هل يمكننا أن نثق بنتائج التجارب السريرية المبكرة؟
إن متوسط عمر البشر يزداد ببطء، وعدد الناس الذين يعانون من أمراض مزمنة هو الآخر في تزايد مستمر. ذلك أن ما يقارب نصف عدد البالغين في الولايات المتحدة يعانون على الأقل من مرض مزمن واحد.
لكن، كل هذه الأمراض – التي تشمل أمراض القلب والكلية،السكتات الدماغية،السرطان،ومرض السكري يمكن أن تُعالج، إلا أن العديد من العلاجات لديها آثار جانبية مزعجة. وإلى حدود الآن لا يمكن الشفاء من أي مرض من هذه الأمراض.
ينتظر كل من المرضى والأطباء على حد السواء أخبار الطرق الجديدة المبتكرة لعلاج الأمراض بفارغ الصبر. وفي نفس الوقت، وصل البحث الطبي في الوقت الراهن إلى أعلى مستوياته على الإطلاق. على الصعيد العالمي، إذ ازداد عدد التجارب العلمية المسجلة بمقدار سبعة أضعاف من عام 2003 إلى 2014.
إن نشرنا لآخر البحوث العلمية من أفضل الصحف العالمية هو ما يحافظ على وفاء قرائنا. كما أن الأهمية والإثارة الموجودة في العلم الرائد هي التي تحفزنا على الاستمرار في العمل.
لذا، عندما قرأت التقرير الذي سنناقشه اليوم، وجب علي أن أعترف بأنني شعرت بشيء من الأسى. باختصار، إستنتسج الباحثون أنه يجب توخي الحذر من نتائج التجارب السريرية المبكرة.
أُجري هذا التحليل في مركز الممارسة المستندة إلى الأدلة في مايو كلينكthe Mayo Clinic’s Evidence-Based Practice Center، سيدرس هذا التحليل التأثيرالسيء المسمى (التأثير المتقلب-Proteus Effect).
عندما يُجرَّب علاج جديد لأول مرة، تكون النتائج المبكرة أكثر وضوحًا من تلك التي تظهر في التجارب اللاحقة. بعبارة أخرى، يبدو أن الدواء أو الإجراء الجاري اختباره يعمل بشكل أفضل في البداية، وبعد ذلك، عندما يُعاد فحصه في وقت لاحق، يقل تأثيره، وهذا ما يسمى (التأثير المتقلب-the Proteus effect).
وعلى الرغم من أن هذا التأثير قد تم قياسه في مجالات أخرى، إلا أن الدكتور فارس الأحدب، الباحث الرئيسي في الدراسة، أراد التحقق من هذه الظاهرة فيما يتعلق بالتجارب السريرية للأمراض المزمنة.
إذ أراد معرفة عدد الدراسات المتأثرة بهذه الظاهرة وما درجة تأثرها. السؤال المهم الآخر الذي طرحه الفريق هو: «لماذا يحدث هذا؟»
ومن أجل الإجابة على هذا السؤال، قاموا بمراجعة مئات المقالات، حصلوا عليها من أكبر عشر مجلات طبية، والتي صُنّفت بالاعتماد على عامل التأثير باعتباره نظام تصنيف عالمي للمجلات. وركزوا بالتحديد على 70 تحليل نُشر في الفترة من 2007-2015.
نشر الباحثون نتائجهم في مجلة Mayo Clinic Proceedings. حيث أن تأثير أول وثاني دراسة فيما يخص جهازأوعلاج ما كان أكبر بمقدار 2.67 مرة من التأثير الموجود في التجارب اللاحقة.
«إن ظاهرة المبالغة في النتائج الأولية كانت موجودة في 37% من البحوث التي راجعناها» يقول الأحدب.
هذا التأثيرمثيرللدهشة وغير متوقع، وعلى ما يبدو أن له تداعيات مهمة للأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة وللأشخاص الذين يقومون بعلاجهم.
«غالبًا، هؤلاء المرضى لديهم أكثر من مرض مزمن واحد، ينتظرون وأطباءهم البحوث بخصوص العلاجات الجديدة. ومن الضروري أن يعلموا أن التأثير الملاحظ في التجارب الأولية من الممكن أن لا يستمر مع مرور الوقت وستكون النتائج اللاحقة أكثر تواضعًا.» هذا ما صرح به الدكتور م. حسن مراد، الباحث الرئيسي
وباختصار، قد يكون اتخاذ قرار بخصوص علاج ما كاستجابة للنتائج الأولية أمر سابق لأوانه.
لماذا يحدث هذا؟
بدأ الباحثون دراستهم بعدد من النظريات التي تفسر التأثير المتقلب. ومن الممكن أن يكون لبعض المتغيرات دور كحجم الدراسة (من الممكن أن تحتوي الدراسات اللاحقة على عدد أكبرمن الأشخاص)، طول الدراسة (من الممكن أن تكون الدراسات الأولى أقصر مدة من الثانية)، والأشخاص المشمولين بها (الفرق بين المرضى مِمَن هم في الدراسة مقارنةً بمن هم خارج الدراسة،على سبيل المثال).
وعامل آخر من الممكن أن يكون له دور أيضا هو التمويل. فإذا كان الباحثون يعملون لصالح شركة تصنع الأدوية التي يختبرونها، من الممكن أن يكون لديهم حافز لجمع النتائج الإيجابية فقط. وبصورة مشابهة، من الممكن للدراسة أن تتوقف مبكرًا لكي تظهر نتائج إيجابية أكثر.
عندما نظرنا إلى كل هذه المتغيرات (وغيرها الكثير)، وجدنا أنها لا تؤثر بصورة كبيرة من الناحية الإحصائية. ولكن في كل دراسة منفردة، من الممكن أن يكون هنالك عامل واحد أو مجموعة عوامل مسؤولة عن التأثير المتقلب.
يبدو أنه لا يوجد هنالك جواب واحد، ويقول الباحثون « إلى حدود الساعة، يمكننا القول أن التأثير المتقلب لا يمكن التنبؤ به بالمرة»
غير أن هذا لا يجعل النتائج المبكرة للتجارب السريرية غير مهمة اوغير مجدية. نحن نرى أنها تستحق النشر. فالدكتور حسن مراد لا يريد لتحليله هذا أن يُنظر إليه بطريقة سلبية.
ويفسر ذلك قائلًا: «قد يعتقد بعض الناس أن هذه رسالة مضادة للإبداع، لكننا في الواقع نُحبب العلاجات الجديدة. نحن نريد فقط أن يعلم الناس أن الفائدة التي نراها في الممارسة الحقيقية، عندما يتم إعطاء العلاج لمرضى لديهم أمراض مصاحبة مختلفة وفي ظروف مختلفة، ستكون أقل من تلك الموجودة في التجارب السريرية الأولى.»
ورسالتنا هي كالتالي:
خذ النتائج المبكرة بحذر. ليس لأن التجارب المبكرة لا أهمية لها. بل على العكس من ذلك، هذه النتائج هي جزء ضروري في الرحلة من الدراسات النظرية إلى التطبيق العملي. وهذا هو الأمل الذي نضعه على هذه الدراسات.
- ترجمة : سنان حربة
- تدقيق: كنزة بوقوص
- تحرير: زيد أبو الرب