يتعرض المريخ للقصف الإشعاعي، ومع انعدام درع المجال المغناطيسي أو غلاف جوي سميك كما في حالة الأرض، فإن الشعاع القادم من الفضاء يسير مستقيمًا دون عوائق تقريبًا حتى يبلغ سطح المريخ ، حيث تتجول آلاتنا وسفننا الفضائية وتتعرض لكل تلك الإشعاعات دون أن تتضرر، لكن هذا الكم من الإشعاع مميت للبشر.
كيف يتعامل المستكشفون البشريون مستقبلًا مع ذلك؟
سيحتاجون إلى ملجأ بالتأكيد، إمَا أن يُجلب من الأرض وإما أن يُبنى هناك بطريقة ما، أو لعلهم يستفيدون من الخصائص الطبيعية لسطح المريخ لحمايتهم.
كشفت دراسة جديدة من مختبر علوم المريخ أن الخصائص والتضاريس الطبيعية لسطح هذا الكوكب توفر بعض الحماية من الإشعاع، إذ تحمي تلال المريخ من تلك الجسيمات عالية الطاقة الإشعاعية القادمة من الفضاء.
الباحث الرئيس في الدراسة هو الأستاذ «جو جيانغنان» من جامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين، الدراسة بعنوان «اتجاهية إشعاع سطح المريخ وإشعاع ألبيدو المنعكس» ونُشرت في رسائل الأبحاث الجيوفيزيائية.
هبطت مركبة كيريوسيتي على سطح المريخ سنة 2012 حاملة أداة تسمى كاشف تقييم الإشعاع، اختصارًا (RAD)، وكانت مهمته التحضير للزيارات البشرية المستقبلية إلى المريخ، فيكتشف ويقيس الإشعاع الضار الآتي من الشمس ومصادر أخرى، ويقيّم كذلك الخطر الذي يشكله الإشعاع على أي حياة جرثومية قد توجد على سطح المريخ، ويقارب حجم هذا الكاشف حجم محمصة الخبز، موضوعًا على السطح العلوي لمركبة كيريوسيتي في وضع غير ملحوظ.
كانت منطقة «هضاب موراي بوتس» واحدة من المجالات التي درستها كيريوسيتي بواسطة كاشف تقييم الإشعاع، تقع هذه المنطقة على جبل «شارب السفلي» في «فوهة غيل» وكان هدفها الأول إجراء دراسة جيولوجية، خاصةً خصائص الحجر الرملي ونوع من الطبقات الصخرية المسماة «الفراش المتقاطع».
استمر كاشف تقييم الإشعاع في أثناء وجوده هناك في جمع البيانات، التي أظهرت انخفاضًا في الإشعاع السطحي.
أمضت مركبة كيريوسيتي 13 يومًا مريخيًا على إحدى هضاب منطقة موراي بوتس، فجمعت بيانات تساعد في أبحاث ودراسة علم السطوح، باستكشاف سطح المريخ بواسطة عمليات الحفر التي أجرتها في أثناء وجودها هناك، وكان كاشف تقييم الإشعاع نشطًا أيضًا، فقدم للعلماء قراءات إشعاعية للمنطقة ذاتها على مدار 13 يومًا.
أوضحت بيانات كاشف تقييم الإشعاع -قرب هضاب موراي- انخفاضًا في انبعاث الإشعاع بنسبة 5%، فرسم فريق البحث خريطة لرؤية سماء المريخ، فكشفت أن 19% من السماء قد حُجبت عندما كانت المركبة بجوار الهضبة.
تُعد هذه المعلومة مهمة للغاية إذ تتعلق بحماية البشر المستكشفين المستقبليين من الإشعاع.
يوجد المزيد من الفروق الدقيقة في البيانات، فعندما كانت المركبة كيريوسيتي تتجول داخل منطقة هضاب موراي بوتس، كانت رؤيتها للسماء غير واضحة بسبب كل التضاريس التي أعاقت رؤيتها، لذا بنى الفريق منظرًا بانوراميًا للسماء بواسطة جمع الصور التي التقطت على مدار عدة أشهر سابقة، لمقارنتها بالبيانات التي جمعتها مركبة كيريوسيتي وكاشف تقييم الإشعاع على مدار 13 يومًا.
