تُعد الشقيقة مرضًا شائعًا، إذ تتمثل نوبات الشقيقة في آلام في الرأس وصداع حاد وشديد يعيق قدرة المرء على إتمام نشاطاته اليومية.

تُعرف نوبات الشقيقة بصعوبة علاجها، إذ يركز الباحثون حاليًا على فهم كيفية عمل الأدوية، وتأثير توقيت تناولها على فعاليتها.

حللت دراسة نُشرت في صحيفة Neurology التأثيرات التي يحملها دواء يوبروجيبانت، حينما تناوله مرضى الشقيقة قبيل بدء النوبة بالظبط.

أبلغ المشاركون الذين تناولوا دواء يوبروجيبانت قبل النوبة مباشرة عن استعادتهم القدرة على ممارسة نشاطاتهم طبيعيًا مع مواجهتهم قيودًا أقل، وذلك مقارنةً بالمشاركين الذين تناولوا الدواء الوهمي.

عبّر هؤلاء المشاركون أيضًا عن رضاهم إزاء فعالية الدواء وتأثيره أكثر من المشاركين الذين تناولوا الدواء الوهمي، ومن ثمّ تشير النتائج إلى فعالية تناول دواء يوبروجيبانت عند بداية نوبات الشقيقة.

دواء يوبروجيبانت كعلاج للنوبات الحادة في مراحلها المبكرة

أجرى الفريق هذا البحث لدراسة تأثير تناول دواء يوبروجيبانت خلال المرحلة المبكرة من الشقيقة للمساعدة على تعزيز قدرة المريض على ممارسة وظائفه على نحو أفضل.

تسبق المرحلة المبكرة لنوبة الشقيقة نوبة الصداع الفعلية بمدة قد تدوم يومين، إذ بينت الدراسة أن أعراض المرحلة المبكرة للشقيقة قد تشمل كلًا من التهيج، والتعب، ورهاب الضوء.

تمثلت الدراسة المنشورة مؤخرًا في تحليل لتجربة سابقة تُسمى بتجربة المرحلة المبكرة. اتسمت التجربة بأنها معماة تعمية مزدوجة، وعشوائية، وتعابرية، وقائمة على إعطاء الدواء الفعلي لمجموعة من المرضى والدواء الوهمي لمجموعة أخرى، وتضمنت بيانات من 73 مركزًا مختلفًا عبر الولايات المتحدة الأمريكية.

قُسم المشاركون إلى مجموعتين مختلفتين. تلقت المجموعة الأولى دواء وهميًا في المرحلة المبكرة من نوبة الشقيقة الأولى، وبعدها دواء يوبروجيبانت في المرحلة المبكرة من النوبة الثانية، في حين تلقت المجموعة الثانية يوبروجيبانت في المرحلة المبكرة من نوبة الشقيقة الأولى ودواء وهميًا في المرحلة المبكرة من النوبة الثانية.

في المرحلة المبكرة من الشقيقة، يواجه المريض أعراض النوبة وهو متأكد من حتمية أن يتبعها صداع يدوم نحو ساعة إلى 6 ساعات. تراوحت أعمار المشاركين بين 18 و75 عامًا، وشُخصت إصابتهم بالشقيقة منذ نحو عام أو أكثر. استطاع جميع المرضى التعرف على أعراض المرحلة المبكرة من نوبة الشقيقة.

كشفت التحليلات الحالية عن النتائج التي أبلغ عنها المرضى بعد تناولهم دواء يوبروجيبانت مقارنة بالدواء الوهمي، إذ حلل الباحثون بيانات أخذت من 477 مشاركًا في الدراسة.

درس الباحثون النتائج من عدة نواحي ومنها قدرة المشاركين على ممارسة نشاطاتهم طبيعيًا، وما يعيقهم عن إتمام وظائفهم، ومدى رضاهم عن فعالية الدواء.

استعادة المشاركين قدرتهم على ممارسة وظائفهم طبيعيًا خلال ساعتين بعد تلقيهم العلاج

بينت النتائج عامةً تفوق دواء يوبروجيبانت على الدواء الوهمي، وذلك وفقًا لما ورد من المرضى.

