديدة كالذاكرة والإدراك والفكر والمعالجة الحسية. يمكنك مشاهدة مقطع عرضي لأحد هذه الارجنويدات أدناه.
زُرعت المئات من هذه الأدمغة الضئيلة في بيئة زراعية لما يزيد عن عشرة أشهر، مع التأكد من التعبير الكامل للجينات المناسبة لنمو وتطور الدماغ. خضعت الأدمغة للمراقبة المستمرة بواسطة التخطيط الكهربائي للدماغ EEG.
وبمرور ستة أشهر، ذكرت مجلة Nature أن الأدمغة الصغيرة بدأت بإظهار نشاط دماغي مفعم بالطاقة، يفوق أي ملاحظة سُجلت سابقًا من قبل الفريق.
وعند تحليل هذا النشاط، لم يكن بدرجة التنظيم الذي يظهرها دماغ الفرد البالغ. ولكنها كانت مظهرًا لنوع آخر من الأنشطة الدماغية. كانت هناك أنماطٌ مشتركة مع تلك التي يمكن رؤيتها في أدمغة الأطفال الخدج.
خلال الـ 28 أسبوعًا الماضية، بدأت الأدمغة المزروعة أو الأورجنويدات تنمو في مسار مشابه لدماغ طفل من نفس العمر.
لا تطابق الأورجنويدات أجزاء الأدمغة البشرية الفعلية تمامًا – فهي صغيرة الحجم ومبسطة، بالإضافة أنها لا تتصل بمناطق دماغية أخرى. وهي مصممة بطريقة ينقصها العديد من البروتينات الضرورية للوظيفة الطبيعية للخلايا العصبية.
يمثل هذا الاكتشاف خطوةً كبيرة للأمام نحو فهم أفضل لنمو الدماغ، فليس من السهل الحصول على أدمغة الأطفال الخدج، وإن كانت أدمغة البالغين أكثر تعقيدًا.
سيواصل الباحثون تطوير هذه الأدمغة لرؤية إذا كانت ستنضج أكثر. ولكن أثار هذا قلق ومخاوف البعض، لأن الاستمرار في تطوير وإنضاج الأدمغة قد يصل إلى مقربة من تطوير وعي خاص بها، ولك أن تتخيل وعيًا في أنبوبة داخل مختبر!
إلى الآن لم يُظهر أي من الأدمغة أي دلالات للوعي ولكن قد يكون هذا احتمالًا واردًا بتقدم التجارب.
عند عرض البحث عام 2018، أخبر عالم الأعصاب كريستوف كوخ في معهد آلن في مدينة سياتل مجلة Nature أنه كلما اقتربوا أكثر وأكثر من تطوير دماغٍ يوازي دماغ الأطفال الخدج، وجب أن يقلقوا بشأن تطوير هذه الأدمغة لوعي خاص بها.
أبدى الباحثون ارتياحهم بشأن هذه النقطة، إذ إنهم يسيطرون على هندسة وتصميم هذه الأورجنويدات، فهم يثبطون الوظائف الاعتيادية لها ويعملون بحذر. ومع ذلك، إن أظهر أي من هذه الأورجنويدات علامةً للوعي فسيضطرون إلى إلغاء المشروع كليًا.
مقالات ذات صلة:
هل ترى ما أراه؟ الباحثون يُسَخِرون موجات الدماغ لإعادة بناء الصور لما نتصوره2
يمكن للمجالات المغناطيسية التحكم عن بعد بخلايا أدمغة الفئران
هل قدرتنا على الاختيار ناشئة عن تذبذبات عشوائية في الدماغ؟
ترجمة: مرتضى أحمد جبار
تدقيق: غزل الكردي
مراجعة: نغم رابي