أيها الباحثون عن حياة فضائية ذكية ، توقفوا عن استخدام معادلة دريك . في رحلة البحث عن الحياة خارج كوكب الأرض ، هناك معادلة تدعى (معادلة دريك)، تستخدم دائمًا لتقدير عدد الكواكب التي تستضيف حياة ذكية في مجرّتنا: (درب التبانة). طُوِّرَت هذه المعادلة من قِبل عالم الفلك فرانك دريك عام 1961 خلال وقت قصير نسبيًا، عندما كان دريك سيشارك في أحد المؤتمرات وكان يرغب في أن يطلع المؤتمرون عليها قبل انعقاد المؤتمر المذكور.
مفاهيم بسيطة ولكن!
تبدأ المعادلة بمفاهيم بسيطة، مثل معدّل تكوين النجوم ونسبة النجوم التي تمتلك كواكب تدور حولها، لكنها تنتقل بسرعة إلى مسائل شائكة، وتتطرّق مثلًا إلى احتمالية تطوّر الحياة إلى حياة ذكية مثل البشر وما هي نسبة تلك الكواكب التي ترسل إشارات الصداقة إلى الفضاء، فتدعونا نحن أبناء هذه الأرض إلى محادثة لطيفة.
من المفترض أن تطبيق هذه المعادلة سيعطي قيمة معينة أو -في أسوأ الأحوال- مجموعة من القيم تتنبأ بالعدد الإجمالي للكواكب التي تستضيف الحياة الذكية والجاهزة للمحادثة في المجرة. معادلة دريك بسيطة، تعتمد أساسًا على سبعة مكوّنات فقط، كما أن التحسينات الإضافية من باحثين آخرين لم تغيّر هذا الرقم بشكل كبير. لذلك قد يعتقد البعض أنّنا نحتاج فقط إلى قياس أو تخمين عدد قليل من المعطيات، ولكن تبيّن فيما بعد أن هذا الاعتقاد ساذج للغاية، فالحقيقة ليست بهذه البساطة.
التقديرات والقياسات العلمية تحتوي دائمًا على درجة محدّدة من عدم اليقين، خصوصًا علوم الفضاء. كلما زادت دقة القياس أو الحساب، يضيق هامش عدم اليقين. في مجال الفضاء، كمّية المعرفة لديك أقل أهمية بكثير من مدى تحقّقك منها. النقطة المحورية في أي نقاش علمي تكون في حيز عدم اليقين وكيفية تقديره، ولإسقاط ادّعاء علمي ما، لا يتعيّن عليك مهاجمة عناصره، لكن يمكنك ببساطة التشكيك في دقتها.
معادلة تنقصها الدقة!
بالنسبة لمعادلة دريك، ليس لدينا أي فكرة عن حالات عدم اليقين المرتبطة بأي من عناصرها. ما هي نسبة الكواكب التي قد تستضيف الحياة؟ صفر في المئة؟ 100%؟ في مكان ما بينهما؟ هل هي 50% زائد أو ناقص 5%؟ يؤدي عدم اليقين المرتبط بعنصر واحد من عناصر المعادلة إلى إغراقها برمّتها.
إذا تمكنّا من قياس معدّلات تكوين النجوم بدقة كبيرة وهامش صغير من عدم اليقين، وراقبنا المياه السائلة على أسطح الكواكب قد تعتقد أنّنا نحقق تقدّمًا جيّدًا لتحقيق معادلة دريك، ولكن طالما هنالك عنصر واحد من عناصر هذه المعادلة غير دقيق -هامش عالي من عدم اليقين- فإننا لم نحقق أي تقدم.
لإنتاج تقدير دقيق لعدد الكواكب التي تستضيف حياة ذكية في مجرّتنا باستخدام معادلة دريك، لا يكفيك فقط توقّع قيم عناصرها، بل عليك معرفة هامش الخطأ لكل قيمة. ولأن معظم المعايير لا تعتمد على كمّيات قابلة للقياس، فإن أفضل ما يمكنك فعله هو رفع يديك في الهواء.
