اختُبرت مؤخرًا في الولايات المتحدة الأميركية فعالية دواء فلوفوكسامين في علاج مرض كوفيد-19. وعاينت الدراسة فقط مرضى الحالات المنخفضة وضعيفة الشدة، واستُبعد منها كل من مرضى الحالات الحرجة الإسعافية من كوفيد-19 والحالات التنفسية الخطرة ومرضى الفشل القلبي الاحتقاني. وقد أُكدت إصابة 152 شخصًا من المرضى المشاركين في البحث بعد خضوعهم لاختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل PCR وملاحظة الأعراض الظاهرة لديهم خلال الأيام السبعة الأخيرة.
وجدت الدراسة أن استخدام فلوفوكسامين يقلل من خطورة تفاقم حالات كوفيد-19 خلال خمسة عشر يومًا، فاستقرت حالة المعالجين بفلوفوكسامين البالغ عددهم 80 مريضًا، في حين شعر ستة من بين 72 مريضًا -ممن أُعطوا دواءً وهميًا- أن حالتهم زادت سوءًا، وعانوا أعراضًا من التهابات رئوية وصعوبة التنفس ونقص أكسجة الدم. ولوحظ أن التدهور السريري لعدوى كوفيد-19 يحدث في الأسبوع الثاني من الإصابة، ما يُظهر قدرة فلوفوكسامين على إيقاف تطور الحالات الخفيفة من المرض إلى حالات أشد خطورة.
الأمر المفاجئ هو أن فلوفوكسامين ينتمي إلى مجموعة مثبطات استرجاع السيروتونين الانتقائية، التي تستخدم خطًا علاجيًا أولًا في الاكتئاب والوسواس القهري، فلم قد ينجح في علاج هذا المرض التنفسي؟
تقوم مثبطات استرجاع السيروتونين بعلاج الاكتئاب عبر تثبيط بروتين يوجد في خلايا الدماغ يسمى ناقل السيروتونين، ويحقق ذلك أول خطوة في الآلية المضادة للاكتئاب وهي: زيادة كمية السيروتونين الدماغية. ويقلل العلاج بهذه الأدوية خلال بضعة أسابيع أعراض الاكتئاب بشكل ملحوظ لدى حوالي نصف المرضى.
هذه الأدوية آمنة جدًا، أما تأثيراتها الجانبية فهي: ضعف الوظيفة الجنسية والإمساك والصداع والخمول واضطرابات النوم.
رغم وصفها بالانتقائية، فإن بعض هذه الأدوية ليس انتقائيًا بالكامل. في الحقيقة، يربط فلوفوكسامين بروتينًا دماغيًا آخر يسمى مستقبل سيغما1، ويفعل فلوفوكسامين البروتين السابق الذي تتجلى إحدى وظائفه بتثبيط إنتاج السيتوكينات، التي تعد جزءًا مهمًا من الوسائط الكيميائية للاستجابة المناعية.
يبدو مما سبق، أن تأثير فلوفوكسامين في مرضى كوفيد-19 يرتبط بتثبيط الاستجابة الالتهابية عبر تفعيل -مستقبل سيغما1- ولا يتعلق بمستويات السيروتونين في الدماغ. وبالاستناد إلى دراسات أجريت على الفئران، يستطيع فلوفوكسامين تقليل الاستجابة الالتهابية التي يحدثها الإنتان والسمية الناتجة عنه. وقد أصبح من الواضح جدًا أن التعقيدات الخطيرة المرافقة للإصابة بكوفيد-19 تنشأ أساسًا من استجابة التهابية -تجاه الفيروس- غير مضبوطة، تسمى عاصفة السيتوكين، وهنا تتدخل الآلية الدفاعية للجسم في مرحلة خطيرة عندما يحرض الجهاز المناعي المفعل بشدة استجابة التهابية سامة، قد تنتهي بالوفاة.
