الإلكترونات مستديرة بشكل كبير، وعلماء الفيزياء غير مسرورين جدًا حول ذلك.
بحسب ما كتب الباحثون في دراسة جديدة، التقطت تجربة جديدة وجهة النظر الأكثر تفصيلًا حول الإلكترونات حتى الآن، باستخدام الليزر للكشف عن دليل حول الجزيئات التي تحيط بالجزيئات.
بإضاءة الجزيئات تمكن العلماء من تفسير كيف تستطيع الجزيئات دون الذريّة أن تشوش توزيع شحنة الإلكترون.
تقترح الاستدارة المتناظرة للإلكترونات أن الجزيئات غير المرئية ليست كبيرةً بما يكفي لتحرف الإلكترونات إلى أشكال مستطيلة مشوهة أو بيضاوية.
تؤكد هذه الاكتشافات مرةً أخرى على نظرية فيزيائيّة قائمة منذ زمن بعيد معروفة باسم النموذج القياسي؛ والتي تصف كيف تتصرف الجزيئات والقوى في الكون.
في الوقت نفسه، فإن هذه الاكتشافات يمكن أن تُسقط عدة نظريات فيزيائيّة مغايرة كانت تحاول سد الفراغات حول الظواهر التي لم يستطع النموذج القياسي وصفها. هذا بدوره سيعيد عددًا من الفيزيائيين إلى مختبراتهم لمراجعة النظريات. وذلك بحسب قول المؤلف المساعد دايفيد ديميل البروفيسور في قسم الفيزياء في جامعة يال في نيوهافن بولاية كونيتيكت: «من المؤكد أن هذه النظرية لن تجعل أي أحد سعيد».
نظرية مُختبرة جيدًا:
وفقًا لديميل، لأنه لم يتم مشاهدة الجزيئات دون الذرية حتى الآن؛ تعلّم العلماء عن هذه الموضوعات عبر الدلائل غير المباشرة. بمراقبة ما يحدث في الفراغ حول الإلكترونات ذات الشحنة السالبة -إذ يُعتقد أن جزيئات غير مرئية حتى الآن تحيط بها- استطاع الباحثون إنشاء نماذج لسلوك الجزيئات.
يصف النموذج القياسي أغلب التفاعلات بين مكونات المادة بالإضافة إلى القوى التي تمارس عملها على هذه الجزيئات. نجحت هذه النظرية لعقود بالتنبؤ الصحيح لسلوك المادة.
مع ذلك، وبحسب المنظمة الأوروبيّة للأبحاث النووية (CERN)، هناك بعض الاستثناءات المزعجة للتوصيفات الصحيحة التي يقدمها النموذج القياسي. لا يشرح النموذج القياسي المادة المظلمة؛ مادة غريبة وغير مرئية تمارس قوى جذب، ولا تصدر أي ضوء. لا يأخذ النموذج القياسي بعين الاعتبار الجاذبيّة قياسًا على القوى الأساسيّة الأخرى التي تؤثر على المادة.
بحسب مؤلفي الدراسة، تُقدم نظريات فيزيائيّة بديلة إجابات عن الأشياء التي يتوقف عندها النموذج القياسي. يتنبأ النموذج القياسي أن الجزيئات التي تحيط بالإلكترونات تؤثر على شكل الإلكترون، ولكن بشكل متناهي الصغر بحيث لا يمكن التقاطها باستخدام التكنولوجيا الموجودة حاليًا. لكن تُلمّح بعض النظريات الأخرى إلى أن هناك جزيئات ثقيلة لم يتم اكتشافها بعد. على سبيل المثال، يفترض النموذج القياسي فائق التناسب أن كل جزيء في النموذج القياسي له شريك موجود في المادة المضادة. تشوّه هذه الجزيئات الثقيلة المُفترضة الإلكترونات إلى درجة يمكن عندها للباحثين ملاحظتها.
