هل يمكن أن تسبب لنا مناعتُنا انفصامَ الشخصية؟
وفقًا لنتائج التّجارب الأخيرة المنشورة في دورية «العالِمُ الجديد»، فإنّ حوالي واحدة من كلّ عشر حالات من مرض انفصام الشّخصية يمكنها أن تُثار بواسطة تفاعلاتٍ مناعيّة ذاتيّة مُوجّهة ضد الخلايا الدّماغية.
إن هذه الاكتشافات توفّر إمكانية إيجاد علاجات أسهل لهذا المرض العقلي المدمِّر. وفي الشّهر الماضي، أخبِر الأطباء في اجتماع «المجتمع الملكي للطّب» في لندن أن عليهم الأخذ بعين الاعتبار الأسباب المناعية الذاتية، وذلك عند بداية إظهار النّاس لأعراض انفصام الشخصيّة.
إذ أنّ مرضى الانفصام يعانون من أعراض الهذيان مثل الهلوسات، التّوهّمات، وجنون العظمة. ويصيب هذا المرضُ واحدًا في المئة من سكان الغرب، ويُعتقد أنه ينشأ نتيجة الفعاليّة الزّائدة لسُبل نقل إشارات الدوبامين في الدّماغ. والأدوية المضادة للهذيان لا تعمل دائمًا بشكل جيّد، بل تحملُ آثارًا جانبيّة خطيرة.
وجدت الدّراسات السابقة أنّ الأضداد التي تستهدف مُستقبلات معيّنة على الخلايا العصبية تدعى مستقبلات «إن ميتيل دي إسبارتات» (NMDA) تثير التهاب الدّماغ وتؤدّي إلى نوبات مَرضيّة، سُبات، وفي بعض الأحيان إلى الذّهان.
وفي السّنوات الأخيرة، لوحظت هذه الأضداد في دم الأشخاص الذين يعانون من عرضٍ وحيد وهو الذّهان. وفي عام 2010، اختبرت بيلندا لينوكس في جامعة أوكسفورد 46 شخصًا (عانوا من بداية الذهان) في الأضداد المعروفة باستهدافها للخلايا العصبية. وثلاثة أشخاص منهم (حوالي 6 بالمئة) كانت نتائجهم إيجابية.
تقول روبن موراي عن مؤسسة علم النفس في لندن، والتي لم تُشارك في البحث: «إن السّؤال هو عمّا إذا كانت هنالك نِسَبٌ أعلى من الحالات تحوي على أضداد أخرى لم نستطع تحديدها حتى الآن.»
إن لينوكس تُجري الآن تجارب على نطاق أوسع، والنّتائج الأولية تشير إلى إمكانية كبيرة لتدخل أضداد أخرى. وهي تقوم باختبار 240 شخصًا مصابون بانفصام الشّخصية لأضداد موجهة ضدّ خلايا دماغهم. ومجدّدًا؛ حوالي ستّة بالمئة يحملون أضدادًا معروفة. ولكنّها تجد أيضًا أن بعض العيّنات الدّموية كانت سلبية للأضداد المعروفة، ولكنّها ما تزال تُظهر تفاعلًا مناعيًا تجاه خلايا الدّماغ في المختبر. وهذا يشير إلى أنّها تحوي أضدادًا غير معروفة، هذا الذي من الممكن أن يرفع عدد الحالات إلى حوالي واحد من عشرة.
إنّ العلاجات الكابحة للمناعة، مثل إزالة الأضداد من الدم، استُعملت بنجاحٍ لعلاج بعض حالات انفصام الشّخصية النّاجمة عن التّفاعلات المَناعيّة. ولكنّ حتى الآن فإن القليل فقط من الحالات عُولِجَت بهذه الطّريقة، ولم تُجر تجارب عشوائيّة في هذا الخصوص.
إنّ كبح الاستجابة المناعيّة يمكن أن يسبّب زوال أعراض الذهان الناجمة عن انفصام الشخصية. وإنّ الأضداد نادرًا ما لوحِظت عند الأشخاص الذين أُصيبوا بانفصام الشّخصية منذ عدّة سنوات، هذا ما يشير إلى أنّ العلاج الكابح للمناعة يجب أن يبدأ مبكّرًا حتى يؤدي وظيفته. وتُخمّن لينوكس أنه بعدة فترة فإن الأضداد تموت ولكنّ ضررها يستمرّ.
ونصحت أنجيلا فينسنت في اجتماع في جامعة أكسفورد بإجراء اختباراتٍ واسعة الانتشار لهذه الأضداد، لأنه بدونها فالعديد من الحالات سوف تُفوّت.
لم تتّضح بعدُ الأسباب التي تجعلُ بعض النّاس تُطوّر هذه الاستجابة المناعية في خلايا دماغهم، ولكنّ لينوكس متحمسة للآفاق التي يحملها العلاج.
ولكنّ كريس فريث من جامعة لندن ينبّه إلى أنّ هذه الأضداد لم تُحدّد حتى الآن سوى عند مجموعة صغيرة من الحالات، ويقول أنه متأكّد من أنّ انفصام الشّخصية له العديد من الأسباب المختلفة.
ترجمة: عماد دهان
تدقيق: إسماعيل الحسناوي