أدوية قديمة وحيل جديدة
ليس جديدًا أن تساهم أدوية الاضطرابات النفسية في تدبير حالات مرضية أخرى، فقد استخدم دواء إيبرونيازيد -وهو أول مضاد اكتئاب مُكتشف، ينتمي إلى مثبطات المونو أمينو أوكسيداز- بدايةً في علاج داء السل. وقد لاحظ الأطباء عام 1950 تحسن مزاج مستخدمي الدواء، ما أدى إلى اختبار فعالية هذه الأدوية في علاج الاكتئاب. يذكرنا ذلك باكتشاف فليمنغ المضاد الحيوي البنسلين، ففي مجال اكتشاف الأدوية تكون المصادفة شائعة جدًا.
وقدمت أمثلة حديثة فعالية أدوية -تحتوي مثبطات استرجاع السيروتونين- لعلاج أمراض جهازية مثل الشقيقة أو الصداع النصفي والقلق، لكن إمكانية استخدامها لعلاج كوفيد-19 يبقى أمرًا أقل شيوعًا.
واكتشفت فعاليتها أيضًا في علاج الأمراض القلبية الوعائية، وقد تحدث هذه التأثيرات القلبية الوعائية بواسطة التأثير المضاد للقلق لهذه الأدوية، إما عبر خفض ضغط الدم أو عبر تقليل تفعيل الصفيحات وتشكل الخثرات الدموية. يستقطب حاليًا دواء آخر متعدد الاستخدام -وهو الكيتامين- كثيرًا من الانتباه، إذ يستخدم تقليديًا بالتخدير أو مخدرًا يُساء استخدامه بغرض النشوة والترفيه، لكنه يجذب الآن اهتمامًا ملحوظًا بوصفه مضاد اكتئاب سريع التأثير، بالتالي لن تكون نتائج الدراسة الحالية مفاجئة كما تبدو للوهلة الأولى.
ما هو مستقبل فلوفوكسامين؟
من الجدير ذكره أن هذا البحث محدود بعض الشيء لأن العينة الخاضعة للفحص صغيرة نسبيًا، ونحتاج بالتأكيد لاختبار النتائج على عينة أكبر ولفترة زمنية أطول، بالإضافة إلى استبعاد الدراسة لمرضى كوفيد-19 ذوي الظروف الأكثر خطورة، ما يعني جهلنا بفعالية الدواء في السيطرة على الحالات الحادة من المرض. رغم ذلك، قد يصبح فلوفوكسامين إضافةً هامة إلى سباق البحث لإيجاد العقار الذي يقي من العدوى الفيروسية ويعالجها، فهو يقلل عدد مرضى الطور الثاني من العدوى -المتمثل بعاصفة السيتوكين والضرر الرئوي التالي لها- فقط إذا أُعطي في مرحلة الحمى الأولية وطور السعال من المرض.
سيكون تجريب مُفعّلات أخرى لهذا البروتين اختبارًا جديرًا بالفعل، لدى مرضى كوفيد-19. بناءً على المعطيات التي تعزي تأثيرات الدواء العلاجية إلى تنشيطه لبروتين مستقبل سيغما1.
توجد أشكال متنوعة من هذه المفعلات استخدمت سريريًا من قبل، ومن ضمنها الأدوية التالية:
- دونبيزيل المستخدم لعلاج ألزهايمر.
- سيتالوبرام وأميتربتيلين المستخدمة في حالات القلق والاكتئاب.
- دكسترومتورفان المستخدم لعلاج السعال والزكام.
- بنتازوسين المسكن للألم.
وقد اختبرت فاعلية مضادات التهاب أخرى -كالكولشسين والستيرويدات القشرية- في علاج مرضى كوفيد-19، وأظهرت بعض النتائج الإيجابية. وقد تستطيع إعادة الاستفادة المحتملة -من الأدوية الموافق عليها مسبقًا- تسريع توفير العلاج لمرضى كوفيد-19، خصوصًا إذا كانت هذه الأدوية رخيصة الثمن وفعالة فمويًا مثل فلوفوكسامين.
اقرأ أيضًا:
لماذا تختلف إدارة الغذاء والدواء ومنظمة الصحة حول استخدام دواء ريمديسيفير لعلاج كوفيد-19؟
دور الميلاتونين في علاج كوفيد-19
ترجمة: حيدر بوبو
تدقيق: مازن النفوري