الإلكترونات المضيئة:
لاختبار هذه الافتراضات؛ ظهرت تجارب جديدة على الإلكترونات بدقة عشرة مرات أكثر من الجهود القديمة واكتملت في 2014، أجرى الباحثون كلا التجربتين عن طريق المشروع البحثي (ACME) التبريد المتقدم للجزيئات الإلكترونية الكهربائية ثنائية القطب. وجد الباحثون ظاهرةً مراوغةً (وغير مثبتة) تُدعى التأثير ثنائي القطب الكهربائي، بحيث يظهر شكل الإلكترون الكروي مشوّهًا -يرتكز عند نهاية وينتفخ عند الأخرى- كما يشرح ديميل سبب الجزيئات الثقيلة التي تؤثر على شحنة الإلكترون.
يقول ديميل: «هذه الجزيئات ستكون أكبر بكثير في الحجم من الجزيئات التي تنبأ بها النموذج القياسي. لذا، فهذا طريق واضح جدًا يخبرنا أن هناك شيئًا جديدًا يحدث وراء النموذج القياسي».
من أجل التجربة الجديدة، وجّه الباحثون في مشروع ACME حزمةً باردةً من جزيئات أوكسيد الثيريوم بنسبة 1 في المليون في النبضة الواحدة، لخمسين مرة في الثانية الواحدة إلى حجرة صغيرة نسبيًا في قبو بجامعة هارفارد. أطلق الباحثون الجزيئات مترافقةً مع ليزر ودرسوا الضوء المنعكس عن الجزيئات، قد يشير الانحناء في الضوء إلى تأثير كهربائي ثنائي القطب.
كما يقول الباحثون: «لم يكن هناك أي انحناء في الضوء المنعكس». وتلقي هذه التجربة الضوء على النظريات الفيزيائيّة التي تتنبأ بالجزيئات الثقيلة حول الإلكترونات.
يمكن أن تكون هذه الجزيئات مازالت موجودةً. لكنها ستكون مختلفةً جدًا عن ما تم وصفه في النظريات الموجودة حاليًا، وذلك بحسب تصريح ديفيد ديميل الذي يقول فيه: «تُخبر نتائجنا المجتمع العلمي أن عليه إعادة النظر بشكل جدي في بعض النظريات البديلة».
اكتشافات مظلمة:
وبحسب قول ديميل، بينما تقيّم هذه التجربة سلوك الجزيئات حول الإلكترونات، فهي توفر أيضًا آثارًا مهمةً للبحث حول المادة المظلمة.
حال الجزيئات دون الذريّة كحال المادة المظلمة؛ فهي لا يمكن ملاحظتها بشكل مباشر. لكن علماء الفيزياء الفلكيّة يعلمون أنها موجودة، لأنهم لاحظوا تأثير جاذبيتها على النجوم، الكواكب، والضوء.
يقول ديميل: «يبحث علماء الفيزياء الفلكيّة مثلنا تقريبًا، في قلب ما تنبأت به النظريات- لوقت طويل ولسبب وجيه جدًا- يجب أن تظهر إشارة. حتى الآن، هم لا يقولون أي شيء ونحن لا نرى أي شيء».
يضيف ديميل أن كلًّا من المادة المظلمة والجزيئات دون الذرية الجديدة التي لم يتنبأ بها النموذج القياسي لم يتم ملاحظتها بشكل مباشر، ومع ذلك فإن مجموعةً متناميةً من الأدلة المقنعة تشير إلى أن هذه الظواهر موجودة. ولكن قبل أن يتمكن العلماء من إيجادها، فالعديد من الأفكار حول ماهية شكلها يجب أن يتم نسيانها.
يقول ديميل أخيرًا: «تظهر التوقعات حول الجزيئات الجديدة بشكل متنامٍ أنهم كانوا مخطئين بخصوصها».
- ترجمة: مازن سفّان
- تدقيق: أحلام مرشد
- تحرير: زيد أبو الرب