أظهرت دراسة حديثة نشرتها مجلة (الشخصية والاختلافات الفردية) أن الأشخاص الذين يمتلكون مستويات عالية من سمات الشخصية السيكوباتية (المضطربة نفسيًا) قد يحركون رؤوسهم بدرجة أقل في أثناء التحدث مقارنة بالذين لديهم درجات أقل من الاضطراب النفسي.
وفقًا لمؤلفي الدراسة فقد تم تحديد هذا النمط الدقيق من التواصل غير اللفظي سابقًا عند المضطربين نفسيًا من الذكور، وتشير النتائج إلى أن نفس هذه الميول تنطبق أيضًا على النساء.
يتميز الاضطراب النفسي بتركيبة من العجز العاطفي مثل القسوة وعدم الشعور بالندم، إضافةً إلى الاضطرابات السلوكية مثل الكذب المرضي والتلاعب.
وكثيرًا ما يُظهر هؤلاء الأشخاص الاندفاع الزائد وعدم المسؤولية، ومع إن تحديد أن الشخص مضطرب نفسيًا أمر صعب بسبب قدرته على إخفاء هذه الخصائص المعادية للمجتمع، فقد حددت الأبحاث السابقة عددًا من علامات الإفصاح المدهشة في لغة جسد المضطربين نفسيًا. فيميل مثلًا الرجال ذوو المستويات العالية من الاضطراب النفسي إلى استخدام إشارات اليد أكثر مقارنةً بأولئك ذوي المستويات المنخفضة، بينما رُبطت الومضات القصيرة لطرف العين أيضًا بهذه الحالة.
حُدِّد تقليل حركة الرأس في أثناء المقابلات بوصفه علامة إفصاح محتملة أخرى لدى الرجال المضطربين نفسيًا، وقد أجريت أبحاث قليلة جدًا على النساء في هذا المجال، ولملء هذا الفراغ صوّر مؤلفو الدراسة مقابلات سريرية مع 213 امرأة مسجونة، وأجرَوا استبيان اضطراب نفسي لتقييم الدرجة التي تحقق فيها كل مشاركة معايير تشخيص هذا الاضطراب.
ثم استخدموا خوارزمية آلية لمراقبة حركة رأس كل امرأة في كل فيديو، فوجدوا عمومًا أن النساء اللاتي كانت لديهن معدلات أعلى من الاضطراب النفسي كنّ أكثر ثباتًا في حركة رؤوسهن مقارنة بذوات المعدلات المنخفضة.
قضَت المشارِكات وسطيًا 40% من وقت المقابلة ورؤوسهن ضمن نطاق الحركة المعتدلة بعيدًا عن وضعها الطبيعي المتوسط، وأبقت النساء المضطربات نفسيًا رؤوسهن ضمن نطاق الحركة الدنيا في أغلب فترة المقابلة.
قضاء وقت أطول مع حركة رأس ضمن هذا النطاق المنخفض كان مرتبطًا إيجابيًا بدرجات الاضطراب النفسي، بينما كان الوقت المقضي في نطاق الحركة المعتدلة مرتبطًا سلبًا بالحالة.
أشار مؤلفو الدراسة استنادًا إلى هذه الملاحظة إلى أن نتائجهم قد تساعد على تحديد نمط فريد من ديناميات حركة الرأس المميزة للنساء ذوات المعدلات العالية من الاضطراب النفسي، وبالتحديد كشفهم لوضع الرأس الثابت أكثر في أثناء إجراء المقابلات السريرية.
مع ملاحظة أنه غالبًا ما يكون من الصعب تحديد شخص مضطرب نفسيًا باستخدام السلوك وحده، يشير الباحثون إلى أن الانتباه للإشارات غير اللفظية قد يكون ذا أهمية خاصة عند دراسة مجموعة من السلوكيات التي تكون مضللة بطبيعتها.
وحول أسباب الاضطراب النفسي اقترح باحثون من جامعة أكسفورد وكلية لندن الجامعية أن نقصان النشاط في مركز التعاطف بالدماغ قد يفسر أنواع الشخصية السيكوباتية (المضطربة نفسيًا).
فقد حددوا الجزء من الدماغ الذي يتعلم السلوك الاجتماعي الإيجابي، ويُعتَقد أن النشاط الضعيف في هذه المنطقة قد يساهم في اضطرابات الشخصية المعادية للمجتمع والشخصية السيكوباتية (المضطربة نفسيًا).
أما السلوك الاجتماعي الإيجابي، فيشير إلى الأفعال التي تهدف إلى فائدة الآخرين، وهو أمر بالغ الأهمية لنجاح المجتمعات، وعلى هذا النحو كان لا بد من تطوير آليات عصبية محددة لدى البشر تمكنهم من اتخاذ قرارات مختلفة وليست فقط للمنفعة الشخصية، وتميل مستويات الإيثار إلى التباين في مختلف الجماعات، فبعض الناس تعاطفهم عالي مع الآخرين، بينما يميل آخرون للفتور والقسوة. ووُجِدَ أن التعاطف محرك رئيسي للسلوك الاجتماعي الإيجابي، بينما يرتبط نقص التعاطف بشخص مضطرب نفسيًا مثل الشخصية السيكوباتية.
استخدم الفريق تصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) لمراقبة نشاط الدماغ واستكشاف الآليات العصبية التي تربط التعاطف بالسلوك الاجتماعي الإيجابي، وذلك في تجربة توجب على المشاركين تعلم أي الرموز توافق مكافأة نقدية لأنفسهم، وأي منها ينتج عنه منح هذه المكافآت لأشخاص آخرين.
وصفت المؤلفة المشاركة في الدراسة باتريشيا لوكوود النتائج في بيان قائلة: «إن جزءًا محددًا من الدماغ يسمى قشرة سينجيوليت الأمامية السفلية كان الجزء الوحيد من الدماغ الذي ينشط عند تعلم مساعدة الآخرين».
وأشارت لوكوود بعد تقييم مستويات التعاطف لكل مشارك في التجربة إلى أن هذه المنطقة من الدماغ لم تكن نشطة بالتساوي في كل شخص.
يدّعي الباحثون انطلاقًا من هذه النتيجة أن المستويات غير الطبيعية للنشاط المتدني في هذا الجزء من الدماغ قد يفسر السبب الذي يجعل بعض الأشخاص يعانون من نقص في التعاطف أو يعانون من الحالات النفسية المتسمة بالميول المعادية للمجتمع كالسيكوباتية.
اقرأ أيضًا:
قد يشير فحص الاضطرابات النفسية إلى مخاطر الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية
الجينات وراء خمسة من الاضطرابات النفسية
ترجمة: رشا الخضر
تدقيق: تمام طعمة
مراجعة: محمد حسان عجك