أعدّ هذا المقال وقدّمه إلى مجلة سبيس دوت كوم، بول إم. سوتر، عالم الفيزياء الفلكية في جامعة ستوني بروك في الولايات المتحدة الأميركية. حتى يومنا هذا، لا نعرف مصدر الطاقة المظلمة، الاسم الذي أطلقه العلماء على الزيادة الحاصلة في تسارع سرعة تمدد الكون، ويذهب بعضهم للاعتقاد أن المجال الكمي هو محرك الطاقة المظلمة ، لكن هذه الفرضية تتعارض مع بعض أفكار نظرية الأوتار الفائقة.
يحاول بحث جديد طرح فكرة جديدة أن الطاقة المظلمة قد تنتج من عدة مصادر وليس مصدرًا واحدًا، وهو محاولة للجمع والتوفيق بين التناقضات التي تجمعها النظريات المختلفة، ما سيؤثر على جهودنا في اكتشاف الكون ويسهل من إمكانية اكتشافه مستقبلًا.
الغوص في الظلام
نحن لا نعيش في كون يتوسع فحسب، بل نعيش في كون يتسارع توسعه، وخلال الخمسة مليارات سنة الماضية ازداد معدل تمدد الكون بشكل كبير وأصبح الكون أكبر يومًا بعد يوم.
لا يعرف العلماء بشكل دقيق سبب هذا التسارع الذي اكتُشف عندما كان العلماء يدرسون المستعرات العظمى البعيدة قبل نحو 20 سنة، ومن ثم توالت الدراسات لتؤكد هذا التسارع وتثبت حدوثه ومنها إشعاع الخلفية الكونية الميكروي والذبذبات الصوتية الباريونية والفراغات الكونية وغيرها.
وصف العلماء الزيادة في تسارع تمدد الكون بمصطلح الطاقة المظلمة، وتعرف أنها أحد الأشكال الافتراضية للطاقة التي تملأ الفضاء وحاول العديد من أصحاب النظريات وصف هذه الطاقة والبحث عن مصدرها.
تشير إحدى الأفكار المثيرة للاهتمام إلى وجود نوع من المجالات الكمومية المسؤولة عن الطاقة المظلمة، وهي حقول تمتص كل شيء في الزمكان وتولد جميع القوى والجزيئات الموجودة في الكون، ومن غير المستبعد وجود حقل كمومي يسبب زيادة في تسارع تمدد الكون.
حل التناقضات الكثيرة
كما ذكرنا آنفًا، قد تتسبب الحقول الكمومية في توليد الطاقة المظلمة، وهي فرضية مثيرة للاهتمام لكن فيها بعض العيوب والسلبيات، لكن لا بد قبل الحديث عنها، الحديث عن نظرية الأوتار.
تُعد نظرية الأوتار محاولة لتوحيد جميع القوى الموجودة في الطبيعة تحت تفسير علمي رياضي واحد وشرح تركيب الكون وفق معادلات رياضية معقدة أي «نظرية كل شيء»، وتحاول الجمع بين ميكانيكا الكم والنسبية العامة إذ تشير النظرية إلى أن كل جسيم وكل قوة موجودة في الكون صنعت من مكون واحد وأن الوحدة الأساسية لتشكيل المادة هي أوتار مهتزة متناهية الصغر لم نستطع رصدها حتى الآن.
جدير بالذكر أيضًا أن نظرية الأوتار تفترض أن الكون يحتوي أبعادًا إضافية لأن الأوتار تحتاج مساحة أكبر للاهتزاز خاصةً مع حجم كوننا الكبير وتنوعه.
تواجه هذه النظرية أيضًا انتقادات عديدة ولا تصنف كنظرية كاملة عن الطبيعة، إذ لا نمتلك حتى الآن أي فكرة عن كيفية تكون هذه الأبعاد الإضافية وكيف تلتف حول بعضها، كما تقود الاحتمالات إلى وجود نحو 10²⁰⁰ ترتيب محتمل وكل ترتيب يخلق مجموعة جديدة في الفيزياء. وبما أننا نعيش في كون واحد مع مجموعة فيزيائية واحدة فأحد تلك التكوينات أو الترتيبات سيكون لنا. لكن أي تكوين؟
حاول بعض العلماء استبعاد بعض التكوينات المحتملة للأبعاد المفترضة الملتفة لأنها بالتأكيد لا تشكل الكون، وتبرز إحدى المشاكل الرئيسية أن الطاقة المظلمة الناتجة عن حقل كمومي واحد تتعارض مع نظرية الأوتار.
ظلام متفاوت
لا يمكن أيضًا القول أن نظرية الأوتار هي نظرية كل شيء أو النظرية التي تفسر الكون إذا لم تستطع توقع كون يحتوي على طاقة مظلمة.
وربما قد يختلف فهمنا لماهية الطاقة المظلمة كما أشارت دراسة حديثة نشرت مؤخرًا. إذ قد تكون ناتجة عن مجموعة من الحقول الكمومية التي تعمل بانسجام فيما بينها، وليست ناتجة عن حقل كمومي واحد. قد يبدو هذا معقدًا! لكن تذكر أن الطبيعة غير ملزمة أن تكون بسيطة وسهلة الفهم.
بالسماح لمجموعة من الحقول الكمومية توليد الطاقة المظلمة، قد يعيد هذا الطرح ارتباط نظرية الأوتار بالكون ولن يكون هذا النموذج متعارضًا معها. لكن هذا يعني أن نجد عوامل أخرى مسببة للطاقة المظلمة.
يشير البحث الجديد أيضًا إلى إمكانية اكتشاف أماكن ذات طاقة مظلمة عالية وأخرى ذات طاقة مظلمة منخفضة رغم أننا –حتى الآن- لانمتلك التقنيات والوسائل لاختبار هذه الأماكن ومعرفتها، وقد يحمل المستقبل معه تطورًا في هذه المعرفة.
اقرأ أيضًا:
هل سببت الطاقة المظلمة الانفجار العظيم؟
أول صورة تلسكوبية قد تحل لغز الطاقة المظلمة
ترجمة: بيان علي عيزوقي
تدقيق: جعفر الجزيري