توصلت دراسة جديدة إلى أن العمليات الأيضية المتعلقة بالشحوم لدى الرجال في عمر العشرين تتغير عندما ينامون خمس ساعات فقط في الليل. تبدأ أجسامهم بتخزين البروتينات الشحمية الغنية بالشحوم الثلاثية المرتبطة بالبنى السادة للأوعية الدموية، والصفائح الشحمية شديدة الخطورة في الشرايين بدلًا من التخلص منها. وجد بحث إضافي أن معدل الذين لا ينالون القدر الصحي من النوم كل ليلة في زيادة مستمرة.
- ربط الباحثون بين الحرمان من النوم لفترة طويلة وبعض المشكلات الصحية الخطيرة مثل: ارتفاع ضغط الدم، والبدانة، والسكري، وضعف الجهاز المناعي.
نحن لا ننال كفايتنا من النوم. وهذا ما يؤثر على حياتنا اليومية وعلى صحتنا على المدى الطويل. تضيف الأبحاث الحديثة أدلة تفسر تأثيرات الحرمان من النوم المكتشفة منها والمحتملة، والتي تمتد من صحتنا العقلية إلى كيفية تخزين الشحوم في الجسم.
بالإضافة إلى تأثيرها على صحة الفرد والمجتمع في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص. ووثق الباحثون جيدًا تأثير الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم في تقوية جهاز المناعة، وترافقه مع انخفاض نسبة الأمراض القلبية الوعائية والأمراض الأيضية مثل البدانة وداء السكري من النمط الثاني.
يرى الباحثون في جامعة ولاية بنسلفانيا أن إحدى الطرق التي يؤذينا فيها الحرمان من النوم هي تقليل شعورنا بالشبع حتى بعد تناولنا لعشاء غني بالشحوم.
نُشرت مؤخرًا دراسة في الصحيفة Journal of lipid Reasarch مضمونها: كيف أثر الحصول على خمس ساعات من النوم ليلًا لمدة أربع أيام في الأسبوع، متبوعةً بنوم معوض لمدة عشر ساعات في ليلة واحدة على صحة 15 رجلًا في عمر العشرين، وبالتحديد كيف أثر هذا على ارتفاع شحوم الدم لديهم بعد الطعام، أو ارتفاع نسبة البروتينات الشحمية الغنية بالشحوم الثلاثية لديهم التي ارتبطت بالبنى السادة والصفائح الشحمية خطيرة العواقب في الشرايين.
لم تكن نتيجة هذا البحث مبشرةً، إذ قال البروفيسور أورفيوس باكستون أحد المحررين الرئيسيين في هذه الدراسة: «لم يطرد الجسم الشحوم وإنما عمل على تخزينها».
لم يتمكن الخبراء بعد من تحديد السبب الذي يجعل من النوم لمدة غير كافية مشكلةً صحية، لكنهم توصلوا إلى أن الإرهاق الناجم عن العمل ينعكس سلبًا على النوم، والحرمان من النوم بدوره يجعل أداء وظائفنا أكثر إرهاقًا.
وجدت دراسة أخرى عمل عليها باحثون من جامعة بول ستايت أن ثُلث العاملين الأمريكيين ينامون لأقل من سبع ساعات، وأن هذه النزعة تزداد سوءًا مع مرور الوقت، فخلال هذه الدراسة عمل الفريق تحت قيادة بروفيسور علم الصحة Jagdish Khubchandani على تحليل بيانات 150,000 عامل أمريكي بالغ بين عامي 2010 و2018، ووجدوا أن 31% منهم تقريبًا لم ينالوا كفايتهم من النوم في عام 2010، وارتفعت هذه النسبة إلى 36% تقريبًا خلال السنوات الثمانية اللاحقة، وكانت النسبة متماثلةً بين الرجال والنساء، مع ملاحظة ارتفاعها لدى بعض الأعراق والمهن.
يقول Khubchandani: «يُعد هذا الاكتشاف مهمًا، إذ تعاني الولايات المتحدة من نسب مرتفعة في الأمراض المزمنة تصيب كافة الأعمار، ويرتبط العديد من هذه الأمراض بمشاكل في النوم».
ما الفئات التي تنال أقل قسط من النوم ؟
وجد الباحثون أن هذه النسبة كانت أكثر ارتفاعًا لدى الأمريكيين الأفارقة ومتعددي الأعراق، إذ تجاوزت هذه النسبة 45% لكل مجموعة منهم على المستوى العرقي.
وصلت هذه النسبة إلى نحو 45-50% لدى العاملين في مجال العناية الصحية والشرطة بالإضافة إلى المجال العسكري، وإلى 41% لدى العاملين في المواصلات ونقل البضائع والمهن الإنتاجية.
