تُعَد احتمالية أن تُساعد الحوسبة الكمية في الحد من انتشار فيروس كورونا بعيدة، لكن من المؤكد أن هذا الحقل الناشئ للحوسبة سيساعد العلماء والباحثين في مواجهة الأزمات المستقبلية.
يطرح داريو جيل مدير قسم البحث والتطوير في شركة IBM لتكنولوجيا المعلومات سؤالًا: «هل يمكننا تحديد نطاق اكتشافاتنا؟ أي أن نجد أسلوبًا أو نهجًا يمكننا من استكشاف مجالات المواد والكيمياء وغير ذلك، بطريقة أفضل بـ10 أضعاف أو 100 ضعف مقارنةً بما لدينا الآن؟ قد يقودنا هذا إلى تغيير قواعد اللعبة».
تُعَد الحوسبة الكمية إضافةً كبيرة في مجال الحوسبة، تُبشر بالتقدم الهائل في الذكاء الاصطناعي والذكاء الآلي في غضون العقد القادم وما بعده، مع احتمالية اقتحام مجالات الرعاية الصحية والأدوية والأسمدة والطاقة والخدمات المالية.
يقول بوب سوتور نائب رئيس IBM المسؤول عن مجال الحوسبة الكمِّية: «بالنسبة للمستهلك المتقاعد، قد تساعدك الحواسيب الكمِّية على اتخاذ قراراتك الشخصية المالية للأعوام العشرة أو الخمسة عشر القادمة بطريقة أفضل مما يقوم به مستشارك المالي».
تُعَد شركة IBM بأنظمتها الكمِّية الـ15 المنتشرة واجهةً للحوسبة الكمِّية، وقد تمكنت جريدة U.S. TODAY من تنفيذ جولة في المختبر الكمي في مرتفعات يورك تاون في نيويورك.
لكن مازالت شركات مثل جوجل وأمازون وإنتل ومايكروسوفت وهنيويل من بين خبراء التكنولوجيا الآخرين الذين يعملون في هذا المجال، وكذلك العديد من الشركات الناشئة العالمية المدعومة من المشروع.
دعمت الحكومة الأمريكية -في سباقها ضد الصين- المشروع أيضًا، إذ وقع الرئيس ترامب في أواخر عام 2018 قانون مبادرة الكم الوطنية، ليصبح قانونًا لتمويل أبحاث الكم بقيمة 1.2 مليار دولار على مدى خمس سنوات.
فيما يلي دليل لإزالة الغموض عن الحوسبة الكمية، التي بالتأكيد ستسمعون عنها الكثير في الأعوام القادمة.
ما الحوسبة الكمية ؟
ليس من السهل الإلمام بالحوسبة الكمية أو بمجال الفيزياء الذي يدرسها (ميكانيكا الكم)، لكن هذه الآلات التي تبلغ تكلفتها الملايين مُصمَّمة لنمذجة الطبيعة.
بعبارة أبسط هي أقوى كثيرًا من الحواسيب الكلاسيكية التي يُعبر عنها بالوحدات الأساسية الصفر أو الواحد، أو البتات، فقد أحدثت الحوسبة الكمية قفزة نوعية في مجال الحوسبة عبر ما يعرف بالوحدة الأساسية الكمية (البتات الكمية) أو الكيوبتات (qubits).
فكر في الأمر كذلك: إذا رميت عملةً معدنية فهي ستسقط على جهة الوجه أو الكتابة، أو بمصلحات الحاسوب الصفر أو الواحد، لكن ماذا يحدث إذا استمرت العملة بالدوران في الهواء؟ هكذا حال الكيوبتات، فليس بالضرورة أن تكون صفرًا أو واحد، بل تشمل الاحتمالين معًا.
الآن دعنا نأخذ هذا التشبيه لمستوى أعلى: إذا رمينا عملتين معدنيتين في الهواء، فليس لوجهي أحد العملتين أي تأثيرعلى وجهي العملة الثانية، أما الكيوبتات فتشمل حالات تشابك متعددة في آن واحد.
يقول جيل: «يشبه ذلك عندما اكتشفنا أن الأرض ليست مسطحة. إنها ثورة حقيقية في هذا المجال».
كيف تبدو الحواسيب الكمِّية؟
تُحفَظ شريحة الحاسوب الكمِّي عند درجة حرارة أقل من درجة حرارة المحيط الخارجي، في أسطوانة تشكل جزءًا من جهاز مُبرَّد بدقة.
يحتوي النظام على أكثر من 2000 جزء، بما في ذلك مبردات الأنبوب النبضي والخطوط متحدة المحاور فائقة التوصيل وغرفة المزج والدوائر المختلفة، فيما يشبه ثريا فاخرة.
ما مدى انتشار الحوسبة الكمية ؟
أصبحت IBM في 5 مايو 2016 أول شركة تضيف الحوسبة الكمِّية إلى الحوسبة السحابية، وأصبح بوسع أي شخص على دراية بالحوسبة أن يعرف كيفية تنفيذ تجارب الحوسبة الكمِّية.
