عندما تعلمنا عن القمر في المدرسة، علِمنا عمومًا أن جاذبيته غير كافية للحفاظ على أي غلاف جوي. مع ذلك، فإن القمر محاط بهالة رقيقة من الغازات، ما يمثل غلافه الجوي.

اكتُشفت هذه الحقيقة المدهشة لأول مرة باستخدام الأدوات التي حملها رواد الفضاء، أولئك الذين زاروا القمر ضمن برنامج أبولو.

نظرًا لضعف جاذبية القمر، فإن الذرات التي تشكل الغلاف الجوي الرقيق حوله تتسرب باستمرار إلى الفضاء، ولذلك يجب أن يكون هناك إمداد مستمر لهذه الذرات للحفاظ على هذا الغلاف.

نشرت مجلة Science Advances دراسةً جديدة تتعلق بكيفية حدوث هذا التجديد، وتفحص الدراسة مجموعة من العناصر التي قد يكون وجودها في غلاف القمر الجوي مفاجأة لأي شخص درس الكيمياء، وهي المعادن القلوية.

تشكل المعادن القلوية المجموعة الأولى من الجدول الدوري، وتشمل الليثيوم والصوديوم والبوتاسيوم والروبيديوم والسيزيوم، إلى جانب الفرانسيوم الذي لا يوجد أبدًا بكميات كبيرة نظرًا لنشاطه الإشعاعي الشديد.

لماذا يعد وجودها مفاجأة؟

تشتهر هذه الفلزات بفاعليتها الكيميائية العالية على الأرض، لكن الأمور مختلفة تمامًا على القمر.

تقول البروفيسورة نيكول ني، المؤلفة الرئيسية للورقة البحثية، وذلك في حديثها لمجلة Popular Science: «في التربة والصخور القمرية، ترتبط المعادن القلوية بالمعادن، وتشكل روابط كيميائية مستقرة مع الأكسجين وعناصر أخرى، ولكن عندما تبتعد عن السطح، فإنها تصبح عادة ذرات محايدة. لا يوجد ماء سائل أو غلاف جوي سميك على القمر، لذلك يمكن لهذه المعادن أن تظل في شكلها الأولي؛ لأن عدد الذرات في الغلاف الجوي القمري صغير جدًا. يمكن للذرات أن تسافر مسافة طويلة بحرية دون الاصطدام ببعضها».

هذا يثير التساؤل حول كيفية انطلاق الذرات مبتعدة عن السطح في المقام الأول، وتسعى الورقة إلى الإجابة عن هذا التساؤل، وعلى وجه التحديد، تُعرف المساهمات النسبية لثلاث عمليات مجتمعة باسم (التعرية الفضائية).

إن العامل المشترك بين هذه العمليات الثلاث هو أنها تتضمن حدوث اصطدام لشيء ما بسطح القمر، وإخراج عناصر المعادن القلوية من المركبات المعدنية التي ترتبط بها. تطلق هذه العمليات أيضًا عناصر أخرى، ولكن تقلّب المعادن القلوية يجعل تحريرها مهمة سهلة بشكل خاص.

أولى هذه العمليات هي اصطدامات النيازك الدقيقة، إذ تتساقط قطع صغيرة من الحطام الفضائي بقوة كافية لتبخير جزء صغير من سطح القمر، وإطلاق ذراتها المكونة إلى المدار حوله، أما العملية الثانية فهي رش الأيونات، إذ تضرب الجسيمات المشحونة التي تدفعها الرياح الشمسية سطح القمر، وهناك أخيرًا الامتصاص المحفز بالفوتونات، إذ تعمل الفوتونات عالية الطاقة القادمة من الشمس على تفكيك المعادن القلوية.

تشير الورقة البحثية أيضًا إلى أنه في حين وُصفت كل عملية بشكل جيد، فإن الأبحاث السابقة لم تحدد بشكل قاطع المساهمة النسبية لكل منها في الغلاف الجوي للقمر، وللقيام بذلك، عادت ناي وفريقها مباشرة إلى مصدر السؤال وهو برنامج أبولو.

جلبت البعثات المأهولة المختلفة إلى القمر في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات ما يقدر مجموعه بـ 382 كجم من عينات تربة القمر، وبعد عقود من الزمان، ما تزال هذه العينات تكشف أسرارها للباحثين.

تضمنت دراسة ناي فحص 10 عينات من خمس بعثات أبولو مختلفة، والعديد منها مأخوذ من أبولو 8، أول هبوط مأهول على القمر.

استخدم الفريق هذه العينات للنظر في النسب النسبية للنظائر المختلفة للبوتاسيوم والروبيديوم في التربة.
يحتوي الصوديوم والسيزيوم على نظير مستقر واحد فقط لكل منهما، في حين أن الليثيوم أكثر استقرار من نظرائه الأثقل وزنًا.

أوضح ناي لـ Popular Science قائلًا: «تنطلق النظائر الأخف وزنًا لعنصر ما في أثناء هذه العمليات، ما يترك تربة القمر بتركيبة تحوي نظائر أثقل نسبيًا. بالنسبة للعناصر المتأثرة بعملية التعرية الفضائية، نتوقع أن تظهر تربة القمر تركيبات نظيرية ثقيلة، وذلك مقارنة بالصخور العميقة التي لا تتأثر بالعملية».

تنتج عمليات التعرية الفضائية المختلفة نسبًا مختلفة من النظائر، وتشير نتائج الفريق إلى أن اصطدامات النيازك الدقيقة تقدم أكبر مساهمة في الغلاف الجوي القمري، ومن المرجح أنها تساهم بأكثر من 65٪ من ذرات البوتاسيوم الجوية، مع مساهمة عملية رش الأيونات بالنسبة المتبقية.

يوفر ذلك معلومات قيّمة حول كيفية تطور الغلاف الجوي للقمر على مدى مليارات السنين، وفي حين يختلف تكوينه كثيرًا على مدى فترات زمنية أقصر، فإن هذه النتائج تشير إلى أنه في الأمد البعيد، تؤدي اصطدامات النيازك الدقيقة الدور المهيمن في تجديد الغلاف الجوي باستمرار.

تشير الدراسة أيضًا إلى كيفية إجراء أبحاث مماثلة على أجسام أخرى مماثلة للقمر، مثل فوبوس، أحد قمري المريخ.

اقرأ أيضًا:

شيء ما بداخل القمر قد يكشف سر الدوامات الغامضة على سطحه

لماذا يظهر القمر في وضح النهار في بعض الأوقات؟

ترجمة: يوسف الشيخ

تدقيق: نور حمود

المصدر