يشير Khubchandani إلى أن النوم لمدة غير كافية يترافق مع مشاكل جسدية وعقلية، ومع معدل الإصابة بالجروح، وانخفاض نسبة الإنتاج، وارتفاع معدل الوفيات المبكرة. وأنه لا يوجد سبب معروف وحاسم وراء انخفاض نسبة الأشخاص الذين ينالون كفايتهم من النوم.
يقول Khubchandani: «نرى أن أماكن العمل تتغير مع ازدياد ساعات عمل الأمريكيين، ويميل الناس إلى السهر في الليل أكثر مع ازدياد وصولهم إلى الأجهزة الالكترونية واستعمالها»، وأضاف: «أضف إلى ذلك أن الازدياد التدريجي لمستوى إرهاق الموظفين في الولايات المتحدة في أماكن عملهم، وانتشار الأمراض المزمنة يمكن أن يكونا مرتبطين باستمرار حرمانهم من النوم».
ويرى Khubchandani أن على أصحاب العمل اتخاذ إجراءات تحرص على نيل موظفيهم كفايتهم من الراحة، وأشار إلى أهمية هذا الأمر في قوله: «نحن جميعًا نعاني عندما يكون سائقو الحافلات والشاحنات والأطباء والممرضين في حالة حرمان من النوم».
يدرك العاملون في المجال طبي هذا الأمر، لكن جداولهم المزدحمة وساعات عملهم الطويلة تجعل الحصول على سبع ساعات من النوم ليلًا يوميًا أمرًا صعب التطبيق، فتقول الطبيبة شانون ماكيكاو Shanon Makekau: «نحن أسوأ المذنبين في هذا الأمر».
موضحةً أن النوم لمدة غير كافية يمكن أن يؤثر سلبًا على تفكيرنا واستجابتنا، ويتضمن أيضًا تشتيت الانتباه وضعف الذاكرة، وتضيف: «للأسف تؤثر قلة النوم أيضًا على المزاج»، كما تقول إنه وعلى المدى الطويل تنخفض جودة الحياة وتزيد نسبة حصول الحوادث مع ازدياد عدد الساعات المفقودة من الراحة.
يمكن أن ينعكس الحرمان من النوم سلبًا على الجسد؛ فيؤدي إلى البدانة وداء السكري؛ بالإضافة إلى ارتفاع ضغط الدم وضعف الجهاز المناعي وانخفاض الرغبة الجنسية وارتفاع معدل الموت بشكل عام أكثر من أي حالة طبية أخرى. أما ذهنيًا فيمكن أن يؤدي إلى القلق والإحباط والذهان وفي حالات أخرى يؤدي إلى هلوسات.
يمكن أن يُترجم الحرمان من النوم لدى الأطفال إلى فرط نشاط قد يختلط في تشخيصه مع اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط )ADHD) Attention deficit hyperactivity disorder .
تقول ماكيكاو: «نتكلم دائمًا عن الحفاظ على صحتنا عبر اتباع الحمية وممارسة التمارين الرياضية، ولا نذكر النوم الكافي لكوننا نعده من البديهيات».
زمن التعرض للشاشات (زمن الشاشة) يؤثر أيضًا على نومنا:
أحد أبرز أسباب افتقاد النوم التي يخبر ماكيكاو الناس بها هي الواجبات الاجتماعية التي تتضمن الاستعمال الزائد للأدوات التكنولوجية الشخصية بهدف مواكبة آخر التطورات على وسائل الإعلام.
تصدر هذه الشاشات المنتشرة في كل مكان من هواتف ذكية وحواسيب وتلفازات ضوءًا أزرق يعبث في نمط نومنا. تقول ماكيكاو: «يصعب هذا عملية إطفاء دماغنا، لذا علينا منح أدمغتنا وقتًا للراحة». لذا يوصي الخبراء بتجنب هذه الشاشات المشعة لساعة أو ساعتين قبل الخلود للنوم.
يمكن أن نستغل هذه التكنولوجيا في مساعدتنا على النوم من خلال ضبط المنبه على وقت معين نختاره للذهاب للنوم على سرير مريح في غرفة مظلمة، ويمكن استخدام أجهزة مثل Fitbit لمراقبة عادات النوم، فتقول ماكيكاو: «في ظل هذه التكنولوجيا المحيطة بنا يجب أن نستغلها للاستفادة منها بدلًا من الغرق في أضرارها».
اقرأ أيضًا:
النوم والانتظام والمشاكل السلوكية في الطفولة
لماذا نشعر بالتعب دائمًا رغم حصولنا على عدد كافي من ساعات النوم؟
النوم ليلًا لمدة تزيد عن 8 ساعات قد يكون علامة تحذير قاتلة.
ترجمة: رضوان مرعي
تدقيق: محمد الصفتي
مراجعة: آية فحماوي