كل بضعة أشهر، تدّعي ورقة جديدة تنطوي على بعض متغيّرات معادلة دريك أنها تضع بعض التقديرات المعقولة لهوامش خطأ عناصر هذه النظرية وتتنبأ بعدد معين من الحضارات الفضائية. في بعض الأحيان، تدّعي الصحف أن المجرة تعج بآلاف الحضارات الذكية، وفي أحيان أخرى، يقول البحث إننا وحيدون تمامًا.
عندما حاول دريك وزملاؤه استخدام هذه النظرية للمرة الأولى ألقوا تقديرات تتراوح بين 1000 و100,000,000 من هذه الحضارات، وكل هذه التقديرات غير دقيقة. ببساطة، إن معادلة دريك مبنية على عدد كبير من الافتراضات، وحتى يتم التحقق من هذه الافتراضات، لا يمكننا الوثوق بها.
دعونا نتحدث
حسنًا، لا يمكننا مقاربة معادلة دريك كمعادلة فيزياء، أي أنّنا لا نستطيع استخدامها بالطريقة نفسها التي نستخدم بها شيئًا مثل قانون نيوتن الثاني، معادلات النسبية العامة، أو معادلات ماكسويل للكهرومغناطيسية. لكن ربما يمكن اعتبارها معادلة فلسفية، للمساعدة في توجيه تفكيرنا ومساعدتنا في التنقّل في المياه العكرة لسؤال وجودي عميق جدًّا.
ولكن ما فائدة إدخال معادلة دريك في مثل هذه المناقشات الفلسفية؟ هل نحن حقًّا نطوّر أو نصقل تفكيرنا؟ ما هي ميزة استبدال معضلة واحدة كبرى -عدد الكواكب ذات الحياة الذكية في الفضاء- بمجموعة مسائل صغرى ولكن ليس من الأسهل حلّها؟ نعم، إن تحويل مشكلة كبرى إلى مشكلات أصغر هو تقنيّة شائع في العلم، ولكن هذه التقنية تعمل فقط إذا كان من الأسهل معالجة المشكلات الأصغر بشكل فردي.
تستمر اليوم رحلة البحث الفعلية عن الحياة خارج الأرض. البعثات المزمع إرسالها للأقمار الجليدية في العوالم الخارجية، التي قد تحوي محيطات مائية شاسعة. تطوير التكنولوجيا القادرة على اكتشاف أي بصمة حيوية في كواكب خارج المجموعة الشمسية هي أمثلة على ذلك. هل ساعدت معادلة دريك في أي من هذه التطورات؟ بالطبع لا .
في حين أن معادلة دريك قد حفّزت المناقشة العلمية المبكرة للبحث عن ذكاء خارج الأرض، فإنه ليس لديها قيمة كبيرة وراء ذلك. لا يمكننا استخدامه لزيادة فهمنا، ولا يمكننا استخدامها لتوجيه تفكيرنا في رحلة البحث عن حياة ذكية في المجرة. إن عدم اليقين الهائل في المعطيات يسلبها أي قيمة تنبؤية. التنبؤ هو في قلب العلم. التنبؤ هو ما يجعل الفكرة مفيدة. وإذا كانت الفكرة غير مفيدة، فلماذا نحتفظ بها؟
للمزيد نرجو مشاهدة هذين الشريطين
اقرأ أيضًا:
قد يكون هذا العنصر المفقود لنشأة الحياة
مسؤول في ناسا : الحياة في الفضاء أكثر احتمالية مما اعتقدنا !
الحياة فوضوية: ما هي الانتروبيا ( مقياس الفوضى ) ؟
العلماء يكشفون عن المحيط الحيوي الجوفي – الحياة تحت سطح الأرض
ترجمة: أسامة أبو إبراهيم
تدقيق: علي فرغلي