خلال العقد الماضي، أظهرت دراسات عديدة أنّ الأشخاص الذين يمتلكون آراءً أكثر تحفظًا، يسجلون درجات ذكاء متدنية. ومع ذلك يظهر الآن أنّه بالرغم من أنّ التحفظ والذكاء مترابطان ترابطًا عكسيًا، إلّا أن العلاقة بينهم ليست قوية كما كان يُعتقَد سابقًا.
استند جزء كبير من العمل السابق في هذا المجال على التعريف السايكولوجي للنزعة المحافظة وليس التعريف السياسي. يُصاغ مصطلح «متلازمة المحافظة» لوصف الشخص الذي يعطي أهميّة خاصّة لاحترام التقاليد والتواضع والتديّن والاعتدال.
يميل مثل هؤلاء الأشخاص إلى الاحتفاظ بقيَّم امتثالية مثل الطاعة والانضباط الذاتي والتأدب، ويؤكد على الحاجة إلى النظام الاجتماعي إلى جانب الاهتمامات المتعلقة بالأسرة والأمن القومي.
أيضًا يؤمن الشخص المحافظ بالمعتقدات الدينية التقليدية ولديه شعور بالانتماء والفخر للمجموعة التي تُحدد هويته. من المحتمل أيضًا أن يكون هذا الشخص أقل انفتاحًا للتحديات الفكرية وسيُنظَر إليه على أنه «مواطن صالح» مسؤول في العمل والمجتمع، مع إظهار وجهات نظر قاسية إلى حد ما تجاه الأشخاص خارج مجموعته.
وتفيد تقارير بأنّ ما يصل إلى 16% من متلازمة المحافظة يرجع إلى انخفاض القدرة الإدراكية.
بشكل عام، يميل الأشخاص الأذكياء إلى أن يكونوا ليبراليين اجتماعيًا في آرائهم. وُجِد أيضًا أن الدول التي يحقق مواطنيها درجات متدنية في الاختبارات الدولية للتحصيل في الرياضيات، تميل إلى أن تكون أكثر تحفظًا في سياساتهم وآرائهم السياسية.
السياسة ضد علم النفس
أسرع علماء السياسة في الإشارة إلى أن متلازمة المحافظة تنتمي إلى ما يُشار إليه باسم المحافظة الاجتماعية.
العديد من أعضاء الأحزاب السياسية المحافظة، سواء في الولايات المتحدة أو في أستراليا، يشتركون بلا شك في القيَّم التي تُمثّل المتلازمة. لكن هناك أيضًا مجموعة مستقلة من الناخبين المحافظين الذين لا يشعرون بقوة تجاه مثل هذه الآراء، وهم الذين يُطلَق عليهم أحيانًا بالليبراليين الاقتصاديين.
تستند معتقدات الليبراليين الاقتصاديين إلى فكرة أن الأفراد يجب أن يكونوا أحرارًا في الدخول في معاملات تطوعية مع الآخرين والاستمتاع بثمار عملهم. الموقف الاشتراكي اليساري النموذجي يعارض وجهة النظر هذه.
وقد أشير إلى أن الليبراليين الاقتصاديين، كمجموعة، يميلون إلى أن يكونوا أفضل تعليمًا من بقية الناخبين الجمهوريين والمتعاطفين مع الحزب في الولايات المتحدة؛ لذلك فإنّ العلاقة بين الذكاء والسلوك السياسي قد تكون في الأساس صفريّة أو حتى إيجابية بعض الشيء.
بعبارة أخرى، يرتبط الذكاء مع وجهات النظر الليبرالية الاجتماعية والاقتصادية.
خريطة العالم السايكولوجية
أظهرت العديد من الدراسات العابرة للثقافات، والتي تمّ الإبلاغ عنها مؤخرًا، أنّ العلاقة بين المحافظة الاجتماعية والذكاء أقل مما كان يُعتقد سابقًا.
في هذا العمل، المقاييس السايكولوجية لتقييم متلازمة المحافظة تمّ إعطاؤها لأشخاص من 33 دولة من جميع أنحاء العالم.
يظهر العالم اليوم منقسمًا إلى ثلاث قارات سايكولوجيًا، القارات الليبرالية -غالبًا من الغرب- مثل أوروبا وأستراليا وكندا، القارات المحافظة مثل جنوب شرق وجنوب آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، بينما باقي البلدان الأخرى، بما فيها أمريكا وروسيا ودول آسيا الكونفوشيوسية، في مكان ما في المنتصف.
الدول المحافظة لديها معدل ذكاء منخفض
أعطينا المشاركين في هذه الدراسات اختبارات ذكاء قصيرة غير لفظية. وكما هو متوقع، الدول المحافظة، تحت خط الاستواء، كان لديها أقلّ معدلات ذكاء.
ومع ذلك، فإن الأشخاص من مجموعة البلدان المتوسطة حصلوا على درجات ذكاء أعلى قليلًا من هؤلاء الموجودين في البلدان الليبرالية. هذا يعني أن العلاقة السلبيّة بين معدل الذكاء والمحافظة ليست قوية كما ذُكر سابقًا.
أحد أسباب هذا الاستنتاج هو موقف مجموعة البلدان المتوسطة في اختبارات الذكاء. على سبيل المثال، تميل دول شرق آسيا غير الليبرالية أو المحافظة إلى الحصول على درجات عالية في مستويات الذكاء والتحصيل العلمي.
أحد الأسباب الأخرى من الممكن أن يكون استخدام اختبارات الذكاء غير اللفظية. استندت معظم الدراسات السابقة إلى اختبارات الذكاء اللفظية، والتي من المعروف عنها أنها تتأثر بمستوى التعليم.
يُقارن هذا الاستنتاج على مستوى الدول بالعلاقة على مستوى الأفراد. تشير بيانات صحفية جديدة إلى أن هناك علاقة سلبية بين المحافظة الاجتماعية والذكاء، ولكن نسبة 5% فقط، وليس 16%، من المحافظة يُمكن أن تُمثل بدرجات اختبارات الذكاء.
لذلك هل الأشخاص المحافظون أقل ذكاءً؟
نعم ، ولكن أقل بقليل إذا كانوا من المحافظين الاجتماعيين.
وبشأن الأدلة المتاحة، فإن وجود الأشخاص الذين يشتركون في الليبرالية الاقتصادية داخل الأحزاب المحافظة ظاهريًا في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا يجعل من غير المحتمل جدًا وجود ارتباط كبير -سواء إيجابي أو سلبي- بين المحافظة السياسية والذكاء.
أعضاء الأحزاب السياسية اليسارية في هذه البلدان ليسوا محصنين من المحافظة الاجتماعية؛ لذلك لا يحق لسياسيينا أن يدّعوا أنّ أعضاء الحزب الآخر «أغبياء».
- ترجمة: مينا أبانوب
- تدقيق: صهيب الأغبري
- تحرير: زيد أبو الرب