لاحظ عدد متزايد من المشاركين في غضون 48 ساعة فقط من تناول دواء يوبروجيبانت تمكنهم من متابعة حياتهم وأنشطتهم طبيعيًا، وذلك مقارنةً بالمشاركين الذين تلقوا الدواء الوهمي.

لم يواجه المشاركون الذين تناولوا يوبروجيبانت أيضًا أي صعوبات في ممارستهم وظائفهم بعد 24 ساعة من تناولهم الدواء، وعبروا أيضًا عن رضاهم وإعجابهم بفعالية يوبروجيبانت.

تقول الأستاذة في علم الأعصاب والصداع نينا ريغينز، من مركز أبحاث الصداع للتميز ضمن مركز بالو آلتو الطبي للمحاربين القدامى في كاليفورنيا، التي أجرت بحوثًا سابقة لكنها لم تشارك في هذه الدراسة، في مقابلة لها مع صحيفة Medical News Today: «تُعد الشقيقة اضطرابًا عصبيًا وراثيًا، إذ لم يكتشف العلماء حتى الآن علاج لمنع حدوث نوبات الشقيقة، وعليه يقتضي استخدام الأدوية الموجودة بالفعل بأفضل طريقة لتعزيز قدرة مرضى الشقيقة على ممارسة نشاطاتهم اليومية على نحو طبيعي. شملت التجربة العشوائية المضبوطة مقارنة بين تأثير وصف دواء يوبروجيبانت للمرضى والدواء الوهمي خلال المرحلة المبكرة من نوبة الشقيقة. بينت النتائج في غضون الأربعة والعشرين ساعة الأولى تحسنًا في قدرة المرضى (الذين تناولوا يوبروجيبانت) على متابعة أنشطتهم، وقلة الصعوبات التي قد يواجهونها وزيادة رضاهم عن فعالية الدواء. تمنح النتائج السابقة للباحثين أملًا حقيقيًا لحماية المرضى من مواجهة صداع الشقيقة».

على من تنطبق نتائج هذا البحث؟

أرفقت نتائج البحث مع بعض القيود، التي تمثلت أولًا بأن 88% من المشاركين كانوا إناثًا ومن ذوي البشرة البيضاء. يؤكد ذلك على ضرورة أن تتضمن الدراسات المستقبلية تنوعًا سكانيًا أكبر، وذلك رغم أن النساء فعليًا يشكلن أغلبية مرضى الشقيقة في الواقع وليس فقط في الأبحاث.

إضافةً إلى ذلك، لم يزاول سوى 85% من المشاركين الدراسة بأكملها، وواجه نسبة أكبر من المشاركين أعراضًا جانبية لدواء يوبروجيبانت كالغثيان.

وضح الباحثون أيضًا أن المشاركين كانوا يبلغون عن آرائهم إزاء فعالية الدواء ونتائجه بعد 24 ساعة، ما قد يتسبب بتحيز الاستذكار لديهم.

اختار فريق البحث قياس قدرة المرضى على ممارسة نشاطاتهم بعد 48 ساعة، في حين درسوا رضاهم عن الدواء وما إذا واجهوا صعوبات في إتمام وظائفهم بعد 24 ساعة، وهذا ما وضع قيودًا على نتائج الدراسة. لم يتمكن الباحثون أيضًا من تقييم فعالية الدواء إلا بعد تقديم المشاركين آرائهم وتجاربهم معه.

اختار الفريق علاوة على ذلك المشاركين الذين استوفوا معايير وشروط محددة، مثل أن يتمكنوا من التعرف على أعراض المرحلة المبكرة من نوبة الشقيقة، التي تسبق نوبة الصداع الفعلية بنحو ساعة إلى 6 ساعات.

اتسمت النافذة الزمنية السابقة بضيقها، إلا أنها قدمت للفريق بيانات أكثر دقة بشأن فعالية الدواء في تلك الفترة. تمكن الدواء من علاج أعراض المشاركين خلال الفترة المبكرة، التي تشمل كل من الأعراض المتعارف عليها أو أعراض أخرى مثل آلام الرقبة أو تصلبها، وهو ما قد يغير قليلًا من النتائج.