نفذت أجهزة شركة IBM أكثر من 150 مليار برنامج وإجراء حتى الآن، بأكثر من 200 ألف مستخدم فاعل في 140 دولة، وأكثر من 12 ألف مستخدم نشط شهريًّا. تنفذ الأجهزة في هذه السحابة أكثر من 400 مليون دائرة كمِّية في اليوم الواحد نموذجيًّا.
وقعت IBM عقودًا حول الحوسبة الكمية مع أكثر من 100 جامعة ومختبر وشركة حول العالم.
يتعاون باحثو الكم في IBM مع نظرائهم من شركة ديملر (الشركة الأم لمرسيدس بينز) لتطوير الجيل القادم من بطاريات السيارات الكهربية، وتتشارك IBM كذلك مع شركة دلتا للطيران لاستكشاف فرص للبحث الكمي في مجال الأنشطة السياحية.
أعلنت جوجل في أكتوبر الماضي توصلها إلى ما أسمته التفوق الكمي، بتنفيذ عمليات حسابية معقدة -قد يستغرق إنجازها بواسطة حاسوب اعتيادي فائق السرعة نحو 10 آلاف عام- في غضون 200 ثانية فقط.
زعمت IBM حينذاك أن المحاكاة المثالية لنفس هذه المهمة في نظام كلاسيكي قد يستغرق يومين ونصف بدقة عالية جدًّا، وذهبت إلى أبعد من ذلك بقولها أن هذا التقدير متحفظ وينطبق على أسوأ الحالات.
قال جيل: «يخلط الناس أحيانًا بين التجارب المختبرية وبين النظام الحقيقي على أرض الواقع».
وتستمر الادعاءات حول الحوسبة الكمية بالانتشار، فقد أعلنت شركة هنيويل Honeywell عن قرب إصدار ما وصفته بأنه أقوى حاسوب كمِّي حتى الآن، في منتصف 2020.
أقامت هنيويل شراكةً استراتيجية مع شركة جي بي مورجان JPMorgan لبحث الحلول المالية الممكنة لاستغلال الكم، وتُعَد جي بي مورجان جزءًا من النظام البيئي الكمِّي لشركة IBM.
يقول جيل إن الوقت ما زال مبكرًا لذلك، فالحوسبة الكمِّية الآن في نفس مرحلة التطور التي كان عليها الذكاء الاصطناعي عام 2010.
وقال سوتور: «لتوضيح الأمر، لا أحد اليوم يمتلك حاسوبًا كمِّيًّا يعمل بكفاءة أكبر من حواسيبنا الكلاسيكية».
تزعم IBM أنها تستطيع أن تضاعف طاقة الحاسوب الكمِّي سنويًّا، وبذلك ستتمكن عند حد معين من تخطي حاجز الحواسيب الكلاسيكية، على الأقل في معالجة مشكل محددة.
هل توجد مخاطر أمنية؟
قد تكون الحواسيب الكمية الكبيرة مستقبلًا قادرة على تلافي الأخطاء، وعلى فك تشفير الأنظمة الحالية، لكن مثل تلك الأجهزة غير موجودة حتى الآن.
تعمل IBM مع المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا على تطوير معايير التشفير، للمحافظة على فعالية الأنظمة الكمِّية، وجعلها آمنةً في نفس الوقت.
يقول جيل بشأن مشكلة التهديدات المستقبلية: «لن تواجهنا مثل هذه التهديدات الأمنية قبل سنوات، ومع ذلك لم نتجاهل المشكلة بل نعمل على حلها».
وحتى بعد مرور سنوات من الآن لا يجب أن تتوقع الحصول على حاسوب كمِّي على مكتبك.
لكن التكنولوجيا التي أصبحت ممكنةً بفضل أجهزة الكمبيوتر الكمِّية ستبدأ في دعم تطبيقات المستهلكين وتقويتها، وسيستفيد المجتمع إذا تمكنت الحواسيب الكمِّية من إيقاف جائحة محتملة قبل أن تبدأ بالفعل.
يقول سوتور: «الطبيعة نفسها هي جهاز حاسوب واحد كبير، يتمثل في الطريقة التي تتفاعل بها الذرات والجزيئات والضوء، فهل يمكننا أن نتعلم ما يكفي حول التعامل معها وتسخيرها لتلبية احتياجاتنا الخاصة في الحوسبة، والتعامل مع أصعب المشكلات التي تواجهنا؟».
اقرأ أيضًا:
مقارنة بين فيروس كورونا الجديد وفيروس الإنفلونزا: أيهما أخطر؟
الحوسبة الكمومية (Quantum Computing) – الجزء الثاني
ترجمة: رياض شهاب
تدقيق: رزوق النجار
مراجعة: أكرم محيي الدين