وُجد بعض التقارب في هذه البيانات التي استطاع العلماء جمعها في الصورة التوضيحية التالية.
يمثل الخط الأحمر المنقط في الصورة التقديرات التقريبية والمتوسطة.
وجد كاشف تقييم الإشعاع أيضًا أن الإشعاع الذي يصيب الأشياء -أو الأشخاص- على سطح المريخ ينشأ من الفضاء ومعظمه يأتي مباشرةً من السماء، لكن بعض هذه الإشعاعات هو إشعاع «ألبيدو» أو ما يسمى الوضاءة أو البياض، أيّ أنه ينعكس عن السطح ويصيب الأجسام من أسفل.
بم تفيدنا هذه المعلومة؟
تبيّن أن نفس الأسطح التي تقي وتحمي من الإشعاع المباشر قد تزيد من الإشعاع المنعكس، فقد اكتشف كاشف تقييم الإشعاع أن التلال أو الهضاب قد تزيد من هذا الإشعاع الثانوي المنعكس، وهذه إحدى التعقيدات في فهم الإشعاعات على سطح المريخ.
كمية الإشعاع الساقط على المريخ ليست ثابتة بل متقلبة، إذ تؤثر تغييرات الغلاف الشمسي في كمية الإشعاع، وكذلك زاوية الإشعاع التي يتعرض لها المستكشف، فالزاوية العمودية تعني أن الإشعاع يجب أن ينتقل عبر المزيد من طبقات الغلاف الجوي، ما يقلل من كمية الإشعاع التي يتعرض لها السطح.
يغير مدار المريخ أيضًا بعده عن الشمس، ما يؤثر في الإشعاع السطحي، فتتعرض الأسطح المنخفضة إلى كمية أقل من الإشعاع مقارنة بالأسطح المرتفعة.
ليس الإشعاع ظاهرة متجانسة من مادة واحدة، إذ يحوي البروتونات وجسيمات ألفا، وأيونات من عناصر مختلفة، ونيوترونات وأشعة جاما.
لقد ساعدت هذه الدراسة على رسم صورة متكاملة لبيئة المريخ الإشعاعية.
فكر العلماء جديًا في استخدام الموارد المحلية الموجودة على سطح المريخ لبناء مأوى، إذ أنه يُعد حاجة أساسية للمستكشفين على سطح هذا الكوكب، وإن كانت الاستفادة من تضاريسه للحماية ممكنة، فإنّ هذه المعلومات ستساعد على وضع خطة لاستكشاف المريخ.
ثمة اقتراح لوضع قواعد في القنوات البركانية -وهي كهوف أو قنوات طبيعية تتشكل عند تدفق الحمم البركانية عبرها- حيث سيكون الناس محميين تحت عمق أمتار من سطح المريخ، لكن المؤكد أن رواد الفضاء لن يستطيعوا قضاء كل وقتهم هناك، إذ لابد من خروجهم إلى حيث يوجد الإشعاع.
من المؤكد أن توفير طبقات عديدة مقاومة للإشعاع ضرورية لأي رحلة بشرية إلى المريخ، استعدادًا لأي ظرف طارئ، إذ تجب السيطرة على كمية الإشعاع التي تصل إلى رواد الفضاء.
سيخطّط للرحلة على أساس السيطرة على معدل التعرض للإشعاع السنوي عند الحد الأدنى. ليس صعبًا محاولة تخيّل المستكشفين من رواد الفضاء يحاولون الاستفادة من أي ملجأ من الإشعاع بوسعهم استخدامه عند تعطل المعدات أو عند وقوع أيّ حادث مؤسف.
قد تنقذ تلك الخرائط الإشعاعية المفصلة -التي تأخذ بعين الاعتبار التعرض المباشر للسماء والتضاريس التي تقلل من الإشعاع- العديد من الأرواح.
اقرأ أيضًا:
البحيرات الموجودة تحت سطح المريخ تزداد غموضًا
دليل على نشاط البراكين في كوكب المريخ يعزز صلاحيته للسكن
ترجمة: رفيف داود
تدقيق: سمية بن لكحل