تلقت الدراسة تمويلًا من شركة الأدوية AbbVie، التي تسوق لدواء يوبروجيبانت بالاسم التجاري يوبريلفي.

كشف مؤلفو الدراسة علاوة على ذلك عن مصدر التمويل والدعم، التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند الاستعانة بنتائج البحث.

وضحت الطبيبة أوليفيا بيغاسي دي ديم التي لم تشارك في الدراسة، وهي المؤسسة والمديرة الطبية لمعهد صحة الدماغ والصداع، القيود التي واجهت البحث قائلة: «تتمثل بعض القيود بتمكن المشاركين من التعرف على أعراض المرحلة المبكرة، وتقدير توقيت بدء صداع الشقيقة بعد مدة تتراوح بين ساعة و6 ساعات».

يصعب على المرضى بالفعل تناول الأدوية الضرورية في وقت مبكر من نوبة الشقيقة، ويعود ذلك إلى صعوبة التعرف على نوع النوبة وما إذا كانت ستتحول من ألم خفيف إلى صداع شديد. قد لا يكون التعرف على أعراض المرحلة المبكرة، التي قد تكون مبهمة، في بعض الأحيان أمرًا سهلًا. لا يواجه جميع مرضى الشقيقة علاوة على ذلك أعراض المرحلة المبكرة، ولا تنبئ الأعراض عن حدوث نوبة صداع الشقيقة على نحو مؤكد.

أضافت الطبيبة قائلة: «ما زال الأطباء يبحثون بعمقٍ في الفيزيولوجيا المرضية وآليات تطور المرحلة المبكرة من الشقيقة. قد يعود اختيار الفريق لدواء يوبروجيبانت في هذه الدراسة إلى إمكانية تحمله العامة وقلة خطر حدوث صداع في حال تناول جرعات زائدة منه. لا يعلم العلماء حتى الآن الآلية التي يعمل بها هذا الدواء في علاج الشقيقة خلال المرحلة المبكرة منها».

وضحت ريغينز فيما يتعلق بالأبحاث المستقبلية قائلة: «ينبغي معرفة ما إذا كانت الأدوية المستخدمة لنوبة الشقيقة تقدم النتائج والفعالية ذاتها عند استخدامها خلال المرحلة المبكرة. و يجب إضافة إلى ذلك إجراء مزيد من الأبحاث للتعمق في فهم أعراض المرحلة المبكرة، وما عدد المرات التي تتطور فيها الأعراض إلى صداع شقيقة حقيقي وشديد».

توسيع مجال الخيارات العلاجية للشقيقة

تقدم الأبحاث الجديدة أساليب علاجية محتملة لمرضى الشقيقة، ما قد يساعد على تخفيف آلام الصداع لديهم وتقليل القيود التي ترافق نوبة الشقيقة وتمنعهم عن ممارسة نشاطاتهم.

يقول الطبيب مدحت ميخائيل الذي لم يشارك في الدراسة، وهو اختصاصي في علاج الألم، والمدير الطبي في مركز صحة العمود الفقري بمركز ميموريال كير أورنج كوست الطبي في كاليفورنيا: «تتمثل أهمية الدراسة في تأكيد فعالية دواء يوبروجيبانت عند تناوله خلال المرحلة المبكرة، وذلك من خلال تخفيفه للأعراض ومنعه لتطورها إلى نوبة صداع شديدة، إضافةً إلى فوائده في مساعدة المرضى على إتمام مهامهم اليومية دون قيود، وذلك مقارنة بالمشاركين الذين تناولوا الدواء الوهمي. يتوجه بذلك إلى الأطباء ليتقدموا بنصح مرضاهم بتناول أدوية الشقيقة حينما تبدأ الأعراض في الظهور وفي وقت مبكر جدًا على نوبة الشقيقة، إضافةً إلى أن يشرحوا طبيعة أعراض هذه المرحلة لديهم».

اقرأ أيضًا:

الشقيقة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بمرض التهاب الأمعاء

كيف نتجنب نوبة الشقيقة قبل حدوثها؟

ترجمة: رهف وقّاف

تدقيق: وسام صايفي

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر